ما زالت عملية الاغتيال الدموية التي نفذتها القوات الخاصة التابعة لجيش الاحتلال في مدينة نابلس قبيل أيام ضد ثلاثة مقاومين تثير نقاشات إسرائيلية حول العودة إلى سياسة الاغتيالات، وتأثيرها على الساحة الفلسطينية، واحتمالية أن تتسبب في تجدد أجواء الانتفاضة الثانية، تمهيدا لاندلاع انتفاضة ثالثة.
وتتحدث الأوساط الإسرائيلية، أن ما تعيشه الضفة الغربية تحديدا، يشبه ذات الأحداث التي أعقبت انهيار مفاوضات كامب ديفيد أواخر العام 2000، وبروز عمليات مسلحة، ولعل الاغتيال الأخير في نابلس مثال لواقع جديد في السلطة الفلسطينية، قد يضطر الإسرائيليون للتعود عليه.
دورون ماتسا المستشرق والمحاضر الجامعي، والباحث الأول في مؤسسة "رجال الأمن"، ذكر في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن "اغتيال كوادر كتائب شهداء الأقصى في نابلس على يد الجيش الإسرائيلي لا يجب أن يكون اعتباره حادثاً أمنياً اعتيادياً في الأراضي الفلسطينية، بل النظر إليه على أنه "علامة فارقة قبل وبعد"، فنحن نتحدث عن مسلحين تابعين لحركة فتح، التنظيم الذي يقوده أبو مازن، وهو حجر الزاوية السياسي للسلطة الفلسطينية، واستندت هويته الأيديولوجية على عملية التسوية مع إسرائيل".
وأضاف أن "نشاط الدوائر المسلحة داخل فتح ليس بالأمر الجديد، ولكن يمكن النظر إليه هذه المرة على أنه يشبه إلى حد ما الأوضاع عشية اندلاع الانتفاضة الثانية، حين سُجّلت حوادث أمنية تورطت فيها عناصر من داخل السلطة الفلسطينية، ما قد يشير إلى عملية تتحول فيها هذه العناصر من صديق إلى خصم، وفي الانتفاضة الثانية، لعب نشطاء فتح التابعون وعناصر من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية دورًا رئيسيًا في العمليات المسلحة، واعتمدوا أحيانًا أساليب خصومهم في حركة حماس بتنفيذ التفجيرات".
صحيح أن جيش الاحتلال تخلص من تهديد حرج مثله شهداء نابلس، لكن النظرة السياسية للعملية تشير إلى أن الوضع الحالي مختلف بعض الشيء، لأن سلطة أبي مازن ليست هي ذاتها سلطة ياسر عرفات، وكذلك فإن الوضع العام في 2022 ليس هو ذاته عام 2000، أي أن الحديث لا يدور عن الوصول إلى تسوية دائمة كما كان في مفاوضات كامب ديفيد، وهنا القلق.
أكثر من ذلك، فإن الأجواء الفلسطينية، وفق التقدير الإسرائيلي تجعل من بروز ظاهرة مسلحين داخل حرك فتح أمرا لافتا، ويستحق الدراسة، لأن الحركة منشغلة اليوم بأمرين اثنين فقط، وتقوم أجندتها الحالية على ركيزتين أساسيتين: أولاهما التعاون بين النخبة الفلسطينية في رام الله وإسرائيل، وهذا له جوانب اقتصادية، ويشكل أسس الاستقرار النسبي في مناطق الضفة الغربية، وثانيهما الانشغال بترتيبات اليوم التالي لغياب أبي مازن، ويبدو أن هناك انخراطا بين هاتين الركيزتين.
وتراقب المحافل الأمنية الإسرائيلية الانتقادات الفلسطينية الداخلية الموجهة لنخبة السلطة الفلسطينية باعتبارها تتمتع بثمار التعاون الاقتصادي السياسي البيروقراطي مع إسرائيل، فضلا عن استمرار القمع السياسي الداخلي فيها، وتعتبر أن أبا مازن ما زال موجودا حتى اليوم لاعتبارات إسرائيلية، ومن الواضح أن رحيله سيغير خصائص النظام السياسي، ولذلك فإن العلاقة بين النقد الداخلي للسلطة والشعور بافتقارها للاستراتيجية، جعلها تركز أكثر على البقاء، وبدرجة أقل على تحقيق الأهداف الوطنية.
وترجح المحافل الإسرائيلية القول إن هذه الركائز التي تستند إليها السلطة الفلسطينية تجعل واقعها أقل صلابة واستقرارًا، وتزيد من عمليات التجزئة فيها، ويتجلى ذلك في ظواهر مختلفة، وفي ضوء هذه الخلفية يمكن تحليل أنشطة مسلحي فتح الذين تم اغتيالهم في عمق المنطقة "أ"، حيث تسيطر السلطة الفلسطينية، ما قد يدفع إسرائيل إلى مزيد من إطلاق يدها بقدر أكبر لملاحقة المسلحين الفلسطينيين.
الخلاصة الإسرائيلية أن هذا الواقع قد يتغير دفعة واحدة، ليس لأن السلطة الفلسطينية ستتخذ قرارًا على صيغة عرفات بعد فشل كامب ديفيد، ولكن لأن هذه السلطة ذاتها لن تكون قادرة بعد الآن على أداء الوظيفة المهمة التي لعبتها في العقد الماضي، وبالتالي فإنها قد تتحول إلى ساحة نشطة للعمليات الميدانية طالما أنه لم يتم استئناف العملية السياسية بينها وبين إسرائيل.
عربي 21