يستلقي عشرات مرضى غسيل الكلى على أسرة داخل غرفة كبيرة في مستشفى الشفاء الطبي غرب مدينة غزة إيذانا بموعد جلسة العلاج المقدمة لهم في ظل خطر داهم يواجه حياتهم.
ويوصل مريض الفشل الكلوي بجهاز الغسيل عبر أنبوب بلاستيكي صغير يشبك في يده أو مكان آخر من جسده فيما تبدأ عجلة الجهاز بالدوران لبدء مرحلة العلاج التي قد تستغرق 4 ساعات.
ورغم أهمية الجلسة لاستمرار حياة مرضى الكلى في القطاع تبقى منقوصة وتشكل تهديدا كبيرا عليهم كون أن هرمون “إريثروبيوتين” المسئول عن تكوين كريات الدم الحمراء صناعيا غير موجود.
ويشكو المريض إبراهيم الأخرس بينما كان جالسا على أحد الأسرة داخل الغرفة من عدم حصوله على الهرمون منذ 3 شهور، معربا عن تخوفه من تعرضه لحدوث “فقر دم” نتيجة ذلك.
ويقول الرجل المسن الذي غلب على شعره الشيب لوكالة الأنباء الصينية ((شينخوا)) إنه بحاجة لغسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيا لكنه أصبح مجبرا على الاكتفاء بمرة واحدة أسبوعيا بسبب نقص المستلزمات الطبية التي يحتاجها في كل مرة.
ودعا الأخرس بصوت متقطع نتيجة الإجهاد والتعب الذي بدا عليه كافة الجهات المحلية والعربية والدولية إلى مد قطاع غزة بالمستلزمات الطبية والأدوية كونها ضرورية لاستمرارية حياة البشر.
ويبلغ عدد مرضى الفشل الكلوي في غزة 900 مريض، فيما يبلغ عدد المرضى الذين أجروا عمليات زراعة الكلى 333 مريضا بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع.
ولم يكن الحال أفضل لدى الفتاة دعاء دلول التي لا تكاد تصحو من نومها الطويل حتى يغالبها الإرهاق من جديد في ظل حالة فقر الدم الشديد الذي أصابها بسبب نقص الهرمون الذي يستخدم لعلاج فقر الدم الناجم عن أمراض الكلى المزمنة.
وتقول والدتها الحزينة على حالة ابنتها لـ((شينخوا)) إن دعاء مقبلة على عملية زراعة كلي خلال المرحلة المقبلة وهي غير قادرة على تلقي وحدات دم خارجية كبديل على الهرمون لأن ذلك سيمنعها من إجراء العملية ما يدعها في هذه الحالة من الإعياء والإرهاق لها ولعائلتها.
وتضيف دلول أن انقطاع الهرمون فاقم من معاناة دعاء المستمرة، داعية الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية إلى العمل على توفير الهرمونات اللازمة لمرضى الفشل الكلوي لممارسة الحد الأدنى من نشاطهم اليومي.
ويرجع أطباء ومختصون أن زيادة أعداد المصابين بالفشل الكلوي نتيجة للزيادة في أعداد السكان والمصابين بأمراض ارتفاع ضغط الدم والسكري والتهابات المسالك البولية وتكون الحصوات.
وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن ما نسبته 10 % من الأشخاص في العالم مصابون بأمراض الكلى المزمنة، وما يقارب 850 مليون شخص في العالم لديهم الأسباب المؤدية إلى الإصابة بأمراض الكلى، فيما احتلت المرتبة الـ18 في قائمة الأمراض المسببة للوفاة أما في فلسطين فهي المسبب التاسع.
وتزامنا مع ذلك حذرت وزارة الصحة الفلسطينية التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في القطاع من تفاقم معاناة مرضى الكلى والتداعيات الخطيرة عليهم جراء نفاذ الهرمون في ظل عدم وجود القدرة المالية لديها لشرائه شهريا.
ويقول مدير دائرة صيدلة المستشفيات في الوزارة علاء حلس لـ((شينخوا)) إن أغلب الموارد الحقيقية لتوفير العلاج إما من خلال الشراء المباشر أو من خلال منح عبر المؤسسات الدولية.
ويضيف حلس أن الوزارة بسبب شح المنح وعدم القدرة على شراء الهرمون كونها احتياج شهري فإن القطاع بحاجة ماسة إلى نحو 10 آلاف جرعة شهرية من الهرمون منهم 8 آلاف جرعة مخصصة لمرضى “الديلزة الدموية” وألفي جرعة مخصصة لمرضى الفشل الكلوي.
وتعاني وزارة الصحة في غزة من شح الأدوية الأساسية بنسبة 45 %، ونقص في المستهلكات الطبية بنسبة 33 %، بينما بلغ النقص في لوازم المختبرات 56% بحسب ما أفاد مسئولون في الوزارة.
ويقول رئيس قسم الكلية الصناعية في مستشفى الشفاء عبد الله القيشاوي في بيان إن نقص الهرمون المسؤول عن الحفاظ على مستوى الدم يؤدي إلى العديد من المضاعفات من بينها فقر الدم “الأنيميا” وقد يؤدي إلى مضاعفات تصل إلى فشل في عضلة القلب.
ويشير القيشاوي إلى أن الكثير من المرضى الذين من المقرر أن يجروا عمليات زراعة الكلى ستتهدد عملياتهم الفشل في حال تم استبدال الهرمون بإضافة وحدات دم جديدة، حيث من المحتمل أن يكون الجسم أجسام مضادة لوحدات الدم وبالتالي تهاجم الكلية المزروعة وتؤدي إلى فشلها.
وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة منذ عام 2007 عقب سيطرة حركة حماس عليه بالقوة بعد جولات من الاقتتال الداخلي مع الأجهزة الأمنية الموالية للسلطة الفلسطينية.
واشتكى مسئولو حماس دائماً من أن عواقب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة كانت كارثية، بحيث زادت من معدلات الفقر والبطالة، متهمين إسرائيل بحظر شحن المعدات والأجهزة الطبية إلى القطاع.
وينهمك المهندسون في مستشفى (الشفاء) الأكبر على مستوى القطاع في إصلاح عدد من الأجهزة الطبية ومنها الأشعة التي تعطل بعضها وخرج من الخدمة لعدم توفر قطع الغيار اللازم لإصلاحها بسبب القيود الإسرائيلية على المعابر.
وتتمثل مشاكل الأجهزة الطبية مع فرط الاستخدام في عدم توريد أجهزة وقدم وتعطل أخرى بحسب ما يقول كمال جبر مدير دائرة الأشعة في المستشفى لـ ((شينخوا)).
ويوضح جبر أن قسم العمليات في المستشفى يوجد فيه 4 أجهزة أشعة من أصل 6 بعضها متوقف عن العمل منذ عام 2019، مشيرا إلى أن ضغط الحاجة لتلك الأجهزة نتيجة تهالك عدد منها دفع الوزارة لتمويل توريد 14 جهاز جديد لكن السلطات الإسرائيلية تمنع إدخالها منذ عدة شهور.
ويرى مختصون وحقوقيون أن منع السلطات الإسرائيلية التنسيق لإدخال الأجهزة يترك أثر بالغ في تراجع الخدمة الصحية المقدمة لمرضى فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) والعيادات المركزة وأقسام الفرز التنفسي.