اسيا العتروس: الرغيف يدخل سلاح العصر ..اسيا العتروس

الجمعة 25 مارس 2022 01:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
اسيا العتروس: الرغيف يدخل سلاح العصر ..اسيا العتروس



نستحضر في خضم حرب العصر او الحرب المسعورة التي تشنها روسيا على اوكرانيا ما سبق للمبدع المغربي محمد شكري ان انفرد بنقله للعالم ضمن روائع الادب العالمي عندما تحدث في رائعته الادبية عن “الخبز الحافي” الذي نكتشف اليوم معانيه المؤلمة على ارض الواقع و ليس بين ثنايا الكتب , و ربما لم يكن محمد شكري و هو يستعرض تجربته مع الفقر و البؤس و الجهل و الجوع في بيئة معدمة الى درجة يستوي فيها الموت بالحياة انه كان يستبق ما يجري اليوم و يرسم خفايا معركة قد لا تتضح تداعياتها اليوم قبل ان تضع الحرب الراهنة اوزارها و تبدا عملية احصاء و حصر الخاسرين و الفاشلين و ربما الرابحين في حرب  باتت مختلف المنظمات الدولية تحذر من مخاطره التي ستتمتد الى كل قارات العالم دون استثناء و التي تؤكد يوما بعد يوم بان شظاياها لن تتوقف عند حدود المدن الاوكرانية التي تتعرض للقصف بل انها ستجرف معها على الارجح الكثير من الشعوب التي كانت تعتقد و حتى وقت قريب انها في مامن من هذه الحرب …
الخبز الحافي يوشك ان يتحول الى عملة نادرة و قد نحتاج لكيس من الاوراق النقدية للحصول على رغيف واحد مستقبلا في حال طال امد الازمة ..
بل ان الاخطر اليوم ان تداعيات هذه الحرب التي تدورعلى مشارف القارة العجوز ستلقي بحممها على الدول و الشعوب الافقر تلك التي لا يمكن لمخازنها ان تضمن الرغيف الحافي لكل الافواه و تلك التي ستتجه انظارها مطلع كل شهر الى المواني التي تعودت على استقبال السفن المحملة بالحبوب المسترة من روسيا و اوكرانيا وفي مقدمتها الشعوب الافريقية التي سيتعين عليها التكيف و الاستعداد لبحث سبل تفادي المجاعة الزاحفة عليها في حال استمر الوضع على حاله ….اذا كان هناك اليوم من درس يجب الاستفادة منه في هذه الحرب فهو ان  الامم و الشعوب التي سيكون بامكانها تجنب اوزار هذه الحرب و تداعياتها الخطيرة هي تلك التي حرصت على ضمان امنها الغذائي والمائي و عملت للاستثمار في مواردها وامكانياتها لتجعل لها مما تنتج وتزرع ما يكفي لاطعام شعوبها وتجنيب مواطنيها مخاطر الجوع …فالاستقالية أشمل و أوسع من أن ينحصر في  الشعارات الحماسية الجوفاء التي لا تغني و لا تسمن في المحن ..
تدخل اليوم الحرب الروسية في اوكرانيا شهرها الثاني على التوالي دون ادنى مؤشر عن قرب انتهاء الصراع خلال الساعات القليلة القادمة في ظل استمرار الحرب الكلامية المسعورة التي تسابق الحرب الميدانية المرجحة لمزيد التصعيد مع وصول الرئيس الامريكي جو بايدن اليوم الى العاصمة البلجيكية بروكسيل لعقد اكثر من قمة على مستوى قادة اتلحلف الاطلسي كما قادة الاتحاد الاوروبي و مجموعة السبع  بما يجعل كل السيناريوهات قائمة و لكن بما يعزز القناعة ايضا بان الحرب التي تبدو في ظاهرها المواجهة منحصرة بين موسكو و كييف تذهب الى ابعد من ذلك و قد لا يكون من المبالغة في شيء القول بان المواجهة هي بين واشنطن و موسكو حتى و ان لم تكن مواجهة مباشرة بين الطرفين و لكنها مواجهة تدفع فيها اوكرانيا ثمن موقعها الاستراتيجي والجغرافي  المصيري في مخاض النظام العالمي المرتقب و صراع النفوذ بين القوى الكبرى التي تسجل حدود نفوذها و هيمنتها بكل الطرق المتاحة ..لسنا نبالغ و لكن يبدو ان الخبز او العيش او الرغيف يدخل اليوم مجالات اخطر انواع  الاسلحة التي يمكن ان تهز العالم في حال توقفت امدادات القمح لاصحابها و توقفت معها امدادات الغاز و الوقود و الاسمدة التي تحتاجها كل الاقتصاديات لمواصلة تحريك مصانعها و اساطيلها و ناقلاتها الجوية و البحرية ..و الاكيد ان اختفاء السفن المحملة بالقمح و الحبوب القادمة من روسيا و اوكرانيا سوف يؤول الى ازمة غذائية عالمية تضاعف البون الحاصل بين الاقوياء و الضعفاء الذين سيموتون بسبب الجوع …ولا شك ان في تقارير صندوق النقد الدولي من أن الصراع الدائر في أوكرانيا سيعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر، وأن “الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في أفريقيا”. على اعتبار ان اوكرانيا تمثل سلة سلة الخبز لأوروبا فيما تظل روسيا المصدر الاساسي للقمح لعديد دول منطقة الشرق الاوسط ما يجعل العالم امام خيارات صعبة و معقدة فاما الاستثمار جديا في انهاء الحرب و الدفع نحو اطفاء اللهيب المتأجج او تحمل نتائج ما يحدث ..
العالم يتجه نحو مرحلة سيكون فيها رغيف الخبز اغلى من كل انواع السلاح و الرصاص و الدمار و الاشارات المرتبطة بالحرب في اوكرانيا قد لا تحتاج الى خبير في التنجيم لفك الغامها الكثيرة المنتشرةفي كل المسالك و الطرقات …
كاتبة تونسية