واشنطن بوست: هكذا ينظر الجنوب للحرب في أوكرانيا

الخميس 10 مارس 2022 08:56 م / بتوقيت القدس +2GMT
واشنطن بوست: هكذا ينظر الجنوب للحرب في أوكرانيا



واشنطن/سما/

أشارت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير للصحافيين أنتوني فايولا وليزلي روتون إلى مواقف دول الجنوب من الغزو الروسي لأوكرانيا. وقالا إنه في أجزاء من الكرة الأرضية وخاصة الدول النامية، الغزو ليس مهما لهم بالطريقة التي يتعامل فيها الغرب مع النزاع ومحاولاته عزل الرئيس فلاديمير بوتين والحاشية من حوله.

وأورد التقرير أن بوتين جنوبا يبدو أقل عزلة، فحكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي امتنعت عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، واصفة إياه بأنه مأزق بين موسكو وحلف الناتو. أما الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو فقد علق أن بلاده “لن تنحاز إلى أي طرف” في الصراع، حتى أنه وصف الزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه “ممثل كوميدي”. ولا يزال مسؤول كبير في جنوب أفريقيا يصف روسيا بأنها “صديق من كل النواحي”.

ويقول الكاتبان إن الناظر للنزاع من منظور غربي، من السهل عليه رؤية عالم يقف ضد الرئيس بوتين. ففي الوقت الذي تفرض فيه القوات الروسية حصارا وحشيا على المدن الأوكرانية، يقوم القادة في واشنطن وعواصم أوروبا بفرض عقوبة بعد عقوبة على موسكو. وفي الدول الغربية، أصبح ينظر إلى بوتين على أنه شخصية شريرة من أفلام جيمس بوند ومضاد للرئيس الأوكراني فولدومير لزيلينسكي البطل المحبوب.

وتؤكد الصحيفة أنه لا محل للشك في أن بوتين حشر نفسه وشعبه في زاوية خطيرة. وقطعت الدعاية والرقابة الروسية شعبها عن الواقع وتم عزل الاقتصاد الروسي بالعقوبات عن جزء كبير من النظام المالي العالمي وهو آخذ بالانهيار. ولم تتوقف دول الغرب عند هذا الحد بل واستهدفت هذا الأسبوع قطاع الطاقة الحيوي وفقدت العملة الروسية المزيد من قيمتها.

كل هذا يحدث لو نظرنا للأمور عبر عدسة الغرب، لكننا لو تعاملنا مع القضية بشكل أعمق، ففكرة عزلة بوتين عن العالم هي صورة عن التحيزات الغربية، وهي افتراض يقوم على وصف “الكون” بأنه هو مجرد الدول الثرية، الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا واليابان إلى حد كبير. ومن بين 193 عضوا في الأمم المتحدة، صوت 141 لإدانة هجوم موسكو غير المبرر على جارتها، لكن تصويت الأغلبية هذا لا يقدم صورة دقيقة عن الوضع.

فكرة عزلة بوتين عن العالم هي صورة عن التحيزات الغربية، وهي افتراض يقوم على وصف الكون بأنه مجرد الدول الثرية، الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا واليابان إلى حد كبير

ونقلت الصحيفة عن ريتشارد جوان، مدير قسم الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: “هناك شعور بأن مستوى الدعم من الكثير من الدول غير الغربية لهذا القرار كان ضعيفا للغاية”.

وتقول الصحيفة إن العديد من الدول في العالم النامي، بما في ذلك بعض أقرب حلفاء روسيا، غير راضية عن انتهاك بوتين للسيادة الأوكرانية. ومع ذلك، فإن عمالقة جنوب الكرة الأرضية – بما فيها الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا – يقومون بتحويط رهاناتهم، بينما لا تزال الصين تدعم بوتين علنا. وحتى تركيا، العضو في الناتو، تتصرف بحذر، وتتحرك لإغلاق مضيق البوسفور والدردنيل أمام جميع السفن الحربية، وليس الروسية فقط.

وتعلق الصحيفة قائلة إنه مثلما يتجاهل المشاهدون الغربيون في كثير من الأحيان الصراعات البعيدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، فإن بعض المواطنين في الاقتصاديات الناشئة ينظرون إلى أوكرانيا ويشعرون أن هذه المعركة لا تهمهم ولديهم مصالح قومية مقنعة ضد عزل روسيا.

وأضافت أن رواية الكرملين عن أوكرانيا وجدت طريقها للأخبار السائدة ومنصات التواصل الاجتماعي وفي رقعة لا بأس بها من العالم النامي. ومن يحاول في هذه الأجزاء من العالم تقديم تقييما أكثر دقة يحاول تقديم النزاع الحالي على أنه لعبة شد حبل ميكافيلية بين واشنطن وموسكو وليس معركة بين الخير والشر كما يصورها الغرب وإعلامه. وأشارت الصحيفة إلى ما كتبه المعلق فؤاد بول في صحيفة “حريت” التركية: “يجب أن نحافظ على مسافة متساوية من كلتا القوتين الإمبرياليتين”.

مثلما يتجاهل المشاهدون الغربيون في كثير من الأحيان الصراعات البعيدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، فإن بعض المواطنين في الاقتصاديات الناشئة ينظرون إلى أوكرانيا ويشعرون أن هذه المعركة لا تهمهم ولديهم مصالح قومية مقنعة ضد عزل روسيا

ويرى الكاتبان أن التردد حول بوتين يعيد صدى حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة، وهي الدول التي حاولت الوقوف في الوسط بين القوى العظمى المتصارعة. لكن الهوة بين الغرب والجنوب العالمي قد تزداد سوءا أيضا خلال الوباء وعصر تغير المناخ، حيث يزداد استياء الدول النامية من الردود التي تدفعها المصلحة الذاتية في الولايات المتحدة وأوروبا.

وعلق كريس لاندسبيرغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جامعة جوهانسبرغ: “هناك عدد متزايد من الدول التي هي أكثر استعدادا لتأكيد استقلالها على الرغم من حقيقة أنها تتطلع إلى تعاون أوثق مع الغرب وحتى في حاجة إلى الدعم الغربي ولكنهم على استعداد لإرسال رسالة تقول إنهم لا يتقبلون فكرة أن يكونوا محاصرين ويجبروا على اختيار”، أحد طرفي الصراع.

وتؤكد الصحيفة على أن عدم الرغبة في إدانة بوتين يجب ألا يترجم بالضرورة على أنه تصميم لمساعدته. ففي الأسبوع الماضي، علق البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين جميع الأعمال التجارية مع روسيا. وأوقف بنك التنمية الجديد وهو متعدد الأطراف أنشأته دول البريكس – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا – المعاملات الجديدة مع روسيا “في ضوء الشكوك والقيود التي تتكشف”.

والأهم من ذلك، فمدى دعم الصين لبوتين، الذي التقى به الزعيم الصيني شي جين بينغ في بكين قبل ثلاثة أسابيع تقريبا من الغزو، لا يزال محل تكهنات. وسط تداعيات لم تكن الصين تريدها بالتأكيد – وأظهرت اليابان في موقف أكثر حزما، وكشفت عن اقتصاد عالمي منقسم – تحول دعم شي لنظام عالمي جديد إلى جانب موسكو إلى عمل موازنات معقدة.

لكن بكين سعت على الأقل إلى الحفاظ على بعض المشاعر المؤيدة لروسيا في الداخل. على موقع التواصل الاجتماعي الصين “ويبو” حيث تم حظر عبارة “الغزو الروسي” فيما ذكرت صحيفة “ذا نيشين” أن استخدام هاشتاغ “بوتين” و”الإمبراطور بوتين” قد انتشر جنبا إلى جنب مع ميمات بوتين وهو يركب دبا.

ورفضت الهند دعم قرار الأمم المتحدة الذي تدين فيه الغزو، مشيرة إلى علاقة إستراتيجية تعود إلى الحرب الباردة. وترى نيودلهي أن موسكو قوة موازنة للصين، وأكثر من 60% من أسلحة الهند تأتي من روسيا. وأبرمت الهند صفقة بقيمة 5.43 مليار دولار مع موسكو في 2018 لنظام الصواريخ إس 400.

وقال دان روند، خبير السياسة الخارجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، “روسيا هي واحدة من أكبر تجار الأسلحة في العالم.. ما تبيعه الولايات المتحدة من الأسلحة يشبه مبيعات سيارات كاديلاك، في حين أن ما تبيعه روسيا من الأسلحة يشبه مبيعات سيارات شيفروليه”.

وذكرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير جديد أنه في عهد مودي “ردت الهند على الغزو بواقعية فظة لقوة صاعدة وطموحة لا تريد أن تعلق بين روسيا وما يسميه مودي (مجموعة الناتو)”.

وكانت جنوب أفريقيا واحدة من 17 دولة أفريقية امتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، احتراما للعلاقات التاريخية بين المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي قاد نضال تلك الدولة ضد حكومة الأقلية البيضاء، والاتحاد السوفيتي. تلقى اثنان من رؤساء جنوب أفريقيا بعد الفصل العنصري، ثابو مبيكي وجاكوب زوما، لتدريب عسكري في الاتحاد السوفيتي. وفي يوم الاثنين، وصف زوما – في بيان صدر من خلال مؤسسته – بوتين بأنه “رجل سلام”. وقالت لينديوي زولو، وزيرة التنمية الاجتماعية في جنوب أفريقيا، التي درست في موسكو خلال سنوات الفصل العنصري، لصحيفة نيويورك تايمز: “روسيا صديقتنا من جميع النواحي.. نحن لسنا على وشك التنديد بهذه العلاقة التي لطالما كانت لدينا”.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “لا يمكننا التخلي عن أوكرانيا ولا عن روسيا”. في غضون ذلك، رددت الصحافة (اليسارية) وداعموها رواية الكرملين الزائفة عن أوكرانيا باعتبارها وكرا للنازيين الجدد، ووجهت النقد الساخر إلى ترحيب أوروبا الحار باللاجئين الأوكرانيين، على عكس السوريين والأفغان، الذين تم منع عدد لا يحصى منهم من دخول الاتحاد الأوروبي وإجبارهم على طلب اللجوء في تركيا.

وعلق رجل الأعمال إيثم سنجق، وهو رجل أعمال وحليف مقرب من أردوغان، للصحافة الروسية، إن “حكام أوكرانيا انفصلوا عن تاريخهم وأصبحوا دمى في يد حلف شمال الأطلسي”. فيما علقت أصلي ايندنطاش باش، الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بمقال في صحيفة واشنطن بوست، “يبدو أن الشعور بالغموض الإستراتيجي يقع في قلب عملية التوازن بين تركيا وروسيا، تركيا غير مستعدة لاستعداء بوتين – على الأقل ليس بدون عرض ثابت من الغرب”.