يديعوت - بقلم: سيما كدمون اتهمنا رئيس أوكرانيا فلودومير زيلينسكي، أمس، بتركه لمصيره. كان هذا هو السطر الأخير لخطابه أمام النواب، بل أمام الجمهور الإسرائيلي كله. كانت أقواله محاولة مباشرة وفظة لإثارة مشاعر شعب إسرائيل وقيادته. أن يعزف على المشاعر العاصفة والمليئة بالذنب. ومثلما قال للأمريكيين حين أرادوا إنقاذه: “أحتاج إلى السلاح لا إلى النقل بالمجان”، أعاد قوله أمس لإسرائيل أيضاً: ما يتوقعه منا هو المساعدة العسكرية، السلاح والقبة الحديدية، وعقوبات مهمة على روسيا. طلب من إسرائيل اتخاذ موقف، وكان له موقف مبدئي إزاء وساطة بينيت، نتفق معه فيه: يمكن التوسط بين الدول، قال، ولكن ليس بين الشر والخير.
من السهل التضامن مع الرئيس الشاب، الذي يبدو مثل صديق أمن في قوات الاحتياط، والذي يتوجه إلينا من مكان مخبئه، فيما بلاده محطمة، والأموات يتراكمون في الشوارع، واللاجئين يتكاثرون. وقد نفهم بأن من يقاتل في سبيل حياته وحياة أبناء شعبه، مستعد لإسماع كل شيء يبدو له أنه يمس بشغاب قلب سامعيه. ويمكن قبول توجه أوكرانيا لإسرائيل بطلب المساعدة، وأنها لاقت منها “عدم المبالاة، والحسابات والوساطة دون اختيار طرف”. في هذا أيضاً غير قليل من الحق، حين نأخذ في الحسبان تلعثم الحكومة في بداية الحرب وأنها لا تزال تجد صعوبة في صياغة موقف مبلور وصارم في تأييد أوكرانيا ومحاولتها الوقوف على طرفي الطيف حتى هذه اللحظة.
كما أن الأخطاء التي ارتكبت ولا تزال ترتكب في كل ما يتعلق باستيعاب اللاجئين وإحساس الخجل الذي يشعر به الكثير من الإسرائيليين هذه الأيام، هي خلفية مريحة للرئيس اليهودي الخبير في الشبكات الاجتماعية والعالم بالتأكيد بالمشاعر في إسرائيل. ما لا يمكن الموافقة عليه هو تشويه التاريخ والتشبيه المقلق الذي عقده زيلينسكي بين الوضع في أوكرانيا والكارثة اليهودية.
مع كل العطف الذي تبعثه أوكرانيا ورئيسها، تبدو المسافة شاسعة بين هذا وما حصل قبل 80 سنة في أوروبا. وهذا أيضاً إذا لم نتطرق للحقيقة التافهة التي، بخلاف زيلينسكي، لم يكن لنا كيف، وأساساً من نتوجه إليه. ولكن الأمر الأكثر إثارة للحفيظة في خطاب الرئيس هو الشكل الذي يبالغ فيه في مساعدة الأوكرانيين لليهود. ربما لا يكون هذا مهماً، وأن على إسرائيل أن تنسى جروح الماضي وألا تجري الحساب المضرج بالدماء مع الأوكرانيين. ولكن الجلوس لسماع الرئيس الأوكراني يتحدث عن “الاختيار” الذي أجراه الأوكرانيون قبل 80 سنة، وكأنهم اختاروا جانب الخير، وذكر محبي أمم العالم ممن أنقذوا اليهود وكأنهم الشعب الأوكراني كله، إنما هو تشويه وكذب.
قد يكون هذا هو التاريخ الذي يعلمونه في مدارس أوكرانيا. وقد يعتقد زيلينسكي أن إسرائيل لا تعرف التاريخ، ويحتمل أن يكون محقاً أيضاً. ولكن قبل أن يتثبت هذا في الوعي الإسرائيلي، ينبغي أن نذكر بما هو محظور نسيانه: قتل في الحرب العالمية الثانية على أرض أوكرانيا بين مليون ومليون ونصف يهودي. أعمال ذبح كثيرة جرت على أرضها ولم يكن ذلك فقط في بابي يار، مكان القتل الأوسع في حفر النار حين قتل في يومين نحو 34 ألف يهودي. من الشائق رؤية أن زيلينسكي يختار ذكر أحد الأماكن الأكثر إجراماً من ناحية الأوكرانيين، وكأن الحديث يدور عن مذبحة لم يكن لشعبه دور فيها، بينما معظم القتلة المنفذين كانوا أوكرانيين. ناهيك عن أن الكثير من الأوكرانيين كانوا حراساً في معظم معسكرات الإبادة النازية (انظروا قصة ديميانيوك). وأعمال القتل واللاسامية كانت هناك حتى قبل الحرب العالمية الثانية، مثل ضربات فتليورا التي قتل فيها بين 50 و100 ألف يهودي، ومذابح في لافوف، في حودركوف، واضطرابات “ت ح” و “ت ط” اللتين قتل فيهما نحو 50 ألف يهودي على أيدي حملنيتسكي.
خسارة أن زيلينسكي لم يكتفِ بطلب المساعدة وطلب أن تتخذ إسرائيل موقفاً، بل بالغ في التشويهات والتزويرات. صحيح أن على إسرائيل أن تختار جانب الخير وتتخذ موقفاً وتساعد أوكرانيا، ولكن عليها أن تساعدها رغم أن أرض أوكرانيا مشبعة بالدم اليهودي.