أكد رجب صويلو، مراسل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في أنقرة، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصرّ على أن خفض أسعار الفائدة سيكون مفيدا للغاية لاقتصاد بلاده، ويقول إن الصبر مطلوب لرؤية نتائج هذه السياسة الجديدة والمثيرة للجدل إلى حد كبير.
لكن الكاتب يتساءل ما الذي يريده أردوغان بالضبط من هذا الوضع؟ ليقول إن الإجابة تكمن في عرض تقديمي كتبه جميل إرتيم، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس التركي.
ويركز العرض الذي حمل عنوان “النموذج الاقتصادي الجديد: الأسباب والفوائد”، الذي حصل “ميدل إيست آي” على نسخة منه، على المشاكل الاقتصادية المزمنة التي واجهتها تركيا في العقود القليلة الماضية، والتي نجمت عن ارتفاع تكاليف الاقتراض وانخفاض أسعار الصرف.
وتتمحور الرسالة الرئيسية التي قدمها عرض إرتيم حول “الاستقلال الاقتصادي”. ويؤكد العرض مرارا أنه من المستحيل أن تكون مستقلا اقتصاديا أثناء تنفيذ سياسة مالية قائمة على أسعار الفائدة المرتفعة أو توصيات صندوق النقد الدولي.
ويؤكد إرتيم أن سياسة أسعار الفائدة المرتفعة أدت إلى حلقة مفرغة من انخفاض الصادرات، وانخفاض العمالة، وارتفاع الواردات، وتفاقم الديون الخارجية، وزيادة الاعتماد على الخارج، الأمر الذي يتطلب مرة أخرى أسعار فائدة أعلى وأعلى، وهلم جرا.
ويقول إرتيم في العرض التقديمي: “بسبب هذا النموذج تسجل البلاد عجزا مرتفعا في الحساب الجاري وتعتمد على تدفقات الأموال السريعة قصيرة الأجل مع زيادة الدين الخارجي. ويمهد هذا النموذج الطريق لهجمات اقتصادية، نظرا لاعتماده على الخارج”.
ويقول كبير المستشارين الاقتصاديين إن نموذجه الجديد القائم على أسعار الفائدة المنخفضة، سيزيد الصادرات ويقلل الواردات، ما يؤدي إلى فائض في الحساب الجاري ونمو أعلى مع ارتفاع معدلات التوظيف. ويعتقد إرتيم أن هذا النموذج سيجعل الصادرات التركية أكثر قدرة على المنافسة مع انخفاض الليرة.
ويضيف إرتيم: “سنحفز الاستثمارات الأجنبية المباشرة بدلا من تدفقات الأموال الساخنة قصيرة الأجل. وبهذه الطريقة سنصبح دولة أقوى محمية من الصدمات المالية الخارجية”.
ومع تقديم أمثلة على الأحداث التي رافقها انخفاض كبير في الليرة مثل احتجاجات “جيزي بارك” في 2013 ومحاولة الانقلاب في 2016 والعقوبات في 2018 بسبب اعتقال قس أمريكي والعملية العسكرية التركية في سوريا عام 2019، يقول “إرتيم” إن التطورات الجيوسياسية يمكن استخدامها كأداة لتقويض الاقتصادات القائمة على التبعية الأجنبية.
وبحسب الكاتب، يشير الأشخاص المطلعون على تفكير الحكومة التركية، إلى أن هناك مؤشرات ملموسة تدعم نظرية انخفاض سعر الفائدة التي يتبناها أردوغان وإرتيم.
ومنذ أغسطس/ آب، خفّض البنك المركزي التركي سعر الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس، من 19% إلى 14%. وفي غضون ذلك، قفزت الصادرات بنسبة 33% في نوفمبر/تشرين الثاني، لتصل إلى 21.5 مليار دولار، في حين سجل الحساب الجاري فائضا قدره 3.16 مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول.
وانخفضت البطالة أيضا بنحو نقطتين مئويتين من 13.1% إلى 11.2% في أكتوبر/ تشرين الأول على أساس سنوي. ونما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7% في الربع الثالث من عام 2021.
ومع ذلك، يشير الكاتب، لا تزال السياسة الاقتصادية للحكومة لا تحظى بشعبية كبيرة لدى المستثمرين؛ لأنها تزيد من التضخم، مع توقعات بأن يصل إلى 26% نهاية العام الجاري.
ويقول إرتيم إن الحالة المصرفية في تركيا قوية، حيث تبلغ نسبة القروض المتعثرة 3.5% فقط. ويتم استخدام الائتمان المقدم من البنوك في الغالب من قبل الشركات التي من شأنها زيادة النمو والتوظيف.
وأضاف: “زاد عدد الشركات الجديدة بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي مع إغلاق عدد أقل من الشركات. كما تراجعت نسبة الشيكات غير المغطاة بشكل تاريخي، حيث بلغت 1% في أكتوبر/ تشرين الأول”.
وتراهن الحكومة أيضا على ارتفاع عدد السياح الوافدين اعتبارا من مارس/ آذار، معتقدة أنه سيتم رفع قيود السفر إلى حد كبير. وزاد عدد السياح الوافدين بنسبة 143% في الربع الثالث من عام 2021 مقارنة بالعام الماضي، حيث وصل إلى 13.6 مليون سائح، وأنفق السائحون 11.3 مليار دولار في تركيا خلال تلك الفترة.
ما الخطأ في نموذج أردوغان الجديد؟
لكن الكاتب يشير من جهة أخرى إلى أن الخبراء يحذرون من أن انخفاض قيمة الليرة يضع عبئا كبيرا على المواطن التركي العادي الذي يكافح الآن لتغطية نفقاته وسط ارتفاع الأسعار.
وقفزت أسعار الخبز بنسبة 25% خلال الشهر الماضي فقط؛ مما خلق طوابير طويلة من الناس خارج المخابز المدعومة التي تملكها البلديات. وقفزت أسعار الدقيق بنسبة 300% خلال عام، بينما شهدت أسعار المواد الأساسية الأخرى مثل الحليب والجبن ارتفاعا بنسبة 47%.
ويلفت الكاتب إلى أنه حتى بعد أن رفع أردوغان الحد الأدنى للأجور بنسبة نحو 50%، فإن القوة الشرائية تتراجع باستمرار في بلد يتم فيه استيراد العديد من العناصر الأساسية بالدولار، بما في ذلك السيارات والوقود.
ويذكر أن أكثر من 42% من العمال الأتراك لا يتلقون سوى الحد الأدنى للأجور المحدد رسميا، والذي يبلغ حاليا 4253 ليرة أي 252 دولارا، وتشير التقديرات إلى أن أي عامل يتقاضى أقل من 13 ألف ليرة يعتبر فقيرا.
في غضون ذلك، ارتفعت أسعار المساكن بنسبة 40% في أكتوبر/ تشرين الأول مقارنة بالعام الماضي، وما زالت الأسعار ترتفع باستمرار بشكل شبه يومي، كما حطمت أسعار السيارات أرقاما قياسية بسبب الانخفاض المستمر في قيمة الليرة وأزمة الرقائق العالمية.
علاوة على ذلك، يؤكد الكاتب، فإن لدى تركيا إجمالي احتياجات إعادة تمويل لمدة 12 شهرا بما يقرب من 170 مليار دولار.
وبحسبه، فباستثناء المقايضات مع البنوك المحلية، لدى البنك المركزي الآن 37.9 مليار دولار من احتياطيات العملات الأجنبية، وتم استنزاف بعض احتياطاته مؤخرا حيث تدخل البنك 5 مرات خلال شهر في محاولة لدعم الليرة وسط التقلبات الشديدة.
ويشدد الكاتب في الأخير، على أنه إلى جانب الدين الخارجي، هناك مسألة حيوية تتعلق بواردات الطاقة، حيث تعتمد تركيا على مصادر خارجية للغاز الطبيعي والنفط بمعدل 99% و93% على التوالي. ووفقا لبيانات التجارة الخارجية، دفعت تركيا 41 مليار دولار لواردات الطاقة في عام 2019.
وفي عام 2021، شهدت أسعار النفط والغاز الطبيعي العالمية ارتفاعات تجاوزت 100% في الوقت الذي يتزايد فيه استهلاك تركيا.