يديعوت - بقلم: باراك رافيد "كان مطار ميامي مزدحماً، وكانت أجزاء أخرى من الشاطئ الشرقي باردة ماطرة، وكانت درجة الحرارة المتوسطة تصل إلى 27 درجة مئوية في فلوريدا في نيسان، وكان الأمريكيون يتدفقون لإجازة الربيع، وصلتُ إلى زيارة عاجلة لأقل من 24 ساعة. مع مقابلة استغرقت ساعة ونصف الساعة مع جاريد كوشنر في بيته على الشاطئ في ميامي بيتش. شققت طريقي شمالاً إلى درة تاج الزيارة – لقاء مع دونالد ترامب، الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة. منذ غادر البيت الأبيض، لم يعد الرئيس السابق إلى شقته في برج ترامب في الجادة الخامسة في نيويورك، وهو يقضي معظم وقته في عزبة مار آلاغو (في الإسبانية، “من البحر حتى البحيرة” – ب.ر) والتي اشتراها في 1985. هذه العزبة العشرين في حجمها في الولايات المتحدة، وهي تقع على نحو ستة دونمات وتضم 128 غرفة ونادياً مغلقاً. في زمن ولايته كرئيس، استضاف ترامب هناك رئيس الصين، ورئيس وزراء اليابان وزعماء آخرين.
في وقت الرحلة شمالاً، تلبدت السماء وبدأ المطر يهطل. استقبلني في مدخل الطريق إلى العزبة رجل الخدمات السرية. نظر إلى جواز سفري نظرة خاطفة وسمح لي بالدخول. كان المجال هادئاً. النادي الحصري لا يعمل أيام الأحد، ومنصة الاستقبال في الرواق الفاخر كانت مهجورة. القاعة المركزية ذات الجدران المذهبة وثريات الكريستال الضخمة كانت فارغة، وكان البيانو صامتاً. بعد بضع دقائق من الانتظار دخل. ببدلة سوداء وقميص أبيض بلا ربطة عنق وقبعة حمراء، أصبحت رمزه مع شعار “ Make America Great Again” على رأسه. رأيته عن كثب مرات غير قليلة في أثناء اللقاءات بينه وبين رئيس الوزراء نتنياهو في البيت الأبيض وفي أثناء زيارته إلى إسرائيل، بل وطرحت عليه أسئلة في المؤتمرات الصحافية، لكنها المرة الأولى التي أجلس معه ثنائياً وجهاً لوجه. لم تكن لدي أي فكرة عما أتوقعه باستثناء غير المتوقع.
كان لطيفاً ولكنه قصير النفس. “عم يدور كتابك؟”، سأل. بدأت أشرح، ولكن بعد بضع ثوان قاطعني وبدأ في خطاب على كل ما فعله من أجل إسرائيل، متبلاً كلامه بتهجمات على سلفه في المنصب براك أوباما وعمن حل محله جو بايدن، في نقد حاد على الاتفاق النووي مع إيران، وفي الشكوى من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وبالطبع بذكر متكرر لما يسميه “سرقة الانتخابات” من قبل خصومه الديمقراطيين. وبقدر ما تواصل حديثنا، هكذا ذكر المرة تلو الأخرى “الانتخابات المحاكة”، وادعى بأنه هو الذي انتصر فيها. في نيسان 2021، بعد ثلاثة أشهر من مغادرته البيت الأبيض، كان يبدو أنه لا يزال يعيش الهزيمة، ويؤمن عن حق وحقيق بأن ظلماً رهيباً أحيق به– ومصمم على أن يعود إلى الساحة السياسية.
“لم يفعل أي رئيس من أجل إسرائيل ما فعلته أنا. ولا حتى قريباً مني”، استهل الحديث وبدأ يحصي إنجازاته، مثل نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة إسرائيل، الاعتراف بالسيادة في هضبة الجولان والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. “هذه مصيبة. الآن يعود بايدن إلى هذه الصفقة لأنه لا يفهم شيئاً. لقد قاتل الإسرائيليون ضد الاتفاق النووي – وأوباما لم يستمع لهم”. سألته إلى أي مدى كان قراره الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار 2018 نتيجة منظومة علاقاته مع بنيامين نتنياهو، ففاجأني جوابه ووفر تلميحاً لحديث سيحمل الكثير من المفاجآت “كان القرار مرتبطاً بمنظومة علاقاته مع إسرائيل – وليس مع بيبي. هذه كانت مشاعري تجاه إسرائيل”، قال ترامب.
***
على مدى كل السنوات الأربع تقريباً من ولاية ترامب، كان يبدو أن نتنياهو وترامب واحد. قريبان، منسقان ومغلقان في حلف لا ينكسر. المقابلة مع ترامب كشفت واقعاً مختلفاً. ليس واضحاً متى بالضبط، ولكن في نقطة معينة في السنتين الأخيرتين من ولايته نشأ شرخ بين ترامب ونتنياهو. لعلها كانت “انتخابات الكنيست في نيسان 2019 التي لم ينجح فيها نتنياهو في الانتصار رغم تأييد الرئيس الأمريكي المكثف. لعل هذا كان احتفال عرض خطة السلام في كانون الثاني 2020 في البيت الأبيض، الذي غضب ترامب في نهايته من خطاب نتنياهو الانتخابي، ولعله كان إحساسه بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يعطه الإسناد الكافي في أثناء انتخابات الولايات المتحدة. السطر الأخير هو أن دونالد ترامب الذي التقيته في نيسان 2021 في مار آلاغو، كان مشحوناً. لقد انتظر ليزيح ما في قلبه عن نتنياهو.
“أحببت نتنياهو جداً”، استهل ترامب. “لكن كانت لنا انتخابات في هذه الدولة التي سرقت وحيكت. بسبب أناس مثل ميتش ماكونيل، كانوا أغبياء وضعفاء ولم يقاتلوا في سبيل الرئيس. لم يفعل أحد لنتنياهو مثلما فعلته. ولا أحد قدم لإسرائيل أكثر مني. الشخص الأول الذي ركض ليهنئ جو بايدن كان نتنياهو. ولم يهنئه فقط، بل فعل هذا في فيلم فيديو”، شدد ترامب. “إذا نظرت إلى زعماء الدول الأخرى – مثل البرازيل – انتظر أشهراً. بوتين، وزعماء كثيرون آخرون، المكسيك…كل هؤلاء شعروا أيضاً بأن الانتخابات حيكت”. حاولت أن أسأل إذا كان خائب الأمل من سلوك نتنياهو، ولكن كان من الصعب وقف جرف أقواله. “الصين هي الأخرى كانت تنتظر قبل تهنئة بايدن، ولكن حصل ما حصل مع الصين وكورونا – والعلاقات الآن غير جيدة. ولكنهم أيضاً كانوا ينتظرون. لم يفعل أحد من أجل بيبي أكثر مني. المال أيضاً. أعطيناهم مالاً كثيراً وأعطيناهم جنوداً. فعلنا كل شيء”.
كمثال على الخطوات التي اتخذها من أجل نتنياهو، يذكر لي ترامب قراره الاعتراف بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان قبل بضعة أيام من الانتخابات في إسرائيل في نيسان 2019. “خذ مثالاً الجولان. كانت صفقة كبرى”، قال. “قال لي أحد ما إن قيمة هذه الصفقة عشرات مليارات الدولارات. مثل قطعة عقارات. روى كيف أنه اتصل هاتفياً بالسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، في أثناء البحث مع بعض من مستشاريه، وطلب منه أن يعطيه محاضرة “خمس دقائق” عن هضبة الجولان وأهميتها. “أوقفته بعد دقيقة”، قال لي ترامب. “هذا مكان عال، وبالتالي مهم من ناحية استراتيجية. جلبتُ هذا لهم. قال لي الناس إنها هدية تساوي عشرة مليارات دولار”. كان هذا تماماً قبل الانتخابات، قلت له. “فعلت هذا قبل الانتخابات – وهذا ساعده (نتنياهو – ب. ر) كثيراً. كان سيخسر الانتخابات بدوني، وبفضلي خرج متعادلاً. ارتفع كثيراً في الاستطلاعات بعد قرار هضبة الجولان. ارتفع بـ 10 أو 15 في المئة”.
ليس واضحاً ما إذا كان قرار ترامب في موضوع هضبة الجولان قد رفع نتنياهو بـ 10 حتى 15 في المئة في الاستطلاعات، ولكن استطلاع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، الذي أجري قبل نحو أسبوع من الانتخابات أظهر أن 66 في المئة من المواطنين اليهود فكروا مثل ترامب، وقالوا إن الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان ستعزز مكانة نتنياهو في الانتخابات.
أكثر من كل شيء، ترامب غاضب من تلك التهنئة المصورة لبايدن والتي نشرها نتنياهو. كانت ميلينيا، عقيلته، هي أول من رأى الشريط ونبهته إليه. “أحببت بيبي. لا أزال أحب بيبي. ولكني أحب الولاء أيضاً”، قال لي. “الشخص الأول الذي هنأ بايدن كان بيبي. لم يهنئه فقط، بل فعل هذا في شريط مسجل. كان يمكن لبيبي أن يجلس صامتاً. ارتكب خطأ رهيباً. خاب أملى منه على المستوى الشخصي”.
يتذكر ترامب كل كلمة من ذاك الشريط. لا يفهم لماذا أشار نتنياهو إلى صداقته الرائعة مع بايدن. “دعني أقول لك شيئاً ما – صحيح أن هذا كان أوباما وليس بايدن، ولكن بايدن كان جزءاً من إدارة أوباما”، قال ترامب بغضب. “أتذكر نتنياهو يصل إلى الولايات المتحدة ويستجدي أوباما بألا يعقد الصفقة مع إيران. كل ما حصل عليه نتنياهو من بايدن هو الاتفاق مع إيران. هذا كل ما حصل عليه منه. “لا أفهم كيف يمكن لليهود أن يصوتوا لبايدن أو لأوباما مع ما فعلاه لهم في الاتفاق النووي. اسمع ما أقوله لك – لو لم آت، أعتقد أن إسرائيل كانت ستباد. أوكي؟ أتريد أن تعرف الحقيقة؟ أعتقد أن إسرائيل كانت ستباد حتى الآن. لم تكن بينهما صداقة (نتنياهو وبايدن – ب. ر)، فلو كانت لهما صداقة لما عقدت الصفقة مع إيران. وخمن ماذا؟ سيفعلون هذا الآن مرة أخرى. وإذا ما عادوا إلى الاتفاق النووي، فستكون إسرائيل في خطر كبير جداً. خطير كبير جداً، أتفهم ما أقول؟”.
***
كرر ترامب خمس مرات على الأقل في لقائنا بأن نتنياهو كان أول من هنأ بايدن والشريط والمسجل. واضح أنه يشعر بإهانة عميقة جراء ذلك. “الانتخابات كانت موضع خلاف، لا… وعندها جاء نتنياهو، وحتى قبل أن يجف الحبر، ليسجل تهنئة لجو بايدن؟”، قال لي ترامب بإحباط. “بالمناسبة، في إسرائيل أنا الشخص الأكثر شعبية لأنهم يفهمون. أنا لا أتنافس في الانتخابات في إسرائيل، لذا فهذا لا يهم، لكني أسمع بأن نسبة شعبيتي في إسرائيل تطير السقف”. قال له إن هناك استطلاعات أظهرت أنه يحظى بـ 70 – 80 في المئة تأييداً في إسرائيل. أحد مساعديه الذي جلس معنا روى له بأن إسرائيل تسمى مزاحاً “الولاية الأكثر حمرة” من بين كل الولايات في الولايات المتحدة. هذه اللهجة ظهرت في مقال الصحافي حيمي شاليف في “هآرتس” في يوم الانتخابات في يوم 3 تشرين الثاني 2020. كتب شاليف أنه حسب استطلاع معهد “متفيم”، فإن 70 في المئة من الإسرائيليين يفضلون انتصار ترامب مقابل 30 في المئة يفضلون بايدن. أما في أوساط اليهود فكانت النتيجة دراماتيكية أكثر – 77 في المئة مقابل 23 في المئة.
“من هم الـ 20 في المئة الذين لا يؤيدونني في إسرائيل؟ هم ناكرو جميل وأناس أشرار”، سارع ترامب للرد. “حسناً، في الاباما لي تأييد أكثر من 80 في المئة. وفي أماكن أخرى نجحت أكثر. ولكنك تعرف، لا أعتقد أنه حتى مكالمة من بايدن”. أبلغه بأن بايدن بالفعل اتصل بنتنياهو، ولكن هذا حصل بعد شهر من دخوله البيت الأبيض. أما ترامب، لغرض المقارنة، فقد تحدث مع نتنياهو بعد يومين من تسلمه مهام منصبه. “أترى؟ هذا استغرق زمناً طويلاً. تحدث مع كثير من الزعماء الآخرين قبل نتنياهو”.
في مرحلة معينة من الحديث، اضطررت لأن أعدل ترامب وأشرت إلى أن نتنياهو لم يكن الأول الذي هنأ بايدن. فقد أعلنت قنوات التلفزيون الأمريكية عن انتصار بايدن في الانتخابات السبت، 7 تشرين الثاني. بعد دقائق من ذلك، نشر زعماء ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وآخرون بيانات تهنئة للرئيس المنتخب. أما نتنياهو فانتظر حتى صباح الغد كي ينشر تهنئة مكتوبة، وكذا ذاك الشريط الذي يغضب منه ترامب حتى اليوم.
هذا لم يساعد في تهدئة غضب الرئيس السابق، الذي وصل حتى إلى شتائم حادة تجاه نتنياهو. “كان هذا مبكراً. أوكي؟ تعال نصغ هذا على النحو التالي: هنأه مبكراً جداً. مبكراً أكثر من معظم زعماء العالم. أنا لم أتحدث معه منذئذ. “F… him“، قال ترامب.
لم يكن الأمر بأقل من مذهل سماعنا ترامب يتحدث هكذا عمن بدا كالحليف الأقرب من بين كل زعماء العالم قبل بضعة أشهر. على مدى كل المقابلة، لم يكد ترامب يقول شيئاً إيجابياً عن نتنياهو. كان من الصعب أن نعرف إذا كان يشعر بالأمور ذاتها تجاه نتنياهو على مدى كل سنوات الأربع في البيت الأبيض، أم أن إحساسه السلبي هذا نبع من اعتقاده بأن نتنياهو أبدى عدم ولاء ونكران جميل تجاهه عندما هنأ بايدن بانتصاره في الانتخابات؛ الانتصار الذي لا يعترف به بايدن حتى اليوم.
على مدى كل ولاية ترامب في البيت الأبيض، كان نتنياهو يخضع لتحقيقات جنائية على شبهات خطيرة بالفساد. ترامب هو الآخر كان يخضع للتحقيقات – بداية على الاشتباه بالتعاون مع روسيا في التأثير على الانتخابات في 2016، وبعد ذلك في محاكمة التنحية بالكونغرس حول ضغوطه على رئيس أوكرانيا للشروع في تحقيق ضد ابن خصمه السياسي، جو بايدن. في اليوم الذي عرض فيه ترامب خطته للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، رفعت النيابة العامة إلى المحكمة المركزية في القدس لائحة الاتهام ضد نتنياهو في مواد الرشوة والغش وخيانة الأمانة. بعد أسبوع من عرض الخطة، بدأ مجلس الشيوخ بالبحث في تنحية ترامب – الإجراء الذي انتهى بقرار الأغلبية الجمهورية في صالحه.
“هل حصل مرة في أثناء لقاءاتكما أو مكالماتكما الهاتفية أن سألت نتنياهو عن التحقيقات الجنائية ضده؟ سألتُ. “لا”، أجاب ترامب. في هذه النقطة يسعى للانتقال إلى حديث غير الاقتباس. على نحو 20 دقيقة سأل عن الملفات ضد نتنياهو، وعن تفرعات التحقيق وفرصه في المحاكمة. رويت له عن لوائح الاتهام عن نتنياهو، عن السيجار والشمبانيا، عن المفاوضات التي أدارها مع ناشر “يديعوت” نوني موزيس، ضد صاحب الكازينو وناشر “إسرائيل اليوم” شيلدون ادلسون، وعن صفقة الرشوة لبيزك – واللا. عندما قالت إن نتنياهو قد يدخل السجن لم يصدق ترامب ما تسمعه أذناه. ذهل لسماع أن المفتش العام للشرطة والمستشار القانوني للحكومة، اللذين عينهما نتنياهو، هما اللذان أدارا التحقيقات ضده ورفعا لائحة الاتهام بموجب ذلك.
في مرحلة معينة، حين انتقل الحديث إلى مجال الثرثرة، طلب ترامب أن أطفئ جهاز التسجيل. وحين عدنا للحديث لغرض الاقتباس، رويت له عن التأثير الذي كان لاتفاقات إبراهيم عن الجمهور العربي في إسرائيل، والذي أيد الخطوة أكثر بكثير من ممثليه في الكنيست. هذا أضر بالأحزاب العربية في الانتخابات، وصعّب على المعارضة سد طريق نتنياهو، رويت له. “أنقذت قفاه. أعتقد أن هذا ما فعلته”، قال ترامب مبتسماً. “يا رجل، هذا مضحك جداً”. حتى الآن، مر نحو ساعة ونصف منذ بداية حديثنا، وسعى مساعدو ترامب إلى الانهاء. “السطر الأخير من ناحيته هو أن أحداً لم يفعل لإسرائيل أكثر مني – وأنا فخور بأني فعلت هذا. أنا فخور جداً… لنرَ، قد تكون لي ولاية ثانية. لنرَ ما سيحصل”. أتعتزم التنافس مرة أخرى، سألت. “لنرى ما سيحصل. أنا لا أخطط لأي شيء”.
***
في ساعات المساء من 19 تموز 2021 رن هاتفي. وكان على الخط الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. أراد أن يواصل الحديث الذي بدأناه قبل ثلاثة أشهر من ذلك في عزبته في فلوريدا. “ألو؟ أهذا باراك؟ هي، كيف الحال؟ كيف إسرائيل؟ ماذا يحصل في إسرائيل؟” سأل فور بدء الحديث بينما يحاول الحديث بلهجة إسرائيلية. “هيا نتحدث لعشر دقائق. لا يوجد ما يضاف أكثر من هذا. هذا ليس موضوعاً معقداً. الاتفاق النووي رهيب. العودة إلى الاتفاق النووي ستكون رهيبة”. هدف هذا الحديث مع ترامب كان المرور على بضعة مواضيع أخرى لم نتمكن من الحديث عنها في لقائنا. في حديثنا الهاتفي الذي استغرق أكثر من نصف ساعة، كان ترامب هادئاً أكثر ومستاء أقل مما في نيسان في مار آلاغو. في أثناء الحديث، حاول أن يلطف ويخفف حدة بعض الأمور التي قالها لي في حينه. ولا سيما في كل ما يتعلق ببنيامين نتنياهو.
في لقائي معه بمار آلاغو، في نيسان 2021، هاجم ترامب نتنياهو بحدة. كان انعدام اليقين السياسي في ذاك الوقت عظيماً، ولم يكن واضحاً ما إذا كان ممكناً تشكيل حكومة أم أن إسرائيل تسير إلى انتخابات خامسة. أما حديثنا الهاتفي في تموز 2021 فجرى بعد التحول السياسي.
كيف تشعر إزاء نتائج الانتخابات في إسرائيل وأن نتنياهو لم يعد رئيس وزراء؟ سألت ترامب.
في ضوء أقواله عن نتنياهو في لقائنا السابق، ظننته سيشمت برئيس الوزراء السابق. لكن يا لمفاجأتي! كانت نبرته تجاه نتنياهو أكثر لطفاً. “أتدرى، كان في المنصب لزمن طويل”، قال. “هو شخص أستطيبه، ولكنه كان في المنصب لزمن طويل. الناس غضبوا جداً منه حين كان أول من اتصل ببايدن لتهنئته “. ذكّرت ترامب أنه كان هو أحد الأشخاص الذين غضبوا. “نعم، إذا كنا نريد أن نكون نزيهين، فإني لم أتحمس لهذا”، قال. “لا أحد، باستثناء رئيس وزراء إسرائيلي واحد أو اثنين فعل من أجل إسرائيل أكثر من الرئيس دونالد ترامب. انظر الجولان. الناس لم يتحدثوا عن هذا لأنهم اعتقدوا بأن الأمر ليس للبحث. والقدس والسفارة التي بنيتها بالثمن الأدنى الممكن وفي مكان أفضل من ذاك الذي كان لنا، ولم يفكر أحد باستخدامه. لكن الأمر الأكبر الذي فعلته لم يكن الجولان أو القدس، بل إنهاء الاتفاق النووي مع إيران. هذا هو الأمر الأكبر الذي فعلته”.
أتعتقد أن نتنياهو وهو ليس رئيس وزراء الآن أمر جيد لإسرائيل أم سيئ؟ سألت. “الأيام ستقول. لنرَ. لقد كان هناك لزمن طويل”، أجاب ترامب. “أستطيبه. أعتقد أن الناس كانوا غير راضين لأنه كان أول المتصلين ببايدن. قلة ولاء. كنتُ مع هذا تماماً. هذا شأنه. فهو لم يتصل فحسب، بل نشر شريطاً رهيباً. بدا هذا وكأنه يستجدي الحب. قلت لنفسي – انظروا، انظروا كيف تتغير الأمور. خاب أملى. في النهاية، يبدو أن الأمر قد مس بالجمهور الإسرائيلي. وكما تعلم، أنا شعبي في أوساط الجمهور الإسرائيلي. أعتقد أن هذا مس به جداً. ماذا أعطاه بايدن وأوباما؟ ماذا قدما لإسرائيل؟ الاتفاق النووي. اتفاق في نهاية الطريق، ولا أريد أن أقول هذا، لكنه سيؤدي إلى نهاية إسرائيل. والآن يريدون أن يفعلوا هذا مرة أخرى”.
اتفاقات إبراهيم كان الإنجاز الأكبر لترامب في مجال السياسة الخارجية. كانت هي الموضوع الوحيد في الإجماع بين الديمقراطيين والجمهوريين في أثناء ولايته. كيف تعتقد أن الناس سيحاكمون الاتفاقات بعد 50 أو 100 سنة؟ سألته. “أعتقد أنهم سيحاكمونها بشكل إيجابي جداً”، قال. “لم يعتقد أحد أن هذا ممكن. جلب الإمارات، التي هي دولة قوية وزعيمة في المنطقة، بصفتها من أوائل مطبعي العلاقات مع إسرائيل. كان هذا أمراً رائعاً. لو انتهت الانتخابات بالشكل الذي كان ينبغي لها أن تنتهي عليه، لأكملنا الصفقة، لأننا كنا سنضيف دولاً كثيرة. لا أعرف إذا كان باستطاعة بايدن أن يضيف دولاً. لا أعرف إذا كانت لديه القدرة على ذلك”. سألته: ما النصيحة التي كان سيعطيها لبايدن عن اتفاقات إبراهيم؟ “كنت سأقول له: التقِ مع دول كثيرة – وهم سيوقعون لك على الاتفاق مثل الكعك الطازج الذي يباع بسرعة”، أجاب ترامب. “هم تعبون من الحروب. المنطقة ممزقة بشكل تراجيدي على سنوات كثيرة قبل كثير من تدخل الولايات المتحدة في المنطقة”.
تدخل مساعدو ترامب مرة أخرى في الحديث وذكروه بأن أناساً ينتظرون للقاء به. “آمل أن أراك قريباً في إسرائيل”، قلت له. “أترقب ذلك”، أجاب. “أطلعني عما يحصل بالكتاب. إلى اللقاء”.
***
ترامب: “لا أعتقد أن بيبي أراد على الإطلاق صنع السلام”.
هذا ونشرت أمس قناة “الأخبار 12” مقاطع إضافية من تسجيلات المحادثات بين ترامب ورافيد، وسمع فيها الرئيس السابق يقول عن رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن: “أعتقد أنه أراد عقد الاتفاق أكثر من نتنياهو. كان لي لقاء ممتاز معه، قضينا زمناً طويلاً معاً، تحدثنا عن أمور كثيرة، وكان كالأب تقريباً. كان لطيفاً جداً. اعتقدت أن الفلسطينيين سيكونون مستحيلين وأن الإسرائيليين سيفعلون كل شيء من أجل السلام والاتفاق. وجدت أن هذا ليس صحيحاً. لا أعتقد أن بيبي أراد صنع السلام”.
وفي أثناء المقابلة مع رافيد، تطرق ترامب إلى أن نتنياهو أعلن عن نية لضم أجزاء في الضفة الغربية. “غضبت وأوقفت هذا لأنه بهذا يسير شوطاً أبعد بكثير”، قال، “لم أكن راضياً عن هذا”.
يدعي ترامب أنه اقترح على نتنياهو تجميد البناء في يهودا والسامرة لسنة – سنتين، لكن نتنياهو رفض. على حد قول ترامب، كان رفض نتنياهو نابعاً من عدم رغبة بإخراج اتفاق مع الفلسطينيين إلى حيز التنفيذ.