هآرتس - بقلم: ميخائيل سفارد "مرت سبعة أسابيع منذ توقيع وزير الامن على الإعلان الذي يصنف ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية، منها منظمات حقوق إنسان مخضرمة ومحترمة ومهمة في فلسطين، كـ “منظمات إرهابية”. هذا الإعلان نوع من “الإعدام” القانوني للمنظمة المعلن عنها، يخلق حولها حزاماً واسعاً من السلطات الإدارية والمحظورات الجنائية، التي استهدفت تقييد يدها، ثم تدميرها.
تاريخ النشاط الحكومي ضد هذه المنظمات يكشف الدافع الحقيقي الذي يقف من وراء الإعلان. وزارة الدعاية الإسرائيلية، ووزارة الشؤون الاستراتيجية رحمها الله، شخصت قبل سنوات عدداً من هذه التنظيمات على اعتبار أنها لاعبة مركزية في الدفع قدماً بمقاطعة إسرائيل، خصوصاً إزاء تحقيقات في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد إسرائيليين يشتبه بتنفيذهم جرائم حرب. اعتبرت لاهاي في حينه وتعتبر الآن تهديداً استراتيجياً لسياسة حكومة إسرائيل، لذلك فإن وقف المساعدة التي تمنحها التنظيمات للتحقيق تحول إلى هدف استراتيجي. المقاربة التي بلورتها الوزارة هي التجفيف الاقتصادي لهذه المنظمات عن طريق إقناع حكومات أوروبية بوقف دعمها الاقتصادي. ولكن المناصرة القانونية والمقاطعة التي تستهدف مكافحة انتهاك حقوق الإنسان هي أدوات غير عنيفة، وتعتبر أدوات مشروعة في العالم الديمقراطي. والدعم الأوروبي لهذه المنظمات تم في إطار رسالة القارة الأوروبية بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، وهي تشجيع الديمقراطية وحقوق الإنسان في أرجاء العالم.
على خلفية ذلك، كان واضحاً لجلعاد أردان، الذي كان في حينه الوزير والمفوض السياسي لشؤون الاستراتيجية والآن هو سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، أنه يجب إيجاد ذريعة أخرى تقنع الأوروبيين بالتخلي عن هذه المنظمات. هكذا ولد الاتهام الأساسي بأن هذه المنظمات لها صلة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ولتعزيز هذا الاتهام، سيتم إحضار “أدلة” من منظمات يمين مكارثية بطريقة “ذنب بسبب التعايش معاً”، نسبوا العضوية في منظمة إرهابية لكل شخص مر في شارع قرب شخص أدين أو قضى فترة في الاعتقال الإداري. هذه الاستراتيجية فشلت فشلاً ذريعاً: في السنوات الثلاث الأخيرة، حاول رجال وزارة خارجية بنيامين نتنياهو مرة تلو الأخرى إقناع الأوروبيين بأنها منظمات مرتبطة بالجبهة. ولكن الأوروبيين رفضوا التهمة مرة تلو الأخرى؛ لأنها لا تملك أي أدلة أساسية.
في هذه الأثناء تغيرت النائبة العامة للمحكمة، وأملت حكومة إسرائيل أن يجمد النائب العام الجديد التحقيقات بشأن جرائم يبدو أنه نفذها إسرائيليون وفلسطينيون. التحقيقات تتقدم، وطاقم التحقيق استعان ببعض هذه المنظمات التي تمهد له الطريق وتوفر له الثقة المطلوبة لتوافق الضحايا والشهود الفلسطينيين على التعاون.
في ظل هذا الوضع، قرر وزير الدفاع نفسه، المتهم المحتمل في هذه التحقيقات، استغلال صلاحياته الواسعة بقوة قوانين مكافحة الإرهاب، وأمل استناداً إلى الإعلان في أن يحقق ما لم يتم تحقيقه بالإقناع، وهو تدمير اقتصاد هذه المنظمات، ووضع بصورة غير مباشرة عائقاً كبيراً أمام تحقيقات محكمة الجنايات الدولية.
لقد مرت سبعة أسابيع منذ إعلان حكومة إسرائيل، ولم تعرض أمام الجمهور وأمام المنظمات أو أمام حكومات أوروبا أي دلائل تثبت بأن هذه المنظمات جزء لا يتجزأ من الجبهة الشعبية. سبعة أسابيع مرت، ويتعزز الشك بأن الأمر يتعلق بخطوة ديكتاتورية لحكومة تحمي جرائم الاحتلال والأبرتهايد من خلال التشويش على إجراءات التحقيق.
على الرغم من ذلك، لا يبدو أن هناك أحداً يهتم بذلك؛ لا الأوروبيين الذين يجلسون على الجدار، وهم وإن كانوا يدينون الخطوة، لكنهم لا يعلنون بصورة فعلية -عن طريق بيان واضح وغير متلعثم- بأنهم سيواصلون تمويل هذه المنظمات وأنهم يتوقعون من إسرائيل أن لا توقف تحويل أموال دافع الضرائب الأوروبي، ولا الإدارة الأمريكية التي عبرت في الواقع عن عدم رضاها في البداية من أنها لم تحصل على معلومات مسبقة عن الخطوة. ولكنها منذ ذلك الحين، ترفض بصورة ثابتة أن توضح للجمهور ما إذا كانت المادة التي عرضها الشاباك عليها تثبت شيئاً ما، أو أن الأمر يتعلق مرة أخرى بقصص ألف ليلة وليلة، ولا أحزاب اليسار في الائتلاف: ميرتس والعمل.
وصمة عار أبدية ستسجل في عهد “ميرتس”، الذي يتفاخر بأنه بيت مجتمع منظمات حقوق الإنسان، وريث “راتس”، وهي حركة من أجل حقوق المواطن. ولراحة شولميت الوني، أخرجت منظمات حقوق إنسان فلسطينية خارج القانون، ولم يحرك وزراء “ميرتس” في الحقيقة ساكناً لإلغاء هذه الخطوة. في البداية، كانت هناك عدة تصريحات تم سحبها من الوزيرة تمار زندبرغ والوزير نيتسان هوروفيتس، ولكن نشاطاتهم اللفظية في هذا الموضوع تلاشت الآن أيضاً. مثل الأوروبيين والأمريكيين، ينتظر الوزراء حدوث شيء ما. ولكن عندما ينتظر الجميع ولا أحد يفعل، فلماذا يحدث شيء ما؟ هكذا تتطبع فكرة أن منظمات حقوق الإنسان، التي تحقق وتبحث منذ ثلاثة – أربعة عقود بشأن خرق حقوق الإنسان، سواء من قبل إسرائيل أو من قبل الحكومة الفلسطينية، وتساعد الضحايا وتعلم احترام حقوق الإنسان، هي منظمات إرهابية. هكذا، إسرائيل تتقدم نحو الهدف: أن تطبق سياسة الاحتلال والأبرتهايد دون أن تقوم منظمات حقوق إنسان مثل “الحق”، وهي إحدى الهيئات المعلن عنها، بتوثيقها وتحذر منها. اليوم بدون “الحق” وفي الغد أيضاً ربما بدون “بتسيلم”. هكذا يمر مفهوم الإرهاب بنفس الممارسة التي تنفذها بنجاح منذ سنوات بمفهوم اللاسامية مع إلحاق ضرر كبير بمكافحتهما. في نهاية المطاف، إذا كان الجميع معادين للسامية فلا أحد معاد للسامية. وإذا كان الجميع إرهابيين فلا أحد إرهابي.
الجمعة، سيتم إحياء يوم حقوق الإنسان العالمي، 73 سنة منذ التوقيع على الإعلان العالمي بشأن حقوق الإنسان. اليوم (الخميس) ستكون قد مرت 23 سنة على إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان، الذي يمنع المس بهم، ويلزم الدول بحماية نشاطاتهم. يعترف الإعلان بأنه وبدون المدافعين عن حقوق الإنسان، يسهل خرقه. وهذا هو بالضبط هدف إعلان وزير الدفاع. إذا لم يتم إلغاء هذا الإعلان واختفت المنظمات المعلن عنها، فإن كل ديكتاتور وكل طاغية سيعرف أن هناك طريقة سهلة لإخفاء المدافعين عن حقوق الإنسان وإسكات انتقادهم: الإعلان بأنهم إرهابيون.