بعد توريث السفارات: وطن لا مكان فيه لثائر…عبثا نحاول..

الثلاثاء 18 يناير 2022 01:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
بعد توريث السفارات: وطن لا مكان فيه لثائر…عبثا نحاول..



كتبت نادية عصام حرحش :

منذ مدة وانا أفكر في عبثية الوضع الذي نعيشه. عبث يملؤه التهالك. كبواقي خيطان تعبث بها قطة حتى الملل.
عندما نصل الى هذه المرحلة من الملل من حتى العبث. نكون قد وصلنا الى النهاية. نهاية عنوانها الهلاك.
لا اعرف ان كان تناول الموضوع الشاغل الأخير للرأي العام الفلسطيني يستحق حتى عناء الكتابة. فلا شيء يتغير الا الى الأسوأ. والسلطة برئيسها وحكومتها تمشي كقافلة نحن لا نتعدى كوننا كلاباً نابحة. فلم يعد من الوطن الا الوطن الذي يستخدمونه في شعاراتهم من اجل سرقتهم ما تبقى من ارض تركها الاحتلال لنا وقوت شعب يجب ان يبقى حتى لا يتألم العالم بسبب وجوده. يبقى على قيد الحياة حتى الرمق الأخير، بما يجعله هائماً لا يستطيع ان يميز ولا يمكن له ان يركز في أكثر من قوت يومه.
لم يعد بالإمكان حتى اللحاق بركب هذه القافلة الفاسدة التي نهبت ما تبقى من هذا الوطن ارضا وشعبا. فنحن نعيش في كل يوم مصيبة. نعيش قصة فساد يلف حولنا من كل اتجاه. نتوقف عنده حيناً، ونندب أحياناً، خاصة عندما تكون لنا مصلحة خاصة في الموضوع. ولكن في المحصلة النهائية تستمر المسيرة نحو المصيبة التالية. وهكذا.
توريث سفارات وتعيينات شبه يومية لأهل وأصدقاء والمحسوبين على أصحاب المصالح. انهيار للمنظومة الأمنية. تعدي على المواطنين. أحكام جائرة. ضرب وتهديد وترويع. القانون لا يحمي في هذا البلد الا السلطة واربابها. ولا يخدم الا مصالحهم ضد الشعب.
فيا ويلك يا مواطن ان لم تكن من أصحاب السلطة في هذا الوطن الهالك.
موضوع مستشفى خالد الحسن للأورام الذي تصدر الساحة لا يمثل الا الحقيقة كما هي. ولكن هل هي الحقيقة الأولى؟ فهل نستغرب او نتفاجأ؟
لم يمض كثيرا على تقرير ديوان الرقابة الذي تناول نهب صندوق وقفة عز الذي وضع فيه بعض الناس مصروف أطفالهم ليساهموا في مساعدة المتضررين من الكورونا. ومع هذا انتهى الموضوع بلا عودة ولا مساءلة او محاكمة.
الحقيقة من يمكن ان نسائل؟ وإن ساءلنا وحققنا وكشفنا، من يمكن أن ينفذ القانون؟
المثير في قصة المستشفى الذي يبدو انه وبعد سنوات طويلة ّ،لا يزال مشروعاً ورقياً ليس إلا، كما يدل على ذلك تصريح احد كبار المتبرعين، انه بالرغم من سؤاله المتكرر عن مصير المشروع لم يحصل على جواب، وذلك بالرغم من انه كان قد صدر مرسوم رئاسي بتأسيس شركة يكون فيها كل من صندوق الاستثمار الفلسطيني ومؤسسة خالد الحسن شريكين رئيسيين فيها، وعين المرسوم مجلس إدارة لهذه الشركة. هذا في الوقت الذي تم دفع ثمن المخططاتبملايين الدولارات عبر بكدار. ولذلك من المنطقي الرجوع الى الشركة المذكورة بالإضافة الى بكدار كجهة تنفيذية للادلاء بما لديهم بهذا الخصوص. بما يضع حدا لاستمرار التداول بهذا الموضوع في شكل مقنع او يقود الى مساءلة اية جهة مسؤولة عن كل خلل او تسيب او فساد.
في تقرير تم بثه على التلفزيون الإسرائيلي قبل أسابيع قليلة عن الوضع في أراضي السلطة الفلسطينية، كانت صدمة المذيع عند سماعه عن قصة توريثالسفير في إيران المنصب لابنته. تكلم عن “شلة” رام الله المسيطرة على كل شيء. وعندما سأل عن مدى تأثر رئيس السلطة او علمه بما يحدث. اجابه المراسل: انه يعلم ولا يهتم. فالقافلة تسير والكلاب تنبح.
يبدو أن وجود اسرائيل هو ما يمكّن هذه السلطة واصحابها للبقاء. حتى النخبة الفلسطينية الاكاديمية او المثقفة تجد لها بالاحتلال ذريعة لتطفو الى المشهد للتعبير عن الوضع. فلم يصدر كلمة من هذه النخبة عند اغلاق جامعة بيرزيت بسبب ما يجري من “بلطجة” واضحة من بعض الفئات التابعة لأصحاب اليد العليا في هذا الوطن المتسلط علينا به. بين اعلان خجول من الجامعة وبين سكوت محدق من قبل النخبة، جاء الاجتياح الإسرائيلي كعملية انقاذ للجميع. فخرجت النخبة بسرعة ببيان شجب للاحتلال وغضب كلامي ضد أفعال الاحتلال الغاشم.
منذ مقتل نزار بنات، قتل الصوت وقطعت الحناجر وزجّ في السجن كل ثائر.
من الملام هنا أكثر؟
النخبة التي تحمي هذا النظام وتغطي جرائمه بسكوتها؟
الشعب الذي يرضى بهذه المذلة ويسكت دهرا، ثم يخرج عن بكرة ابيه من اجل فرقة دبكة او رقص او شعر مكشوف او لا قدر الله حث على ما أتت فيه لنا سيداو؟
إسرائيل ام الدول العربية ام أمريكا وأوروبا الذين يتابعون بحرص وترقب بقاء السلطة كما هي لأطول وقت ممكن؟
لأول مرة في حياتي اشعر ان هناك مؤامرة حقيقية علينا. مؤامرة نحن جزء منها والعالم كله يريد لنا ان نبقى هكذا. بلا هوية الا تلك التي نحملها. لا معنى ولا قيمة لها. تخلو من كل المضامين والمعاني. مفرغة من الاخلاق والقيم والمبادئ.
هوية يحملها بشر(نحن) لا يرقون للإنسانية التي يتمتع بها باقي البشر (المجتمع الدولي). بشر (المجتمع الدولي) يعيشون في وقت لا يريدون ان تمر عليهم مجزرة جديدة او مذبحة إنسانية شاملة تؤرق طمأنينتهم وانسانيتهم. محكومون (نحن) بالحياة في سبيل راحة ضمير “المجتمع الدولي”.
الاجدى لنا، نحن الذين لا نعرف كيف نتأقلم مع هذه العبثية الهالكة ان نسكت. او ربما ان نرحل ان قدرت لنا نعمة الحياة. او ربما ان ننتظر حتى يتم تصفيتنا فنرحل من هذا الوطن المهان. فلا كرامة الا لميت في هذا الزمن.
تمنيت لو صدق الشاعر….
أتظن أنك عندما احرقتني   ورقصت كالشيطان فوق رفاتي
وتركتني للذاريات تذرني   كحلا لعين الشمس في الفلوات
أتظن أنك طمست هويتي     ومحوت تاريخي ومعتقداتي
عبثا تحاول….لا فناء لثائر

نحن في وطن…في زمن… لا مكان فيه لثائر!

كاتبة فلسطينية