لأنها بنت...سما حسن

الخميس 03 فبراير 2022 01:17 م / بتوقيت القدس +2GMT



أخشى أنني قد استخدمت هذا العنوان قبل ذلك، فأنت حين تقرر الكتابة عن موضوع موجع فأنت دائماً تحاول أن تختار العنوان المعبر، وفي كل مرة أكتب فيها عن الظلم والقهر فأنا أكتشف أن السبب لأنها بنت، أو لأنها امرأة، أو لأنها أنثى، وهكذا فالسبب واحد وهو النوع في مجتمع ذكوري، مجتمع لا يزال يحب بل ويقدس إنجاب الذكور، مجتمع يفرح بالبنت ولكنه يفرح أكثر وبلا حدود حين يأتي الولد، رغم أن الولد اليوم أصبح مجلبة للتعب والمشاكل أكثر من البنت أو مثلها، ولم يعد حامي الحمى، ولا المطعم ولا المغيث للعائلة، وغالباُ ما يتكبر ويتجبر لأنه منذ توقف عن بلل سراويله الداخلية وهو يرى أن الجميع يحبه، ويعامله معاملة خاصة ويتغاضى عن أخطائه، على العكس من أخواته البنات مثلاً.
لأنها بنت، هذا السبب الذي كتبت عنه بإيجاز عن سبب العثور على لقيطة في حمام مشفى حكومي عام، وقد كتبته واعتقدت ان خيالي ربما يكون قد شطح، أو بسبب ما أشعره من ظلم دائم لبنات جنسي، حتى جمعني مجلس بامرأة تحدثت عن هذه القضية التي راجت في الشارع الغزي لأيام ثم سكت كل شيء كما يحدث دائماً لينشغل الشارع بقصة جديدة.
كنت في صالة الانتظار في عيادة الطبيب، واجتمعت مع عدة مريضات بدأن يزجين الوقت بالحديث والثرثرة رغم أنهن لا يعرف بعضُهن بعضاً بالطبع، وكل ما جمعهن بطء إجراءات الدخول إلى غرفة الطبيب، وقضية مازالت حية وتموج في الشارع وتفور أخبارها في كل مكان، بدءاً من السوق إلى سيارات الأجرة وبالطبع مواقع التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي.
قالت إحداهن بعد ان سمعت عدة آراء حول القضية أو الحادثة: وربما تكون الأم التي ألقت بفلذة كبدها في حمام عام وهربت قد تخلصت من البنت السادسة أو السابعة، وهنا التفتُّ نحوها فوجدتها تُطرق برأسها أرضاً ثم تقول: لقد راودني هذا الخاطر حين أنجبت طفلتي السابعة وكنت على وشك أن أعود إلى البيت من المستشفى، تخيلت نظرات زوجي أولاً، وتخيلت الشتائم والمسبات التي سوف تطلقها أمه العجوز، تخيلتها وهي تنعتني بأم البنات، وتخيلتها تطالبه بأن يتزوج بأخرى تنجب له الذكور، وتخيلتها تطلق سباباً ثم تبصق إلى جوارها وتطلب من زوجي ألا يخصني بأي نوع من الطعام المغذي، كما علي أن أعود للعمل في الحقل بعد أن أضع المخلوقة التي جئت بها على سريري، فلا راحة لأم البنات.
فكرت وقتها أن أخنق الصغيرة وأهرب، أو ان أضعها أمام مسجد، أو أن ألقيها في البحر وأهرب، كنت أفكر وأعرف عبثية تفكيري، ولكن كان لدي فكرة واحدة وهي التخلص من البنت وعدم العودة بها إلى البيت أبداً، كنت أعرف أنهم قد حصلوا على بياناتي في المستشفى، وأن لديهم معلومات كاملة عني وعن زوجي، ولذلك فالتخلص من المولودة سوف يكون صعباً بتركها في المستشفى، ولذلك فكرت لو ألقيت بها في الطريق وأعود خالية الوفاض إلى البيت، ولكن المهم الا أسمع أي كلمة من كلمات أم زوجي ولا أرى نظراته الصامتة التي تقتل أكثر من كلمات أمه المسمومة.
سكتت المرأة وألقت سؤالاً: لمَ لا تكون الأُم التي ارتكبت هذه الجريمة قد أنجبت بنتاً في قائمة وخافت مما خفتُ منه، وتخيلت ما تخيلته، ربما استطاعت أن تدخل المستشفى دون أن تسجل بياناتها، أو ربما وضعت الطفلة في البيت ثم دخلت المستشفى بطريقة ما وتركتها، فربما حين عادت وأخبرت زوجها أنها قد وضعت بنتاً كانت ستصبح رقماً في قائمة بنات طويلة لديه ولكنها ماتت، ربما كان سيسكت ولن يجرؤ أو يكلف نفسه أن يسأل عن إجراءات التخلص من الجثة، وربما كان سيتنفس الصعداء ويسكت ويطوي صفحة مؤلمة كانت تنتظره إلى جانب صفحات حياته المؤلمة كما يتخيلها وهو يكنّى باسم أكبر بناته، ويتمنى له الجميع الولد.
سكتت السيدة وسكتنا جميعاً، ونادى الممرض المتعجل اسمي، وقمتُ لأدخل إلى غرفة الطبيب، ولكني ألقيتُ نظرة جانبية على المرأة أم البنات فرأيت دمعة تفر من عينها وتمسحها بسرعة، أسرع مما طرحت رأيها أو وجهة نظرها.