تحت عنوان “ماذا يريد حزب الله فعلا؟”، كتب الباحث اللبناني المقيم في أمريكا هلال خاشان تحليلا في موقع “جيوبوليتيكال فيتشرز”.
وجاء في التحليل: أعاد حزب الله الأسبوع الماضي بدويا عربيا من مواطني إسرائيل إلى السلطات الإسرائيلية بعد أن عبر الحدود إلى لبنان وقال إنه يريد أن يصبح مقاتلا بالحزب. ومع أن قرار الحزب يبدو محيرا خاصة أن المحققين استبعدوا كونه جاسوسا إسرائيليا، إلا أنه يمكن فهم هذه الخطوة عبر إلقاء نظرة على تاريخ “حزب الله” وتطوره من مؤسسة ذات دوافع دينية إلى فاعل سياسي انتهازي ومزعزع للاستقرار.
يصف “حزب الله” نفسه بأنه “حركة جهادية يحركها الإيمان” ويقول إن أهدافه الرئيسية تشمل الدفاع عن لبنان ضد “العدوان الإسرائيلي المحتمل” وإنشاء جمهورية إسلامية مماثلة لدولة “الخميني” الإسلامية في إيران.
ويقول الكاتب إن رسالة “حزب الله” المفتوحة في عام 1985 (التي تعد بمثابة بيان لإعلان نوايا الحركة) ذكرت أنه إذا اختار الناس بحرية شكل الحكم الذي يأملون في رؤيته في لبنان، فلن يجدوا بديلا للنموذج الإسلامي الإيراني. لكن في عام 1987، شن الحزب معارك ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان بدلا من السعي خلف المهمة الأكثر صعوبة المتمثلة في إنشاء دولة طوباوية.
وفيما يرى المسلمون السنة الجهاد على أنه شن حرب ضد الكفار، فإن الشيعة يفهمونه في الأساس كوسيلة لمكافحة ما يعتبرونه ظلما داخل البيئة المسلمة.
ويضيف الكاتب: بالنسبة للشيعة، بدأ الظلم في السنوات الأولى للإسلام عندما قام الصحابة المقربون للنبي “محمد” بمنع “علي بن أبي طالب” ابن عم الرسول من خلافته في قيادة المجتمع الإسلامي. وقسم هذا الخلاف المسلمين؛ ما أدى في نهاية المطاف إلى ظهور الانقسام السني الشيعي، وتبني الشيعة لعقيدة الجهاد ضد “المنافقين” السنة.
وأدخل “الخميني” مفهوم الجهاد السياسي عندما دعا إلى حرب ضد قوى الغطرسة العالمية؛ أي الولايات المتحدة وإسرائيل. وكان الانقلاب في إيران الذي خططت له وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عام 1953 لإعادة “الشاه”، ضربة للفخر الوطني لدى الإيرانيين، وأدى إلى انتشار المشاعر المناهضة لأمريكا.
كما اختار “الخميني” محاربة الصهيونية لأنه أراد تصدير ثورته في جميع أنحاء الشرق الأوسط، واعتقد أن اتخاذ موقف معاد لإسرائيل سيروق للعرب. وعلى عكس الجهاد ضد المنافقين الذي يتضمن استمرار البعد الديني، فإن الجهاد السياسي مرن ويحتمل أن يؤدي إلى التعاون بين الشيعة والغرب.
قام “حزب الله” بتعبئة المجتمع الشيعي اللبناني من خلال نظام مجتمعي شامل يتضمن الثقافة والتعليم والرعاية الصحية والإعلام والنشاط الاقتصادي ورعاية المقاتلين الجرحى وعائلات الضحايا، وشجع “حزب الله” أتباعه على الالتحاق بالتدريب العسكري في لبنان وإيران.
ويعد الالتحاق بـ”حزب الله” عملية معقدة تتطلب تحقيق شروط مسبقة صارمة؛ حيث يجب أن يأتي الأعضاء من العائلات الشيعية الاثني عشرية، وليس من المتحولين دينيا، ويجب أن يلتحقوا بمذهب “الخميني” الديني، كما يجب أن يعتقدوا أن المرشد الإيراني الأعلى هو من سيقرر دخولهم الجنة، بينما ترفض الحركة التقدميين الذين يفكرون بشكل مستقل ونقدي.
وبحسب التحليل، فمنذ عام 2000 (عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان)، حول “حزب الله” تركيزه، وأظهر القليل من الاهتمام بمحاربة الجيش الإسرائيلي، وركز بدلا من ذلك على لبنان نفسه؛ حيث تمتع بأفضلية واضحة على المليشيات المحلية وقوات الجيش اللبناني.
كما أنفق أيضا الكثير من الوقت والموارد على تنفيذ رغبات إيران رغم أن مقاتلي “حزب الله” لم يبلوا بلاء حسنا أمام المتمردين السوريين حتى انضم الروس إلى المعركة في عام 2015؛ حيث فشلت تكتيكات حرب العصابات التي يتقنها الحزب في تحقيق تقدم ملموس في سوريا، ولم يظهر مقاتلوه قدرة على المناورة في ساحة المعركة، وكانوا يخشون الاشتباك مع “جبهة النصرة” ومقاتلي تنظيم “الدولة”.
وتعرض “حزب الله” في نهاية المطاف لخسائر فادحة في سوريا، كما تلقت وحدة النخبة لديه المعروفة بـ”الرضوان” هزيمة قاسية على يد الجيش التركي في محافظة إدلب، وتابعت القيادة الإسرائيلية هذه المعركة عن كثب، وأعجبت بتمكن الأتراك بسهولة من هزيمة “حزب الله”، الذي لم يكن في موقف يؤهله للانخراط في صراع آخر مع الجيش الإسرائيلي، بحسب التحليل.
وحتى قبل أن تنسحب إسرائيل من لبنان، بدأ “حزب الله” في البحث عن حلفاء محليين لتوسيع نفوذه في الشؤون الداخلية.
ومع أن العضوية في “حزب الله” تتطلب امتثالا لمجموعة صارمة من الشروط المسبقة التي لا يمكن تحقيقها إلا من قبل الشيعة، إلا أنه في عام 1997، أسس الحزب وحدة “كتائب المقاومة”، التي تفتح عضويتها لجميع الرجال اللبنانيين الشباب دون النظر إلى انتمائهم السياسي أو الديني.
وكانت الفكرة مستوحاة من مجموعة من المسيحيين الشباب الذين قدموا تعازيهم بعد وفاة نجل “حسن نصر الله” في معركة مع الإسرائيليين، وأعربوا عن اهتمامهم بأن يصبحوا مقاتلين لدى “حزب الله”.
لكن الحزب أقل اهتماما بكثير بتجنيد المسيحيين مقارنة بالسنة أو حتى الدروز في “كتائب المقاومة”. وفي الواقع، فإن الرواتب المقدمة للسنة أعلى بنسبة 50% من تلك الممنوحة لأعضاء الطوائف الأخرى.
ويعد السنة هم الطائفة الأكثر أهمية للحزب، بحسب الكاتب، بسبب ارتفاع عدد الزيجات بين الطائفتين، كما يعيش السنة في المناطق الحضرية في المقام الأول، ويشكلون أكبر مجموعة دينية في بيروت؛ حيث لا يمكن لأي حركة سياسية التأثير على السياسة الوطنية دون ترسيخ نفسها في العاصمة.
كما يغلب السنة على مدينة صيدا (تضم ميناء) التي يتوجب على “حزب الله” المرور بها للوصول إلى بيروت، وكذلك الحال بالنسبة للضواحي الجنوبية والبقاع (رابطة الحزب بسوريا).
وفقا للتقديرات، فإن قوام “كتائب المقاومة” يصل إلى 50 ألف مقاتل تتضمن واجباتهم الأساسية منع صعود الجماعات المسلحة المناهضة لـ”حزب الله”، ومنع أي عمليات إغلاق لحركة المرور على الطرق السريعة والقيام بالمهام “القذرة” نيابة عن “حزب الله”.
ويرى معظم السنة والدروز والشيعة في “حركة أمل” المتحالفة مع “حزب الله” أن “كتائب المقاومة” (التي تجذب عادة غير المتعلمين والعاطلين عن العمل والمدانين السابقين والهاربين) عبارة عن مجموعة من الدخلاء المفتقرين إلى الشرعية السياسية والقبول الاجتماعي.
عندما عقد لبنان أول انتخابات برلمانية بعد الحرب الأهلية عام 1992، تقدم “حزب الله” وحركة “أمل” بمرشحين مشتركين، وفازوا بمعظم المقاعد المخصصة للشيعة في ظل النظام السياسي الطائفي.
لكن سمعة “حزب الله” كمنظمة إرهابية منعت انخراطه النشط في السياسة؛ حيث لم ينس المجتمع الدولي هجماته على مشاة البحرية الأمريكية والمقرات العسكرية الفرنسية في بيروت عام 1983، أو احتجازه للعديد من الرهائن الغربيين وقتله آخرين، وكان الحزب قد أفرج عن آخر رهائن أمريكيين لديه قبل أشهر قليلة فقط من انتخابات 1992.
وتجاوز تركيز “حزب الله” على الشؤون الداخلية المنافسات الطائفية، وحاولت الحركة إعادة تأهيل صورتها كحركة تحرر وطني، حتى أنها أظهرت التساهل تجاه المتعاونين المسيحيين مع إسرائيل، لكنها فشلت في إقناع العديد من الدول الغربية بأنها تحولت إلى حركة سياسية.
وبحسب الكاتب، أكد دور الحزب في اغتيال رئيس الوزراء السابق “رفيق الحريري” في عام 2005 الاعتقاد الواسع بأن “حزب الله” غير راغب في الإصلاح. وفي عام 2008، غزت قواته غرب بيروت وقمعت المجتمع السني، مبررة تصرفاتها بالادعاء بأنها ضرورية لحماية “المقاومة الإسلامية” ضد الوكلاء المحليين “للمؤامرة الأمريكية السعودية”.
كما عرقل الحزب أيضا تحقيقا في انفجار ميناء بيروت 2020، مؤكدا أن قاضي التحقيق مسيس ومنحاز. ونجح الحزب في الإطاحة بالقاضي السابق تحت ادعاء أنه ليس لديه سلطة لاستجواب أعضاء مجلس الوزراء والنواب البرلمانيين. ويدرك “نصر الله” أنه إذا قرر القاضي توجيه الاتهام إليهم، فإنهم سيعترفون بأن المتفجرات ملك لـ”حزب الله” وكان من المفترض أن تستخدم في سوريا.
كما أن موقف الحزب من انفجار الميناء (الذي تسبب في تدمير هائل في بيروت وقتل أكثر من 200 شخص من بينهم العديد من عمال الموانئ الشيعة) يقوض أحد مبادئ تأسيسه الرئيسية والقائمة على مناصرة العدالة الاجتماعية والدفاع عن المحرومين والمضطهدين.
لقد تطور “حزب الله” من بداياته المتواضعة في أوائل الثمانينيات ليصبح الفاعل السياسي المهيمن في لبنان وأهم قوة تزعزع استقرار البلاد. ودمر الحزب علاقات لبنان مع جيرانه العرب، وساهم في انهيار النظام السياسي اللبناني، وأصبح الناس أكثر فقرا مع ارتفاع التضخم في ظل تخلي دول الخليج (الغاضبة من تدخل “حزب الله” في شؤونها) عن لبنان.
ومع ذلك، لا يزال “نصر الله” يشعر بأنه تقدم على طريق إنشاء “دولة إسلامية” في لبنان.