يديعوت - بقلم: اللواء احتياط عاموس جلعاد ود. ميخائيل ميلشتاين
جهود حماس المتزايدة لتشجيع الإرهاب في الضفة، وحادثة إطلاق النار على حدود القطاع التي جرت الأسبوع الماضي، وإطلاق الصاروخين أمس سواء في أعقاب خلل فني أو عن قصد – يفترض أن تشعل أضواء حمراء أمام مقرري السياسة في إسرائيل بشأن فجوات التسوية المتشكلة في غزة والتحذير من التباهي الزائد بالهدوء النسبي في هذه الجبهة. مقارنة بين إعلانات حماس وإسرائيل في النصف سنة الأخيرة، تجسدت الفجوة بين الطرفين؛ فإسرائيل تعمل بنشاط على تنمية نسيج الحياة في القطاع وتستند إلى نظرية تقضي بأن الغزيين الذين تتحسن حياتهم كفيلون بأن يمنعوا يحيى السنوار من العمل على مبدأ الجهاد الوجودي من ناحيته. أما حماس، من جهتها، فتتباهى بإعادة بناء متسارع لقوتها العسكرية استعداداً لمعركة مستقبلية، وتهدد باستئناف التصعيد إذا لم تلبَّ مطالبها على المستوى المدني أو في ضوء التوتر الناشئ في القدس والضفة أو في أوساط السجناء الفلسطينيين.
إن أصحاب القرار في إسرائيل مطالبون بتغيير في الوعي والعمل بالنسبة للقطاع. أولاً، مطلوب الاعتراف بقيود التفكير الغربي الذي يفترض بأن اقتصاداً جيداً يشكل كابحاً أمام الأيديولوجيات المتطرفة. هذا نموذج فشل مرات عديدة في العقود الأخيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك في حملة “حارس الأسوار” التي بدأت فيها حماس الحملة بمبادرتها لأول مرة في تاريخها بدوافع أيديولوجية ودينية في ظل خرق فظ للتسوية ودون أن يسبق المواجهة أي احتكاك في القطاع الذي تحسن فيه الوضع المدني حتى ذلك الحين.
ثانياً، ثمة حاجة ماسة لصب مضمون عملي في الشعار الذي رفع في أثناء حملة حارس الأسوار: “ما كان لن يكون”. فالعمل على بادرات مدنية واسعة النطاق تجاه القطاع (وعلى رأسها خروج العمال إلى إسرائيل) دون أن تكون حماس مطالبة بثمن ما في موضوع الأسرى والمفقودين وتعاظم القوى العسكرية وتواصل تشجيع الإرهاب في الضفة والقدس وإن كان ينتج هدوءاً في المدى الفوري، إلا أن من شأنه أن يصبح تحدياً استراتيجياً في المدى البعيد. تنطوي السياسة الحالية على اعتراف بحماس كحقيقة قائمة، تعزز مكانتها في الساحة الفلسطينية (أساساً قبيل “اليوم التالي” لأبو مازن)، وتقلص إمكانية الاحتجاج الجماهيري ضدها واحتمال عودة السلطة إلى القطاع.
تقف إسرائيل في غزة أمام معضلة بين بديل سيئ وأسوأ، وأمام مشكلة متعاظمة ليس لها حل سحري. فاتخاذ نهج متصلب وجباية ثمن من حماس على الرفض وعلى خرق التسوية (في الضفة أيضاً) ستجر احتكاكات أمنية في القطاع، ولكنها كفيلة بتعزيز الردع تجاه منظمة الإرهاب وتفاقم العلاقات بينها وبين الجمهور الغزي، وتشوش مساعي تعاظم قوتها في طريقها لتصبح مثابة “حزب الله على الحدود الجنوبية لإسرائيل”.
وفوق كل شيء، مطلوب تحسين قدرة التحليل الإسرائيلية لمنطق حماس. فالحديث يدور عن جهة تحركها قوة السعي إلى العمل وإلى الاشتباك لغرض تحقيق أهدافها الأيديولوجية بعيدة المدى. تسمح حماس بين الحين والآخر بفترات هدوء – مثل الآن، بدوافع مصلحية، ولكن تطلعها المركزي ليس لحياة طيبة وهادئة للفلسطينيين، هذا اعتبار وليس اضطراراً، وصعب على إسرائيل أحياناً أن تفهم “الآخر” الذي يحركه عالم قيم مختلف، وبخاصة عالم مفعم بالحماسة الأيديولوجية.