خبر : فتاة لبنانية تحدت الحصار الاسرائيلي على الفلسطينيين نتالي ابو شقرا: غزة غرفة غاز ومعسكر اعتقال

الثلاثاء 15 سبتمبر 2009 02:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
فتاة لبنانية تحدت الحصار الاسرائيلي على الفلسطينيين نتالي ابو شقرا: غزة غرفة غاز ومعسكر اعتقال



بيروت  شغلت الناس والإعلام عندما تناقلت الأخبار وجود فتاة لبنانية في قطاع غزة هي نتالي أبو شقرا خلال عدوان الرصاص المصبوب. قبل حوالى الشهر عادت نتالي إلى لبنان لنتعرف إليها كفتاة شجاعة تؤمن بالكلمة التي تقولها. فلم يعد دعم قطاع غزة شعاراً في بالها بل تحول إلى حقيقة مُعاشة. فهي غادرت لبنان قبل أسبوع من العدوان على غزة على متن قارب كسر الحصار من لارنكا ونجحت بالدخول والبقاء. وكانت لها تجربة غنية ومثيرة للإهتمام.نتالي الفتاة المتحدرة من عائلة ميسورة أنهت دراستها الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت حيث نالت إجازة في ’العلوم الثقافية’ وهي تستعد في الأسابيع المقبلة للسفر إلى بريطانيا للإلتحاق بجامعة ’سواس’ في لندن لمتابعة دراساتها العليا. معها كان هذا الحوار: ما هي الحوافز التي شجعتك للمغامرة بدخول غزة والبقاء هناك لأشهر؟وصلت إلى غزة قبل أسبوع من بدء عدوان الرصاص المصبوب. وكانت مبادرة من شابة لبنانية بهدف إنعاش المقاومة المدنية في الوطن العربي. ففي صيف 2006 وخلال العدوان على لبنان كنت من بين المواطنين الذين مارسوا مواطنتهم. ووجدت ضرورة في التعبير من خلال زيارة القطاع أو حتى المرابطة على معبر رفح بهدف منح الزخم لكل الناشطين في الخارج للعمل على فتحه.ألم يعترض الإسرائيليون قارب كسر الحصار الذي كنت على متنه؟تعرض الإسرائيليون للقارب وطلبوا معرفة ركابه عبر الإتصال اللاسلكي. فكان الرد عليهم بتصفح الصفحة الإلكترونية لحملة كسر الحصار والتي تتضمن الأسماء كاملة على متن القارب. وهكذا تابع القارب طريقه ووصل إلى غزة.ما هي مشاعرك حين غادر القارب بحر غزة وبقيت أنت على أرضها؟كيف لنا معرفة معاناة الشعب الفلسطيني في فلسطين ونحن بعيدون عنه؟ نحن على تماس مع معاناة الشعب الفلسطيني في لبنان والوطن العربي. ففي لبنان يعاني الفلسطيني من سياسة الدولة اللبنانية حيث حقوق الأقليات مهدورة كلياً. فلا وجود لحقوق للمواطن الفلسطيني اللاجىء، الذي يعيش في لبنان في شبه معازل عرقية أنشأتها الدولة اللبنانية. بدوري إنتقلت إلى غزة لمعاينة المعازل العرقية التي أنشأتها الدولة الصهيونية على أرض فلسطين.ألهذه الدرجة يشبه وضع الفلسطيني في غزة وضع الفلسطيني في مخيمات لبنان ليصبحا معاً معازل؟في واقعها الحالي تعدت غزة مرحلة المعزل العرقي لتصبح غرفة غاز ومعسكر إعتقال، ويومياً يُقتل عدد من المواطنين الفلسطينيين على يد الصهاينة. كذلك في الضفة الغربية معازل عرقية ناتجة عن عدد نقاط التفتيش التي تتعدى الـ 600. لكن غزة في وضع يفوق الوصف والخيال لجهة القتل اليومي، والعذاب الذي يعانيه الناس. هو حصار صهيوني بمشاركة كل النظام العربي الرجعي القائم. أما واقع المخيمات في لبنان فهو مخجل بحق الإنسان.ما هو موقف عائلتك من وجودك في غزة؟بإعتقادي أن قضية تحرير الإنسان هي قضية شاملة. ومن المؤكد أن عائلتي كانت في خشية على مصيري. لكن التواصل الذي حصل بين جديّ وعائلتي الجديدة التي عشت معها في غزة أراحهم نسبياً. وهذا التواصل كان دائماً. ووجودي في غزة كوّن لدى جديّ وعياً سياسياً مستجداً. خطوتي بالذهاب إلى غزة لم تكن صدمة كلية للعائلة فهم يعرفون نشاطي من أجل حقوق الإنسان. إنما لا شك كانت مفاجأة. الإنخراط ضمن أعمال المقاومة المدنية ملفوف بالكثير من القيود الإجتماعية في لبنان. ومع ذلك تبقى على كل مواطن عربي مسؤولية كسر الحصار المفروض على غزة.من كانت عائلتك الجديدة في غزة؟كنت بضيافة الدكتور أسعد أبو شرخ الأستاذ في جامعة الأزهر في غزة. إستقبلني منذ وصولي على متن القارب. وفي لحظة معرفته بأني سوف أبقى في غزة أصر بأن أكون بضيافته وضيافة زوجته السيدة وفاء. هما معاً أمي وأبي الفلسطينيان، وعبد العزيز الطفل الشجاع أخي الصغير وهو بعمر الـ7 سنوات وكنا جميعاً نستمد قوتنا منه. خلال العدوان كان ينام ليلاً ونحن مستيقظون.في أي منطقة سكنت في غزة؟أقمت في حي تل الهوا الذي إجتاحه الصهاينة. والديّ الجديدان كانا شديدا الخوف عليّ لكنهما في الوقت نفسه كانا على قناعة بأني لم آت إلى غزة لأكون في المنزل محمية ومصانة. جئت لأخاطر بحياتي مثلي مثل أهل غزة.نود التعرف إلى أحلام المراهقة لدى نتالي؟منذ بداية وعي في الحياة وأنا أدعم حقوق المرأة المدنية، وأسعى لأكون عنصراً فعّالاً من هذا المجتمع ومن ضمن منظومة العدالة الإجتماعية. أفق النضال والإلتزام في حياتي توسعا مع توسع آفاقي العلمية والمعرفية.العيش المباشر مع الشعب الفلسطني في غزة ماذا أضاف إلى قناعاتك؟الأشهر التي أمضيتها في غزة بينت لي أن تياراً داعماً للحقوق المدنية للشعب الفلسطيني بدأ ينمو على طريقة النضال الإفريقي الجنوبي ضد الفصل العنصري الذي كان سائداً هناك. فإختراق نظام الفصل العنصري تمّ من خلال التضامن العالمي. وإنتصار غزة في سنة 2009 جاء نتيجة صمود الشعب الفلسطيني وهذا ما لا يجب إسقاطه نهائياً. وإستمرار النضال ضمن جبهة عالمية واسعة لإسقاط نظام الفصل العنصري الصهيوني هو الذي يصون دماء الشهداء الذين سقطوا، ويصون دماء العائلات التي أبيدت عن بكرة أبيها كعائلة السموني، وعائلة أبو عايشة وأبو داية.كيف تصفين حياتك في غزة في ظل عدوان ’الرصاص المصبوب’؟هي أيام صعبة عشتها جنباً إلى جنب مع الصياد على شاطىء غزة. مع الفلاح، ومع الناشطين المميزين الذين تعلمت منهم معنى الحقوق المدنية والنضال من أجل إحقاقها. تعلمت معنى الكرامة، ومعنى عدم المساومة على الحقوق. هذا ما علمتني إياه الأيام التي أمضيتها في ظل ’الرصاص المصبوب’، وتعلمت أن أقول بكل ثقة ’كل العزة لغزة’. أما لجهة المخاطر فهي أكبر من أن يتصورها عقل وقد شاهدتمونها خلال 22 يوماً على الشاشات، قضت على أكثر من 400 طفل وأكثر من 1500 إنسان. وحالياً وفي كل يوم بعد ’الرصاص المصبوب’ تحدث إبادة جماعية بطيئة.ماذا عن تفاصيل تلك الأيام الصعبة وما كان دورك خلالها؟كنت خلالها مع سيارات الإسعاف وفي كل مكان نتمكن من الوصول إليه. وبعد إنتهاء العدوان كنت أرافق الفلاح إلى أرضه. فالصهيوني يسعى لإبادة كل مظاهر الحياة على بعد كيلومتر من السياج الذي يفصل غزة عن أراضي الـ48. لذلك يحاول إرهاب الفلاحين الذين لا يهابون الموت. الفلاح لصيق بأرضه، هي التي تشرب من عرقه وترتوي من دمه لذلك تنمو شجرة الزيتون متشبعة بدمه. في دعمنا لصمود الفلاحين كان الرصاص يتطاير من فوقنا وحولنا، ومع ذلك كان للفلاح إصراره الكبير بالذهاب إلى أرضه. هذه هي المقاومة المدنية التي ندعو إليها.بعد تجربتك في غزة هل تبلورت لديك سبل جديدة لفضح العنصرية والإجرام الإسرائيلي؟بعد عملية الرصاص المصبوب بدأ شكل جديد من التضامن الدولي الذي يفترض تعزيزه وتقويته من خلال تزخيم أكبر وأقوى لحملة المقاطعة للدولة الصهيونية. وذلك على طريقة حملة المقاطعة الدولية دعماً لجنوب أفريقيا والتي أثمرت دولة لجميع سكانها في سنة 1994. هيئة مقاطعة الصهيونية تشكلت في سنة 2005 وحتى الآن هناك أكثر من 200 مؤسسة عالمية تتبناها. بعد العدوان على غزة في سنة 2009 قاطعت كل من بوليفيا وفنزويلا الدولة الصهيونية، وكذلك الإتحاد العمالي الإيرلندي والأسكتلندي قاطعا إسرائيل أيضاً. علينا أن نسير وفق المسار الذي سلكته الحملة لدعم نضال سكان جنوب أفريقيا. وماذا عن طرق العودة إلى لبنان؟عندما حاولت الخروج عبر معبر رفح منعت من الأمن المصري وتعرضت لتعذيب جسدي ونفسي. وكان هذا حال العجزة والأطفال الفلسطنيين على المعبر. كنت على المعبر في 27 و28 و29 حزيران/يونيو، وما شاهدته هناك في هذه الأيام الثلاثة لا يمكن أن أنساه. الفلسطيني دائماً مع المرور والحدود وعليها هو عالق. بدأت التنسيق والعمل للخروج من غزة في شهر أيار/مايو. لكني تمكنت من الخروج في أواخر شهر تموز/ يوليو. وفي إحدى محاولات مغادرة المعبر الفاشلة رفضت العودة إلى القطاع وكنت في نقطة الحدود المصرية. فهددني الأمن بالمغادرة رغماً عني فتجمع حولي عدد من رجال الأمن ورموا أغراضي خارجاً وسحبوني. وقال لي أحدهم: ’ لوكنا في الأردن لكانت جزمتي دي فوق راسك.’ والسبب بحسب تعبيره أن رجال الأردن يضربون النساء القويات بالجزم. ضابط المخابرات الذي يحمل إسم سعيد لن أنساه. فهو بشاربين يشبه السلطان عبد الحميد وقد سردت عليه شعر نزار قباني: ماذا تريد يا وارثاً عبد الحميد/ والمتكى التركي والنرجيلة الكسلى تئن وتستعيد. ولم أتمكن من المغادرة إلاّ بعد حملة تضامن من خلال جمعية كفاية المصرية، وعبر عدد من الناشطين من الولايات المتحدة وبريطانيا، و’فيفا بلاسطينا’ من الولايات المتحدة التي كثفت إتصالاتها مع وزارة الخارجية المصرية ، وبخاصة بعد دخول الوفد المرافق للنائب البريطاني جورج غالاوي.هل ستعودين مرة أخرى إلى القطاع؟أكيد وسنرى عبر أي طريقة ولن تكون عبر مصر لأني إسمي أصبح على اللائحة السوداء. ولا أنسى أن الضابط المصري خلال خروجي قال لي: نعتذر عما حصل لكن كان يفترض أن تغادري غزة كما دخلتها. فكان ردي: لو كان إخوانكم الإسرائيليون يسمحون بحرية القوارب لما مررت على هذا المعبر. ولو كانت حدودكم مفتوحة لما كنا بحاجة للقوارب. وإذا به يسألني من أية منطقة في لبنان فكذبت عليه وقلت له بأني من الجنوب. فرد مباشرة: آه من حزب الله. وكان ردي: كل لبنان مقاومة.بإختصار ماذا تقولين عن تجربتك تلك؟ حررتني. وصرت على قناعة بأن دورنا كبير في دعم فلسطين وقضيتها والتعبير عن الناس. كل ما أطلبه من الناس أن يعبر كل منهم حسب إمكانياته وهي تبدأ بمقاطعة كل الأماكن من مطاعم ومقاه ومخازن تدعم الكيان الصهيوني بالمال. وهذا ليس بكثير. ومن الجيد أن يعلم أحدنا أن كل كوب ’نسكافيه’ في ’ ستارباكس’ يمكن أن يقتل طفلاً فلسطينياً. القدس العربي زهرة مرعي