نيويورك تايمز: التعصب الفرنسي الأعمى القديم وجد وجها جديدا له.. والمفارقة أنه يهودي

الجمعة 03 ديسمبر 2021 06:18 م / بتوقيت القدس +2GMT
نيويورك تايمز: التعصب الفرنسي الأعمى القديم وجد وجها جديدا له.. والمفارقة أنه يهودي



واشنطن /سما/

هل وجد التعصب الأعمى القديم وجها جديدا له في فرنسا؟  يجيب كل من ميتشل إبيدور وميغول لاغو في مقال مشترك بصحيفة “نيويورك تايمز” أنه ليس صعبا العثور على جذور أيديولوجيته، لكن المفارقة هي ان الداعي لها هو يهودي. وأبيدو هو كاتب لعدة كتب عن التاريخ الفرنسي ومساهم في مجلة “تيارات يهودية” أما لاغو فهو استاذ العلوم السياسية بمعهد باريس للدراسات السياسية المعروف باسم بو باريس. وقالا إن فرنسا هي أرض “الحرية والمساواة والإخوة” ومكان ولادة “حقوق الإنسان”. لكن التعامل مع تقاليد البلد السياسية في وقت واحد يقود إلى تيار قاتم ومعاداة للسامية. ويبدو اليوم أن هناك فصلا جديدا من التعصب الفرنسي يفتح وببطل غير متوقع.

 فقد أعلن إريك زمور، المجادل والحامل للأفكار اليمينية المتطرفة يوم الثلاثاء عن ترشحه لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقرر عقدها في نيسان/إبريل، وهو أعلى صوت والأكثر تطرفا للعنصرية الفرنسية اليوم. ورغم تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي منذ بداية الخريف إلا ان حملته المثيرة للانقسام وجدت صدى بين قطاعات معينة من الناخبين ولا يزال من بين المرشحين المتقدمين. وأصبح موضوعا لعناوين الأخبار وأطلق العنان للتعصب الشرير الذي دخل التيار الرئيس في الإعلام بطريقة لم تر مثلها منذ سنوات. والمفارقة العظيمة هي أن زمور المدان مرتين بالتحريض على الكراهية والتمييز هو يهودي، وعضو نفس المجتمع الذي استهدف بالعنصرية التي ورثها ويستحضرها. وقام بإعادة تحديث الكراهية الفرنسية الأقدم لكي تتناسب مع العصر الحديث.

ويرى الكاتبان أن جذور اليمين المتطرف الحالي تفهم من خلال سياق تاريخها الماضي. فالعداء للسامية كان دائما عنصرا أساسيا في التفكير الرجعي الفرنسي. وفي القرن التاسع عشر، تحولت معاداة السامية إلى سياسية واقتصادية، وتشكلت في صورتها الواضحة في ذلك الوقت عبر قضية دريفوس، الفضيحة التي طالت ضابط جيش يهودي، الفريد دريفوس، والذي اتهم زورا وأدين بنقل أسرار إلى ألمانيا. وكانت المعركة بين أنصار دريفوس ومن اتهموه ملمحا مهما شكل السياسية الفرنسية. وأدت تلك الفترة لولادة صحف معادية للسامية مثل “لي ليبر بارول” (حرية التعبير) والتي كانت ترويستها تحمل شعار “فرنسا للفرنسيين”، وهو الشعار المحبذ لليمين المتطرف اليوم.

واستمرت هذه الحركة حية وبصحة جيدة في القرن العشرين، وكان فصلها الأخير هي حكومة فيشي النازية ومشاركة فرنسا في ملاحقة وتجميع اليهود وترحيلهم للقتل. ولم تعد هذه حركة سياسية قابلة للحياة بعد الإبادة النازية، مع أن المجتمع لم يتخلص منها بالكامل.

 لكنها عادت في شكل آخر، فمع الهجرات الجماعية من المستعمرات الفرنسية السابقة، حل العداء للعرب والسود والعنصرية ضدهم محل معاداة السامية. وكان الصوت لهذه العنصرية منذ السبعينات من القرن الماضي هو حزب الجبهة الوطنية اليمني المتطرف، والذي أعاد تسمية نفسه باسم التجمع الوطني، كمحاولة للدخول في التيار الرئيس للسياسة. ووصل هذا الحزب مرتين إلى الجولة الثانية للانتخابات، 2002 و2017، واليوم يقوم زمور بالالتفاف عليه من اليمين. ويرى الكاتبان إنه من السهل التعرف على جذور أيديولوجية زمور، فتأكيدها على أن فرنسا تخوض حربا دينية مع الإسلام وحربا عرقية مع السكان السود والعرب، وأن أحياء كاملة “استعمرها” المسلمون، وأن الإسلام هو دين إرهاب وأن على مسلمي فرنسا الاختيار بين الإسلام أو فرنسا (حيث يعتبرهما متعارضين)، كله هو إعادة تحديث للكراهية ضد اليهود قبل قرن وربع قرن.

وبنفس الطريقة التي أتهم فيها أركان العداء للسامية اليهود الحاضرون في كل مكان والشريرون بكل أنواع الجرائم، بما فيها التسبب بفيضان نهر السين، فزمور يرى أنه لا توجد جريمة لم يرتكبها المسلمون أو هم براء منها، فمن سبب هجرة سكان المناطق الحضرية إلى الريف، بشكل أجبر الطبقة العاملة للسياقة من أماكنهم البعيدة إلى أعمالهم؟ هو “احتلال” المهاجرين للمدن وضواحيها؟ ومن هو المسؤول عن انتشار المخدرات؟ كل القاصرين المهاجرين بدون أهلهم هم تجار مخدرات. ومن الذي تسبب بنقص المصادر؟ هو انتهاك المهاجرين للنظام الذي لا يساهمون به. وكل الحلول التي يقترحها زمور للمشكلة وكل مشكلة أخرى بسيطة. ومثل دعاة السامية في الماضي يريد تخفيض وجود المهاجرين واقتلاعهم من حياة البلد. فالبيوت التي توفرها الدولة والمجالس المحلية يجب أن تخصص للفرنسيين فقط، وهو يعني بهم البيض الفرنسيين. وهو لا يقدم تفسيرا لاستبعاده الفرنسيين المسلمين المولودين في البلد، وهذا لا يهم فالعنصرية هي كل ما يهمه.

ويعلق الكاتبان أن زمور ليس جاهلا للتراث التاريخي هذا، وهو ليس ديماغوجيا، بل هو كاتب ومؤرخ شعبي. ويستشهد بشكل متكرر بكلام الساسة الرجعيين في التاريخ الفرنسي، وأثناء فضيحة دريفوس تحديدا. ومن بين كلامه التصحيحي للتاريخ والذي كرره منذ أن تحدث به أول مرة في عام 2014 هو أن حكومة فيليب بيتان العميلة قامت بحماية يهود فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم ترحل سوى اليهود  الأجانب.

 كما وأعاد قراءة تاريخ فضيحة دريفوس. وقال إن هيئة الأركان العامة الفرنسية حيث عين دريفوس وسرق منها الأسرار كما يفترض، كانت محقة بعزله لأنه كان يحمل الجنسية الألمانية. وهذا كلام غير صحيح. والأكثر إثارة للحنق هو زعمه أن طرفي المعركة حول دريفوس كانت لديهم أهداف “نبيلة”، رغم تبرئته. ويقول زمور إن من اتهموه كانوا خائفين على مصير “البلد”، وكان الرأي هذا الذي تعامل مع دوافع من اتهموه بأنها نبيلة هامشيا، لكنه لم يعد كذلك.

ويرى الكاتبان أن زمور وهو يهودي جزائري، يقدم من خلال تبنيه هذه المواقف رؤية منحرفة عن الاندماج اليهودي. فقد ماتت معاداة للسامية التي كانت تستهدف اليهود. أما الهجمات الأخيرة ضد اليهود فهي من عمل أفراد او مخربين أو إرهابيين. وعندما كان اليهود في خطر حقيقي، فهذا بسبب الحكومة التي تقف وراء التهديد. ولم يعد هذا هو الوضع اليوم، ففي نظر زمور أصبح اليهود، الغرباء الآن أصلاء وهو كيهودي فرنسي أصلي يدافع عن فرنسا رغم الأذى الذي تسببت به لليهود.

 ويقول الكاتبان إن يهود فرنسا منقسمون بشأن زمور، وهناك يهود في كل جوانب الحملة، من زمور ومساعدته الأساسية سارة نافو إلى العدو الفكري لزمور، برنارد هنري ليفي. وفي ضوء هذا الانقسام، فمن الأشياء التي تمثلها حملة زمور هي اندماج يهود فرنسا. ويقدم زمور نفسه على أنه صوت فرنسا و “مخلصها”، وتخدمه يهوديته ومواقفه المتطرفة جيدا. وبدفاعه عن فيشي، ودفاعه عن بيتان ودفاعه عن الاستعمار الفرنسي وحتى مذبحتها “للعرب وبعض اليهود” كما فعل قبل فترة، فإنه يقوم كيهودي بتبرئة اليمين الفرنسي من أسوأ اللطخات ويعطيه حياة جديدة وهو يشن حربا جديدة ضد المسلمين. ويختم الكاتبان بالقول “أن يكون يهوديا هو حصان الطراد ضد العنصرية للمهاجرين وصوتا لتطبيعها في الخطاب العام، تطور جديد مخيف ونتائجه معروفة ولا يبشر بخير”.