رغم التأكيد على الشراكة القوية بين الجانبين في مختلف المجالات والاتفاق على مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، أصاب إقدام روسيا على غزو أوكرنيا حليفتها الصين بصدمة كبيرة جعلتها في حالة من الحيرة والارتباك، ما بين إدانة الغزو الروسي المفاجئ من جهة والتأكيد على دعم حليفها الاستراتيجي من جهة أخرى.
وقال الكاتب الصحافي ماثيو بروكر في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه إذا كانت الشراكة “بلا حدود” التي تم الإعلان عنها بين الصين وروسيا عشية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، ترقى إلى أن تكون خطة لنظام عالمي جديد، فإنها تبدو مهترئة وغير مكتملة. لقد ترك غزو روسيا لأوكرانيا بكين تسعى جاهدة لوضع حد بين مبدأها الأساسي للسياسة الخارجية القائم على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها من جهة ودعم حليف من جهة أخرى. وقد أثار هذا الحرج مجموعة من التكهنات بشأن ماذا كانت الصين تعرف بشأن نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأيا كان الاستنتاج، فهو لا يبدو مفيدا لصورة الرئيس الصيني شي جين بينغ. لقد تسبب عدوان روسيا في تعرضها لعزلة دولية، وحشد جبهة متحدة من المعارضة في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى، وكان له تأثير سلبي كبير على الأسواق المالية.
وتابع بروكر أن التداعيات دفعت زعيما مستبدا مواليا لروسيا مثل الرئيس المجري فيكتور أوربان إلى الموافقة على دعم العقوبات ضد موسكو. فهل كانت بكين على دراية بخطط بوتين، ووافقت على المضي قدما في اتفاقها مع روسيا على الرغم من ذلك، لتربط نفسها بدولة على وشك أن تصبح دولة منبوذة؟ التفسير البديل هو أن بوتين أخفى خطته. وإذا كان هذا هو الوضع، فهذا لا يساعد في تلميع سمعة شي، كمخطط استراتيجي بارع يقود الصين في مسار العودة إلى مكانة عظيمة، في عام سيسعى فيه إلى ولاية ثالثة غير مسبوقة.
ورأى بروكر أن موازنة الأدلة تشير إلى أن الصين لم تكن على دراية بما كان سيحدث. لقد كان هناك تناقض حرج في استجابتها العامة، حيث جددت التأكيد على احترام سيادة الدول، مع الرفض المتكرر لانتقاد روسيا أو الإشارة إلى عملية أوكرانيا على أنها غزو. وامتنعت الصين عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يدين التحرك الروسي، فيما فسره البعض بأنه يظهر عدم تأييد للشريك الجيوسياسي. وبعد نحو ثلاثة أسابيع من تأكيد شي على “تعميق التنسيق الاستراتيجي للدعم المتبادل والوقوف جنبا إلى جنب من أجل النزاهة والعدالة الدولية”، اتضح أن هناك حدودا لصداقتهما في نهاية الأمر.
وقد أصابت الحرب مستشاري السياسة الصينية بالدهشة. لقد كانت الولايات المتحدة تتحدث عن الحرب لزعزعة استقرار أوروبا وتحقيق فائدة للصناعات الأمريكية، حسبما قال جين كانرونج الأستاذ بجامعة رينمين، وهو أيضا أستاذ زائر في كلية جيرارد فورد للسياسة العامة بجامعة ميشيغن، للإذاعة الرسمية الصينية. من جانبه، كتب سون صن الزميل البارز ومدير برنامج الصين في مركز “ستيمسون” ومقره واشنطن يوم الاثنين يقول “لم يصدق أي خبير واحد في السياسة الصينية الفكرة” أن روسيا سوف تغزو أوكرانيا.
وقال بروكر إنه بينما يمكن أن يكون هناك بعض التضليل الدبلوماسي، ويمكن أن يفهم الأكاديميون الأمور بشكل خاطئ، هناك بعض الأسباب الملموسة التي تدعو للاعتقاد أن بكين لم تعرف أن الغزو سيحدث. أحد الأسباب، هو عدم إعداد خطة لإجلاء السكان الصينيين في أوكرانيا، ثم الرسائل المتضاربة للسفارة، التي طلبت من الرعايا إظهار الأعلام الصينية فوق سياراتهم قبل أن تلغي هذه النصيحة بعد يومين. وقال صن بمركز “ستيمسون”: “لا يمكن تصور أن بكين كانت تعرف (بالغزو) لكنها لم تكترث بالإعداد” للتعامل معه.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك حقيقة أن المسؤولين الأمريكيين قدموا معلومات استخباراتية لنظرائهم الصينيين تظهر حشد القوات بالقرب من الحدود الأوكرانية وناشدوهم استخدام تأثيرهم لإقناع روسيا بعدم غزو أوكرانيا. وبدلا من ذلك، نقل المسؤولون الصينيون المعلومات إلى موسكو.
ويشير هذا القرار إلى سبب رئيسي لإساءة بكين للحسابات بشكل كبير. لقد كان الدافع وراء التقارب الصيني الروسي هو عدم الثقة المشتركة في الولايات المتحدة وإدراك راسخ تماما أن النظام العالمي الراهن مجرد أداة لكي تمارس واشنطن الهيمنة على الدول الأخرى. وقد رفض البيان المشترك للدولتين الصادر في 4 شباط/فبراير بوضوح توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) (وهي نقطة خلاف رئيسية في استهداف بوتين لأوكرانيا)، ودعا البيان الحلف إلى “احترام سيادة وأمن ومصالح الدول الأخرى”. ويتعين تحديدا النظر إلى النوايا الأمريكية بشك، ولا يبدو أنه قد تم النظر في إمكانية أن تكون التحذيرات الأمريكية صحيحة وأن يكون بوتين لاعبا خبيثا وغير رشيد يخطط لانتهاك أمن دولة أخرى ذات سيادة.
واعتبر بروكر أن قوة ردود الفعل على غزو أوكرانيا ينبغي أن تمنح بكين فترة توقف، حيث لا يمكن على الإطلاق أن يعوض كميات النفط والغاز والقمح التي ستأتي من علاقتها القوية مع روسيا أي إقصاء أو نبذ مماثل من النظام الدولي، والذي أفادت العضوية فيه الاقتصاد الصيني بقوة. وعلى الرغم من كل أوجه القصور الموجودة حاليا في النظام، فلا يمكن أن يوفر هيكل بديل تكون فيه روسيا بقيادة بوتين شريكا رئيسيا، النظام والأمن اللذين تسعى الصين إليهما.
إن الأفكار الشائعة أن الدبلوماسية الليبرالية أصبحت بالية وفي حالة تدهور، ربما تستوجب إعادة النظر. لقد استعادت الديمقراطيات في أوروبا حالة من وضوح ووحدة الهدف كان من الصعب تصورها قبل هذه الأزمة وبسرعة كانت الصين تعتبرها ميزة لنظام الحزب الواحد لديها.
واختتم الكاتب ماثيو بروكر تقريره بالقول إن هناك إشارات متنامية على وجود تردد داخل الصين. فقد اقترب وزير الخارجية وانج يي من انتقاد روسيا، قائلا يوم الثلاثاء إن الصين “شجبت” الصراع وتشعر بقلق بالغ إزاء إيذاء المدنيين. وتم السماح بترويج بعض التعليقات المتعاطفة مع أوكرانيا بين الأصوات الموالية لروسيا على شبكة الإنترنت الصينية التي تخضع لرقابة قوية، إلا أنه تم حذف خطاب مفتوح من خمسة مؤرخين ينتقد أفعال موسكو بشكل سريع. إن الصين لن تتخلى عن تحالفها مع روسيا، إلا أن عدم القدرة على توقع غزو أوكرانيا يعد فشلا مؤكدا، يستدعي إعادة تقييم على العديد من الجبهات من أعلاها إلى أدناها.