كثّف السفيران الروسي والأوكراني في الجزائر من حضورهما الإعلامي منذ بدء الحرب بين بلديهما، إذ يحاول كل طرف استمالة الرأي العام الجزائري لأطروحته.
وبينما تركز روسيا على أنها “ليست المعتدي”، تؤكد أوكرانيا على أنها “الضحية” وتطلب حتى من الجزائريين التعاون معها، كما لو أن طرفا يريد إقحام الجزائر في هذا الصراع، الذي تتحفظ رسميا على الخوض فيه.
وتم، أمس الجمعة، قرصنة حساب وزارة العدل الجزائرية على تويتر ونشر تغريدات معادية لأوكرانيا سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعمالها، من قبيل أنه “يجب محاربة النازية في أوكرانيا.. روسيا هي الدولة الوحيدة التي أعطت المعركة للعدو”، وعبارات أخرى تتهم الرئيس الأوكراني زيلينسكي بقتل مواطنيه. وفور ذلك، نشرت وزارة العدل بيانا أكدت فيه تعرض حسابها للقرصنة، وأشارت إلى أن “كل المنشورات التي تنسب إلى الجزائر وتسيء إلى مواقفها الدولية لا علاقة لها بالموقع الرسمي للوزارة”. وأوضحت أنها “سترفع دعوى قضائية ضد هذا الهجوم السيبيراني الذي يستهدف مؤسسة رسمية في الجزائر”.
لكن الأمر لم يتوقف هنا، فقد تفاعلت السفارة الأوكرانية بسرعة مع هذه الحادثة، وأصدرت بيانا تطلب فيه من السلطات الجزائرية المختصة “التكرم بإجراء تحقيق عاجل بخصوص الهجوم الإلكتروني بغية تحديد الأطراف المتسببة في الاختراق وإبلاغ سفارة أوكرانيا بالجزائر بنتائج التحقيق وفقا للنظام المعمول لديها”، وهو بيان أثار بعض الجدل على مواقع التواصل خاصة في طريقة صياغته، التي أعطت الانطباع بأنها توجيه أوامر، وبدت خالية من اللياقة الدبلوماسية، وفق عدد من المعلقين.
وفي الواقع، ليس هذا البيان الأوكراني المنشور على فيسبوك، سوى جزء من فصول الحرب الإعلامية الدائرة بين سفارتي البلدين على هذا الموقع، الذي يرتاده الجزائريون كثيرا للتواصل والحصول على المعلومة. وعلى حساب السفارة الأوكرانية بفيسبوك، تظهر مناشير متنوعة تخاطب الجزائريين، من بينها خطاب حماسي للرئيس الأوكراني مترجم للعربية نقرأ في مقدمته “أيها الشعب الحر في بلد حر! إننا نناضل من أجل حريتنا لليوم السادس عشر على التوالي. ذلك أطول أربع مرات مما خطط العدو لإنجاز غزوه”. وفي تدوينة أخرى مثبتة في صدر الصفحة، دعوة صريحة من أجل تبرع للقوات المسلحة الأوكرانية مع نشر أرقام حسابات البنك الوطني الأوكراني وطرق التحويل. وقبل ذلك، كانت السفارة قد عرضت على الجزائريين التجند في صفوف المقاومة الأوكرانية، لكنها سرعان ما حذفت المنشور بعد أن أثار عاصفة من الاستياء، كون القوانين الجزائرية تحظر تجنيد مرتزقة على أراضيها.
أما حساب السفارة الروسية بالجزائر فيبدو أن موقع فيسبوك يحد من انتشاره بسبب احتوائه على خطب للقادة العسكريين الروس، تتناقض مع ما رسمه الموقع الأمريكي من سياسة نشر مؤيدة بوضوح للجانب الأوكراني. لكن ذلك لم يعرقل من نشاط السفير الروسي، إيغور بيليايف، الذي يجري يوميا مقابلات مع الصحف الجزائرية يبرز فيها ما يقول إنها الحقائق التي تخفيها الدعاية الغربية.
وفي حواره مع جريدة ليكبرسيون الناطقة بالفرنسية، قال السفير الروسي في تبرير غزو بلاده لأوكرانيا إن أجهزة الأمن الروسية لديها دليل على أن “أوكرانيا كانت على وشك إنتاج سلاح نووي، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق لأمننا”. وأشار إلى أنه منذ عهد الاتحاد السوفييتي، كان لأوكرانيا بعض التقنية والمعرفة في المجال النووي والتي بقيت بعد تفكيك الاتحاد. وأضاف في سياق سرده للمعلومات الداعمة لرواية موسكو: “لدينا أيضا معلومات عن تصنيع أوكرانيا بمساعدة من خبراء أمريكيين أسلحة بيولوجية شديدة الخطورة”. وبالنسبة للدبلوماسي الروسي، فقد تم تحقيق الأهداف الأولى لهذه الحرب وهي تدمير منشآت العدو العسكرية، في انتظار ما يقول إنها المرحلة الأخيرة التي ستكون حسبه “إسقاط النازية من أوكرانيا ونزع تسليحها”.
كلام السفير الروسي ردّ عليه نظيره الأوكراني ماكسيم صبح في ندوة صحافية بالقول إن “الحديث عن محاربة النازيين في أوكرانيا كلام لا يمكنه أن يقنع أحدا في أوكرانيا أو العالم الديمقراطي”، فالروس حسبه يتخذون هذه الذريعة “كونهم كانوا ينتظرون أن يقابلهم الأوكرانيون بالورود بالنظر لتنوع نسيجهم الاجتماعي، لكنهم فوجئوا بأنهم وحدوا الأوكرانيين ضدهم”.
وفي خضم هذه الحرب الدعائية، تمتنع الجزائر التي تحتضن السفارتين عن إصدار أي تعليق يوحي بانحيازها لأي طرف، رغم علاقاتها القوية مع روسيا التي تعد المسلح الأول للجيش الجزائري. وكانت الجزائر قد امتنعت عن التصويت في الجلسة الأممية المخصصة لإدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا. وبرر ممثلها في الأمم المتحدة قرار الامتناع بأن “الجزائر تتمسك بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة.. لا سيما تلك المتعلقة باحترام استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، طبقا للشرعية الدولية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها”.