قبل شهور أشرت هنا في هذه الزاوية إلى قائمة أعمال روائية عربية كنت اقترحتها على دار النشر العالمية "سيغل"، الاقتراح كان بناء على اتفاق مع الدار ومديرها ومؤسسها "نيفين كوشر" الذي ربطتني به صداقة طويلة والذي يبدي اهتماماً استثنائياً باللغة العربية وآدابها، وبسبب ثقتي بعمل "سيغل" وتوجهاتها بعد تجربة بدأت منذ العام 2014 عندما كلفت الدار المترجم الناجح "سام وايلدر" بترجمة عملي السردي الأول "وصف الماضي" إلى الانجليزية، ثم العمل الثاني "حيث اختفى الطائر" العام 2018، والآن العمل الثالث "عربة قديمة بستائر" الذي آمل أن يظهر في ربيع 2022.
قدمت للدار عدة عناوين بعد سلسلة ماراثونية من القراءات والمقارنات، ووضع الملاحظات حول توقع الأثر، ومدى قدرة العنوان المقترح على الإضافة لمعرفة "المتلقي الآخر"، إضافة إلى فنية الأعمال وجماليات السرد.
كانت الفكرة واضحة منذ البداية، الابتعاد عن الصورة النمطية التي قدمتها ترجمات انتقائية وأسماء متداولة، والتوجه نحو المنجز الأكثر حداثة وقدرة على تقديم المكان العربي وانشغالات شخصياته وهمومها خارج الصورة الاستشراقية التي تكرست في مخيلة القارئ الغربي، إضافة إلى ذائقتي الشخصية بطبيعة الحال. كان هذا هو الاتفاق.
قد يبدو هذا الهدف كبيراً على عشرة أعمال روائية في سوق تترامى فيه الاختيارات، ولكنه يشكل، في نظري، مساهمة في اتجاه جديد بدأ يترك أثره في حركة الترجمة من العربية للغات الغربية، الإنجليزية على وجه الخصوص، أعمال لأسماء لا تضخها الجوائز أو الكليشهات المتداولة أو خلايا العلاقات العامة والاقتراحات "الرسمية"، ولكنها تمثل بقوة التيارات الأكثر تعبيراً عن التجديد في المنجز الثقافي العربي.
من هنا كان اختيار "سيغل" لنشر هذه الأعمال جزءا من السعي نحو الهدف، إذ تحتل الدار المرتبة الثالثة في العالم في مجال الترجمة، حسب صحيفة النيويورك تايمز، وتتمتع بحضور قوي في مجال التوزيع عبر مكاتبها في لندن، شيكاغو، نيويورك وكلكتا، كذلك حضورها البارز في معارض الكتاب الدولية مثل جناحها المتميز في معرض فرانكفورت.
ما استدعى هذه المقدمة هو بداية ظهور أول هذه الأعمال والاستقبال النقدي اللافت لرواية الصديق الروائي الفلسطيني أكرم مسلم "سيرة العقرب الذي يتصبب عرقا" هذا الخريف، يليها "اللقلق" ...، كذلك العمل المدهش للراحل حسين البرغوثي "سأكون بين اللوز"، يليه "الضوء الأزرق"، بانتظار بقية الأعمال في القائمة التي ستصدر تباعاً، ومن بينها رواية "نجران تحت الصفر" للروائي الكبير يحيى يخلف التي شكلت علامة مهمة في الرواية الفلسطينية والعربية، كذلك رواية "طعم أسود رائحة سوداء" لليمني المبدع علي المقري، يليها "اليهودي الحالي".
ما يؤلم حقاً هو الرحيل الفاجع للروائي اللبناني جبور الدويهي قبل أن يرى صدور روايته الجميلة "شريد المنازل" بنسختها المترجمة.
ستمنحنا هذه القائمة إمكانية أوسع وثقة أكبر في الاختيارات القادمة التي ستضم إلى جانب السرد اختيارات شعرية تنطلق من الفكرة نفسها وتتجه نحو الهدف نفسه.