نشرموقع “بوليتكو” تحليلا لناحال توسي قالت فيه إن الرئيس جوي بايدن وفريقه اعتقدوا أنهم يستطيعون التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن حساباتهم كانت خاطئة بشكل قاتل. وقالت إن الرئيس جوي بايدن لم يخف على مدى العقدين الماضيين مقته وعدم ثقته بالرئيس بوتين، بل وزعم مرة أن الأخير لا روح له. لكن بايدن حاول منذ العام الماضي التعامل بعقلانية مع بوتين ذي العينين الفولاذيتين. وعندما التقى بايدن ببوتين في جنيف في حزيران/يونيو نصحه بوقف عدوانه على أوكرانيا والتوقف عن الهجمات الإلكترونية لأن هذا يضر “بمصداقيته الدولية”.
وفي كانون الأول/ديسمبر عندما كان بوتين يحشد قواته على الحدود الأوكرانية التي غزاها في عام 2014، دعاه بايدن لخفض التوتر و “العودة للمسار الدبلوماسي”. وفي بداية الشهر الحالي حذره من غزو أوكرانيا لأنه “سيؤدي لمعاناة إنسانية واسعة ويشوه موقف روسيا”. ولم تنفع كل هذه المحاولات لأن بوتين أثبت بغزوه أوكرانيا يوم الخميس أنه يتعامل مع العالم ومصالحه بطريقة مختلفة، وبدا عصيا على كل وسائل الدبلوماسية التقليدية والردع. ولم تنفع مناشدات بايدن لذات بوتين الجيوسياسية: لا التهديد بالعقوبات ونشر قوات في دول حلف الناتو أو دعم أوكرانيا بالأسلحة ولا المناشدات العاطفية وانتشار المعاناة الإنسانية، الشجب ولا حتى تماسك المواقف بين أمريكا وحلفائها.
كما ولم ينجح أسلوب إدارة بايدن بنشر ما تعرفه من معلومات أمنية عن خطط وتحركات روسيا. ولم ينشر بايدن قوات في أوكرانيا والتي كانت كفيلة بتغيير خطط بوتين. وبالنسبة لبايدن وفريقه، فقد كان الغزو لحظة إحباط عميقة. فقد فشلت إدارة بايدن في استراتيجية منع الغزو حتى عندما تكيفت مع مواقف بوتين العنيدة.
ومن هنا فالهجوم على أوكرانيا يحمل مخاطر حرب واسعة في أوروبا وتحمل كل العلامات السيئة للإدارة التي ستحد من قدرتها للتركيز على أولوياتها الأخرى، وتحديدا ما تمثله الصين من تحد. وزاد بايدن يوم الخميس من جهوده وفرض عقوبات واسعة على روسيا ونشر مزيدا من القوات في مناطق الناتو ووعد بمضاعفة الجهود الدبلوماسية للحفاظ على وحدة الحلفاء. وحذر من الثمن الفادح الذي ستدفعه روسيا بهجومها على أوكرانيا “وسنتأكد من تحول بوتين إلى منبوذ على المسرح الدولي”. ونفى بايدن أنه لا يعرف تفكير بوتين بالكامل “لم أقلل أبدا منه”، إلا أن أنصار الرئيس الأشداء يخالفونه في هذا الرأي.
فعندما وصل بايدن إلى البيت الأبيض أعلن وفريقه عن رغبة بعلاقة “مستقرة” مع موسكو والتعامل في قضايا الأسلحة النووية والتغيرات المناخية والاختلاف معها عندما لا تتوافق مصالح البلدين. وكجزء من استراتيجية الإدارة عن روسيا، فرضت عقوبات عليها لتدخلها السابق في الانتخابات الأمريكية وأعلنت عن قمة بين بايدن وبوتين، مع تأكيدها على أن الأولوية الكبرى لأمريكا في عهد بايدن ستكون الصين. وقرر بايدن تخفيف العقوبات على ألمانيا وروسيا بسبب خط الغاز نورد ستريم2 وهو ما فسره الصقور بأنه ضعف أمام بوتين. وخشي الكثير من العاملين في إدارة بايدن، وعدد منهم جاءوا من إدارة باراك أوباما أن الرئيس وفريقه ساذجون. ففي إدارة أوباما بدأ بوتين باستخدام طرقه الخفية وضم القرم عام 2014، لكن أوباما وفريقه لم يعرفوا المدى الذي سيذهبون فيه لتصعيد المواجهة مع روسيا وقاوموا فكرة إرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا.
وحذر المراقبون للشأن الروسي إدارة بايدن من فكرة قدرتها على التحكم ببوتين والتعامل الدبلوماسي بناء على فكرة “واحدة بواحدة”. وفي العام الماضي نقل الموقع عن السفير الأمريكي السابق في موسكو مايكل ماكفول، الذي علق على حزمة العقوبات التي أعلنت عنها الحكومة الأمريكية عقابا لروسيا على تصرفاتها السابقة على أمل أن تكون الأخيرة، قوله: “أشك بأن بوتين سيمضي مع هذه الإستراتيجية” و “أحبوا أم كرهوا، فبوتين سيكون جزءا من سياسة بايدن الخارجية في السنوات الأربع المقبلة”.
وفي الحقيقة لم تختف روسيا من عناوين الأخبار. وفي الربيع الماضي علق ماكفول حول حشد روسي على الحدود الروسية، مع أن هذا التحرك لم يقلق الإدارة. وفي نفس الوقت استمرت الهجمات السبرانية من الأراضي الروسية، بما فيها هجوم شل وبشكل مؤقت عمل أنبوب مهم للطاقة في أمريكا. وآخر استهدف بعد أسابيع من لقاء بايدن ببوتين عددا من الشركات الأمريكية. ولم تتجاهل إدارة بايدن هذه الهجمات ولكنها حاولت اللجوء إلى الدبلوماسية الهادئة وتحذير الروس وإصدار اتهامات ضد مجرمين سبرانيين لهم علاقة بها. ونجحت حيث سحبت روسيا الكثير من قواتها وتوقفت جماعة إلكترونية “أر إي فيل” عن العمل.
وفي الخريف الماضي بدأ بوتين بحشد قواته على الحدود مع أوكرانيا، وبأعداد مثيرة للقلق. وحثت الإدارة بوتين وبهدوء التراجع ثم بدأت بالحديث مباشرة مع روسيا وأشركت حلفاءها في أوروبا وغيرهم لإظهار الجبهة الموحدة ضد موسكو. ولم تكن مهمة سهلة، فقد خافت عدة دول أوروبية إغضاب روسيا بسبب اعتمادها على الطاقة. ولكن إدارة بايدن بدأت بنشر ما جمعته من معلومات استخباراتية عن التحركات الروسية لإظهار خطورة الوضع. كما ونشر بايدن مزيدا من القوات في أوروبا لمنع انتشار التهديد من أوكرانيا.
وكانت النتيجة، هي اتفاق الولايات المتحدة وأوروبا على حزمة واسعة من العقوبات، ستكون جاهزة حالة غزا بوتين أوكرانيا، بل وانضمت دول آسيوية مثل اليابان إلى التحركات. وفي الوقت نفسه ظل المبعوثون الروس يتحدثون عن المسار الدبلوماسي للأزمة، مع أنهم حاولوا التضليل وكذبوا في مرات. ولو كان الردع هو الهدف، فقد فشل. وفي بداية الأسبوع اعترف بوتين بمناطق يتحكم بها الانفصاليون ثم صعد بإرسال القوات إلى داخل أوكرانيا.
ويرى المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون أن الإدارة لم يكن لديها ما يمكن عمله لوقف بوتين عن تحركاته، وبخاصة بعدما عبر عن نواياه، بل واعتبر أوكرانيا بلدا مزيفا. وهذا جزء من المبررات التي قدمها إضافة لمخاوفه من توسع الناتو. وفي نفس الوقت راقب بوتين الأنظمة، التي نجت من العقوبات الغربية مثل سوريا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، وأحيانا ساعدها. فهذه الأساليب عادة ما تقدم نتائج مزيجة، ومن غير المحتمل ألا تنجح مع روسيا. ويؤمن بوتين بالقوة الصلبة لتغيير النظام الدولي.
وتقول إيلين فاركاس، المسؤولة السابقة في البنتاغون “من الصعب مواجهة عقلية إمبريالية انتقامية” و “لا يستمع بوتين إلا للقوة وفي هذه المرحلة القوة العسكرية”. وقالت هيذر كونلي، التي عملت في وزارة الخارجية أثناء إدارة جورج دبليو بوش إن الفريق قام بعمل جيد لكنها تحسرت من أفعال بوتين. و “لعبت الإدارة بقواعد الدبلوماسية والتصعيد، إلا أن بوتين لم يؤمن أبدا بهذه القواعد إلا في حالة قبول الغرب بمطالبه. ولست متأكدة من أن قبول الغرب لمطالبه كان سيمنع ما نراه اليوم”. وهناك البعض رأى أن تحركات ما كانت كفيلة بتغيير موقف بوتين مثل رؤية قوات أمريكية في أوكرانيا، إلا أن هذا مستبعد لموقف واضح من بايدن الذي لا يؤمن بتدخل الولايات المتحدة في الخارج.
وبعد وصول بايدن وفريقه إلى السلطة ورثوا سياسة خارجية مشتتة، بشكل عقد من مهمتهم. وحاول الرئيس السابق دونالد ترامب الحصول على خدمات من بوتين وعارض محاولات الكونغرس فرض عقوبات على روسيا. وقضت الإدارة الأشهر الأولى في الحكم لإصلاح العلاقات التي تدهورت مع ألمانيا وفرنسا. كما أن أي محاولة للضغط على روسيا كانت كفيلة برفع أسعار الغاز والنفط وهو ما لم يكن بايدن يريده.
وتقول ألينا بولياكوفا، من مركز تحليل السياسات الأوروبية “كانت هناك مخاطرة لمنح أولوية (لأوكرانيا) على حساب السياسة المحلية، وأحترمهم لهذا القرار” و “يتخذ القرار الصائب وسيكلفه كثيرا” عن بايدن. وفي الوقت الحالي يشعر بوتين بأن الوقت معه، فهو يخطط للبقاء في السلطة بعد خروج بايدن، وأن الجبهة الحالية في أوروبا قد تتداعى عندما تشعر بضغط العقوبات عليها. ويعني استمرار الأزمة الأوكرانية صعوبة التركيز على التحديات الدولية الأخرى مثل الصين. ويزعم المسؤولون الأمريكيون أنهم قادرون على التعامل مع أزمتين، أي روسيا والصين، إلا أنه إذا توسع العنف في أوكرانيا إلى أوروبا فلن تكون واشنطن قادرة على احتواء أزمة مستمرة علاوة على التركيز على الصين.