الحرب الروسية الأوكرانية: حسابات الربح والخسارة ..م. محمد مرشد حماد

الثلاثاء 15 مارس 2022 11:20 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الحرب الروسية الأوكرانية: حسابات الربح والخسارة ..م. محمد مرشد حماد



قبل الحديث عن نتائج انتصار أو هزيمة روسيا في المعركة المستعرة والتي تدور رحاها على الأراضي  الأوكرانية ، وتمتد تداعياتها لتطال العالم بأكمله ؛ من المنطقي التفكير في المدة التي سيحتاجها كل طرف لتحقيق أهدافه أو لقبول الواقع الجديد سواء كان نصراً أو هزيمة لهذا الطرف أو ذاك.
العمليات العسكرية مستمرة بوتيرة متسارعة ؛ فالقوات الروسية تتقدم ، والقوات الأوكرانية تتراجع وتدافع ، وحلف الناتو يكتفي حالياً بتسهيل إمداد القوات الأوكرانية بالأسلحة الفردية بما فيها مضادات الدروع ومضادات الطائرات السمتية ، وأجهزة الإتصالات والتشويش ؛ بغية اعاقة تقدم الجحافل الروسية وضرب وحدات الإسناد والإمداد ، وشن هجمات محدودة خلف الخطوط الروسية ، وكما تلجأ القوات الأوكرانية أحياناً الى تخريب الطرق والجسور ، وبذلك فأن إستراتجية القوات الأوكرانية وحلفائها تسعى الى إبطاء تقدم القوات الروسية وتكبيدها أكبر عدد من  الخسائر البشرية دون الدخول في مواجهة شاملة ، وتتلخص النتائج المرجوة من هذه الإستراتجية بالأتي :

عدم إقحام القوات الأوكرانية في مواجهات حاسمة ؛ كي تحافظ على عديدها وتجنبها الخسائر الموجعة .

كسب المزيد من الوقت ؛ لدعم المفاوض الأوكراني والضغط على المفاوض الروسي .

المراهنة على تضخم الأصوات المعارضة للحرب في الداخل الروسي والتي من الطبيعي تناميها مع ازدياد الخسائر البشرية والإقتصادية في الجانب الروسي .

تأجيج الرأي العام العالمي والأوروبي على وجه الخصوص لتمرير عقوبات أكثر تشدداً ضد روسيا.

تحرص الإدارة الأمريكية على إطالة أمد الصراع لتعميق الخلاف الروسي الأوروبي ، ولتنهي بعض الملفات السياسية العالقة كالملف النووي الإيراني ، والتفاوض مع فنزويلا ، وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط ، والملف الليبي مستغلة انشغال روسيا وعزلتها.

وضمن هذا السياق تتحقق المصلحة الأمريكية البريطانية في اطالة أمد الصراع قدر المستطاع ؛ وهناك بعض الدول تحقق منافع جمة من اطالة أمد الصراع  ، فتركيا مثلاً  قدمت لها هذه الأزمة طوق النجاة للخروج من أزمتها الإقتصادية وقدمت نفسها مجدداً كشريك استراتجي مهم للولايات المتحدة ، وتحولت الى محطة مهمة لشركات الطيران بعد قرار الحظر والحظر المضاد بين روسيا وأوروبا ، وكذلك الصين التي تُعد المنفذ المالي والتجاري الأهم لروسيا في خضم العقوبات التي فُرضت على روسيا دون أن تتأثر تجارة الصين مع باقي  الأسواق ، وقدم لها هذا الصراع شرحاً توضيحياً مفصلاً لما يمكن أن تواجهه إن هي خاضت صراع مع الناتو مستقبلاً . أما السيناريوهات المتوقعة لهذا الصراع فتتلخص فيما يلي :

نجاح المفاوضات والإتفاق على بحث المسارات ضمن عملية تفاوضية مجدولة ، لكن هذا الاحتمال يعتمد كلياً على المفاوض الروسي ؛ فصانع القرار الروسي  يدرك يقيناً أن الحكومة الأوكرانية الحالية عاجزة عن تقديم الضمانات التي يطلبها دون مشاركة الطرف الأمريكي بشكل مباشر وفعال في المفاوضات .

نصر روسي عسكري حاسم يُلزم الحكومة الأوكرانية بالشروط الروسية بما فيها الإعتراف بالسيادة الروسية الكاملة على شبه جزيرة القرم ، وباستقلال المنطقتين الانفصاليتين ( دونيتسك ولوغانسك) ، وبتقديم الضمانات الأمنية المطلوبة ، وهذا النصر منبعه النصر العسكري الروسي والذي هو مؤكد ضمن الجغرافية الأوكرانية ، ولكن الثمن والوقت الذي يتطلبه هذا النصر هو ما سيحدد نتائجه السياسية ؛ فالقوات الروسية قد تلجأ الى استخدام أسلحة تقليدية أكثر فتكاً رغم أن هذا الخيار وإن بقي ممكناً إلا أن تداعياته الإنسانية والسياسية والإقتصادية مؤلمة ، ومن الواضح أن الإستراتجية العسكرية الروسية تعتمد على التقدم البطيء والضربات الانتقائية حتى لا توقع خسائر ضخمة بين المدنيين .

نصر أمريكي أوروبي حاسم وهذا النصر إن تحقق لن يكون نصراً عسكرياً ؛ فالأدوات المستعملة ليست عسكرية بل اقتصادية واستخباراتية ، وهدفها الأسمى هو خلق حالة من عدم الإستقرار في الداخل الروسي تجبر روسيا على الانسحاب من أوكرانيا بعد أن تواجه حالة من الإضطرابات والاحتجاجات الداخلية ، فأمريكا وأوروبا على يقين أن انتصار القوات الأوكرانية عسكرياً غير ممكن دون التدخل العسكري المباشر لحلف الناتو ، وقد تكون أوكرانيا هي حصان طروادة الذي صنعوه كي يبرروا حربهم الإقتصادية والإستخباراتية التي تستهدف روسيا .

إن خسرت روسيا هذا الصراع سيتعزز ويستمر واقع القطب الواحد ، وهذا الأمر سيحبط الصين ويضع حداً لطموحاتها أو يؤجلها ، وكذلك سيضع حداً لطموحات فرنسا التي تسعى الى الإعتماد على المقدرات الأوروبية لحفظ أمن القارة العجوز ، والى تعزيز سيطرتها على الموارد الإفريقية بل تجاوزت ذلك مؤخراً من خلال محاولتها لعب دور فاعل على المستوى الدولي ، وأما عن المانيا فسوف تُنمي علاقاتها الإقتصادية مع الولايات المتحدة ؛ بغية مساعدتها في إيجاد مُوردي طاقة غير روسيا ، وترسخ شراكتها مع القوات الأمريكية لتحقيق الإستقرار في محيطها الأوروبي ، وعلى مستوى الوطن العربي والشرق الأوسط لن يتغير الوضع كثيراً بل ستمارس الولايات المتحدة المزيد من الضغوط على الدول التي لا تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني ، وقد تضع الملف السوري على طاولة التفاوض مع روسيا وأيضاً ضمن التفاهمات وملاحق الإتفاق النووي الإيراني الذي بات قاب قوسين أو أدنى .
وإذا ما خرجت روسيا منتصرة من هذا الصراع ؛ فالعالم كله سيدخل مرحلة المخاض العسير ؛ لترتيب التحالفات ومناطق النفوذ الجديدة ، فأوروبا الشرقية ستعود على استحياء وتدريجياً لتتغطى بعباءة روسيا المنتصرة ، وستجد المانيا وفرنسا في روسيا المنتصرة المخلص من الابتزاز الأمريكي ــ البريطاني الذي فُرض عليهما بعد الحرب العالمية الثانية ، وسُيشكل انتصار روسيا حافزاً للصين لتحذو حذوها في بحر الصين  وجنوب شرق أسيا على الأقل .
وأما عن تداعيات النصر الروسي على منطقة الشرق الأوسط ــ إّن حدث ــ ، فستعود بعض الدول لنسج تحالفات إستراتجية أمتن مع روسيا كالجزائر ومصر التي قد تلحق بها السودان ، ولكن مناطق التوتر (ليبيا ، وسوريا ، واليمن ) ستشهد عودة للعمليات العسكرية بغية الحسم النهائي  .
مما سبق يمكن الاستنتاج أن المصلحة الأمريكية البريطانية تتحقق في إدامة أمد الصراع ؛ لهذا فإن أوروبا والشرق الأوسط لن يعودا كما كانا مهما كانت نتيجة الصراع الروسي الأوكراني ، والذي يُمثل قناعاً لمصالح اقتصادية امريكية بريطانية ومُهد له بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي .
جائحة كورنا والأزمة الروسية أعادتا الى الاذهان الحلم العربي الذي يبتعد عنا كلما اقترب ؛ فالدول الكبرى  تُؤمن بالنظرية الجيوسياسية الكلاسيكية وتعتبرها القضية المركزية فتخوض الحروب وتدمر دولاً لأجل أمنها واقتصادها بينما تتبنى النخب العربية وصناع القرار المفهوم الجيوسياسي المعاصر الذي طوع العناصر الميكروفيزيائية لمجتمعاتهم ودولهم ، وربطها بتكتلات اقتصادية تخدم بشكل مباشر أو غير مباشر  الكولونيالية الحديثة او ما يسمى (ما بعد الكولونيالية) .
الحكومات التي ستفرزها صناديق الإنتخابات في أوروبا ستكون يمينية المشرب على الأغلب وعلى العالم أن يتحضر لصراعات جديدة وأزمات اقتصادية أكثر قسوة .