هآرتس - بقلم: يوسي كلاين "الإمبراطورية السرية هنا، تحت الأنف. لا يذكرونها في الدروس ولا تكتب عنها الصحف. إمبراطورية إسرائيل السرية، تمتد من البحر حتى نهر الأردن، وفيها 12 مليوناً: 7 ملايين من اليهود، والباقون من العرب. لا يكتبون ولا يتحدثون عن الأغلبية اليهودية الصغيرة التي تسيطر على الأقلية العربية الكبيرة، التي هي في إسرائيل مميز ضدها، وفي “المناطق” [الضفة الغربية] معذبة.
الفجوة الصغيرة بين الحاكمين والمحكومين سرية. ما زالوا يتحدثون عن “أرض صغيرة محاطة بالأعداء”، وليس عن أرض إسرائيل الكاملة. نحن نتجاهلها ونقسمها إلى قسمين، “إسرائيل” و”المناطق”. يمكننا التقسيم كما نريد، لكن الحقيقة أن 7 ملايين يهودي مقابل 5 ملايين عربي يعيشون تحت سقف وطني واحد. هذا غير مقلق. لذلك، ننظر إلى الخمسة ملايين عربي مثلما ننظر إلى شعبين منفصلين، الأول يهتم بمستوى الحياة، والثاني يطلق النار على طلاب المدارس الدينية.
نحن إمبراطورية، لكننا مدمنون على روحية الأقلية الصغيرة والمضطهدة. أقلية مضطهدة تجد صعوبة في أن تكون حاكماً متنوراً. من كان أقلية مضطهدة في الأمس، يضطهد أقلية اليوم. ومن يصعب عليه هذا الوضع تتملكه فكرة أن الوضع مؤقت. يقول في نفسه بأن الاحتلال الذي هو مذنب بكل شر، وهو المسؤول عن كل شيء قبيح لدينا، هو احتلال مؤقت. وأن سيأتي يوم (لا يعرف كيف إلا الشيطان) وسينتهي فيه الاحتلال.
هذا خطأ. 54 سنة ولا أحد يهتم. مهما كان عدد القتلى فلا أحد يريد تغيير الوضع. هو وضع مناسب لنا. أما المتنورون والصادقون فيسلمون بكونهم شركاء في الأبرتهايد في شرق الإمبراطورية. هذا ليس أبرتهايد حقيقياً، يقولون. لقد عبّدنا الطرق المنفصلة، وقمنا بالمصادرة والتهجير والتدمير، وأقمنا هناك “بانتوستان” خاصاً بنا، أليس هذا أبرتهايد؟
لو اعتقدنا بأن الأبرتهايد وضع دائم، يعزي من يحبون الخير أنفسهم، لما صمتنا. بمجرد التفكير بأن على بعد ساعة سفر منا أشخاصاً ينكل بهم ويُقتلون، لا يسمح لنا بالنوم هادئين. ولكن، لأن الأمر مؤقت، فمسموح لنا الغضب عندما يقوم السكان الأصليون بقتل السادة. نطلب منهم القليل من ضبط النفس، لأن “كل شيء مؤقت”، ونطلق عليهم فصائل العاصفة الذين يعتمرون القبعات المنسوجة ويضعون الأهداب.
جميعهم يأملون ذات يوم أن سنستيقظ في الصباح ونرى العرب قد اختفوا. ولكن هذا لن يحدث. حتى لو كان من المستحيل إخفاؤهم، فيمكن إماتتهم. في منطقة الحرام الشرقية يسهل تنغيص حياتهم، أما في القسم الغربي فثمة أمر معقد أكثر؛ كنا وعدناهم ذات يوم بأن الدولة اليهودية ستكون ديمقراطية، وهو وحل ما زلنا نأكله حتى اليوم.
لماذا وعدنا؟ لأننا نخاف من أن يستغلوه ويمسوا بالتفوق الذي بسببه نستطيع أن نفرض هوية دينية واحدة على دولة هي بالأساس مشتركة لديانتين. فعلنا كل ما في استطاعتنا للحفاظ على تفوقنا. فقد قمنا بحبسهم في غيتوات وصادرنا أراضيهم ونكلنا بلغتهم وثقافتهم، واستثمرنا في تعليم أولادهم ثلث ما استثمرناه في أولادنا، وعندما زادت الجريمة هناك قلنا: ما يهمنا؟ ليقتل بعضهم بعضهم. ثم رحنا ندافع بشجاعة وتضحية عن معقلنا الأخير وبؤبؤ عيننا وروحنا “الهايتيك” العزيز علينا، ومنعنا العرب من الدخول إلى مناطقه المختارة.
هذا لم يساعد. فقد اكتشفوا العلاقة بين التعليم والنجاح. ليس لدينا من أجلهم “حلم أمريكي” إسرائيلي يعد بحياة جيدة للمؤهلين والمجتهدين. ونعرف ما يجب أن تفعله أقلية من أجل تحقيق الأحلام، فقد كنا في ذاك الوضع يوماً ما. فالأقلية ترفض أن يكون أبناؤها عمال بناء وصيادلة فقط.
وحتى نزيل القلق، إنهم لن يكونوا عمال بناء وصيادلة؛ لأنهم مثلنا، يعرفون أنه لا يمكن أن يتقدموا ويحتلوا المواقع التي لن تغلق في وجههم إلا بفضل التعليم والاجتهاد وأن لا خيار آخر أمامهم. الأرقام تتكلم عن نفسها. عدد الطلاب العرب الذين يتعلمون للقب الأول تضاعف خلال عقد. الأطباء العرب هم نصف الأطباء الجدد، وسيكونون “يهود الإسرائيليين”، وسيكونون للفلسطينيين ما كان عليه يهود الولايات المتحدة لليهود في إسرائيل. هل هذا جيد؟ هذا جيد لليهود الأخيار، وسيئ لليهود القوميين المتطرفين.
في الإمبراطورية السرية، الجميع يلتقون: دولة كل مواطنيها التي دعا لها عزمي بشارة، وأرض إسرائيل الكاملة التي دعا لها حاييم دروكمان، والدولة ثنائية القومية التي دعا لها أ. ب يهوشع (لمجرد “دولة ديمقراطية” لا يوجد تمثيل). هل تعتقدون أن هذا جيد؟ أعيدوا التفكير. جميعنا نلتف على بعضنا مثل الحشرات في رقصة التزاوج التي يفترس أحدهما الآخر في نهايتها.