وجه القاضي السابق في المحكمة العليا، ميني مزوز، انتقادات إلى المحكمة وقراراتها وأدائها كختم مطاطي لسياسة الحكومة، أحيانا، ورأى أن المشكلة الاساسية في عملها أنها تعمل كمحكمة استئناف بالأساس وليس كمحكمة عليا ينبغي أن تنظر في قضايا مبدئية.
وقال مزوز (66 عاما)، الذي فاجأ العام الماضي، بقراره الاستقالة من المحكمة العليا قبل خمس سنوات من بلوغه سن التقاعد، إن "90% إلى 95% من وقت قاضي العليا مخصص للاستئنافات، وهناك نحو 5% هي قضايا تخص المحكمة العليا فعلا".
وأوضح مزوز في مقابلة معه نشرتها صحيفة "هآرتس" اليوم، الجمعة، أن المحكمة العليا في إسرائيل تنظر في 10 آلاف قضية سنويا. وأضاف أنه للمقارنة، "في الولايات المتحدة، وهي دولة عدد سكانها 330 مليون نسمة، تنظر المحكمة العليا في 60 – 70 ملفا في السنة. ولم يعد هناك 60 – 70 ملفا في إسرائيل ينسبون للمحكمة العليا، أي ملفات مبدئية دستورية، أو ملفات تنظر في قرارات الحكومة أو ملفات جنائية من العيار الثقيل. فغاية المحكمة العليا هي ملفات كهذه، لكنها عدد ققليل جدا من أجندة المحكمة".
وأشار مزوز إلى أنه "ينبغي الفصل بين محكمة الاستئنافات والمحكمة العليا"، لكن النظام السياسي في إسرائيل يمنع ذلك. "تعتقد المؤسسة السياسية أنه ’إذا رفعنا أعباء عن المحكمة العليا، فإن القضاة سينشغلون أكثر بالملفات العامة والسياسية’. ولا أساس لهذا. فالملفات العامة الثقيلة تحظى بأولوية أولى دائما".
وكان زملاء مزوز في المحكمة قد انتقدوا قراره بالاستقالة في فترة تحاول فيها الحكومة تغيير هوية المحكمة العليا وإدخال قضاة يمينيين والدوس على جهاز إنفاذ القانون، في أعقاب تقديم لوائح اتهام خطيرة ضد رئيس الحكومة حينها، بنيامين نتنياهو.
وقال مزوز إنه "في كل مرة أجريت فيها حسابا مع نفسي بشأن الاستقالة أو لا، كان هذا الاعتبار الأساسي لعدم الاستقالة. لكن بالإمكان تحمل ذلك حتى حدود معينة. وتصل إلى نقطة تشعر فيها، كما قال (رئيس الحكومة الاسبق مناحيم) بيغن، لم أعد أتحمل أكثر".
سياسة هدم بيوت الفلسطينيين
استخدمت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا كختم مطاطي للمصادقة على أوامر هدم بيوت الفلسطينيين. وقال مزوز إنه تمرد على هذا التوجه. فخلال العام الماضي، قرر حرس المحكمة نصب كاميرات أمام بيت مزوز وإرفاق حارس شخصي له، بعد أن صادق على التماس عائلة فلسطينية ضد هدم بيتها، وقالت أنها لم تكن تعلم ولم تكن ضالعة في أن أحد افرادها متهم بالضلوع في عملية مسلحة.
كذلك في نهاية العام 2015، أثناء انتفاضة السكاكين والعمليات الفردية، تم ضم مزوز إلى هيئات قضائية نظرت في التماسات ضد هدم بيوت فلسطينيين، ووافق على جميعها.
وقال مزوز إنه "سرت ضد التيار بشكل واضح وعن وعي. واعتقدت أن هدم البيوت خطوة غير أخلاقية، مناقضة للقانون ونجاعتها مشكوك فيها. وأشعر أن قرارات الهدم كان هدفها إرضاء الرأي العام، وفيما القيادة تعلم أن هذا لن يمنع العملية القادمة".
وأثار قرار مشابه اتخذه مزوز بعدم هدم بيت فلسطيني بعد إجماع قاضيين مقابل قاضي واحد، وبعدما انضم إلى موقفه القاضي تسفي زيلبرطال، غضب رئيسة المحكمة حينها، مريم ناؤور، وقالت "نحن محكمة عليا ولسنا محكمة قضاة".
وفي العام 2016، رفض مزوز قرار الجيش الإسرائيلي هدم بيت عائلة الشاب عبد العزيز مرعي، من ابو ديس، بادعاء ضلوعه في عملية. وقال ذوي مرعي في التماس قدموه إلى المحكمة العليا إن لا علاقة لهم بالعملية، وأن ابنهم يسكن في نزل الطلبة معظم الوقت. وأيدت مزوز القاضية عنات بروم، وبذلك منعا الهدم، رغم أن ناؤور ايدت هدم المنزل. لكن بعد ذلك امتنعت رئاسة المحكمة عن ضم مزوز إلى هيئات قضائية تنظر في التماسات ضد هدم البيوت.
وقال مزوز إنه "من الصعب ألا نرى بهدم البيوت أنه عقاب جماعي. ويستهدفون هنا أفراد عائلة أبرياء، كما أنه لا يوجد مؤشر على ضلوعهم أو علمهم. وغالبا هذا يكون بيت تسكن فيه الحمولة كلها. ولا أعرف اي مجال آخر يفرضون فيه عقابا على من لم يرتكب مخالفة. وهذه حالة متطرفة بنظري. وعمليات الهدم تلحق بنا ضررا دوليا يوميا. فهذه الأمور لا تبقى هنا، ويتم طرحها سنويا أمام لجان حقوق الإنسان في جنيف وفي هيئات دولية".
وأضاف مزوز أنه أراد عقد مداولات عميقة حول سياسة هدم البيوت من الناحية القانونية. "وقرارات الحكم التي يقتبسها القضاة في هذه الالتماسات كُتبت منذ سنوات في معظم الحالات، (لكن) الواقع القانوني تغير، ودخلنا العصر الدستوري، والقانون الدولي تغير. ورغم تقديم طلبات لإعادة النظر استنادا إلى قرارت الحكم التي أصدرتها، لكن الرئيستين ناؤور وإستير حيوت رفضتاها".
وكان مزوز قد صادق على هدم بيت، في العام 2009، عندما كان يتولى منصب المستشار القضائي للحكومة. وقال إنه "كنت متحفظا من ذلك عندما كنت مستشارا، لكن لم أتمكن من القول للحكومة إن هذا ممنوع فيما هناك عشرات قرارات الحكم الصادرة عن المحكمة العليا وتقول إنه مسموح. واعتقدت حينها أنها خاطئة. وجميع خبراء القانون الدولي تقريبا، في العالم وإسرائيل، يؤكدون بشكل قاطع أن هذه ممارسات غير قانونية".
ولفت مزوز إلى انه في معظم فترة ولايته كمستشار قضائي للحكومة لم يكن هناك هدم بيوت. "وفي العام 2009 تغير المستوى السياسي (بعد صعود نتنياهو إلى الحكم)، واستؤنف هدم البيوت، وتحول ذلك إلى أمر اعتيادي، والمحاكم تتعامل معه كأنه مفهوم تلقائيا".
"قانون القومية" العنصري
خلافا لموقفه من سياسة هدم البيوت، رفض مزوز كقاضٍ التماسا طالب بإلغاء "قانون القومية" العنصري. واعتبر خلال المقابلة أن "المشكلة الأساسية في هذا القانون ليس بمضمونه وإنما في ما ليس موجودا فيه – مبدأ المساواة".
وأضاف مزوز أن مضمون هذا القانون كان يجب أن يشمل "وثيقة الاستقلال"، وأن "غياب مبدأ المساواة هو نقص صارخ، وجرى ذلك في ظروف اعتبرت أن الاصبع في العين تجاه الأقلية العربية. وفي الظروف والشكل اللذين تم فيهما ذلك، فإن هذا ليس قانونا لا حاجة له وحسب، وإنما هو قانون ضار، لكن لم يكن بالإمكان التدخل فعلا. وهذه وضعية غريبة جدا من الناحية القضائية، بأن تلتمس ضد قانون ليس بسبب مضمونه وإنما بسبب ما ليس موجودا فيه".
وتابع "لذلك قالت المحكمة إن قانون اساس القومية لا يستهدف مبدأ المساواة عمليا، لأن هذا المبدأ موجود في الدستور الإسرائيلي في إطار قانون أساس كرامة الإنسان وحريته. وهكذا، عمليا، كأنه تم تحييد هذه القنبلة، في المستوى القانوني".