دأبت الجبهة الداخلية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي على إجراء سلسلة مناورات في الآونة الأخيرة لمواجهة المعركة القادمة، في رسالة موجهة لصانعي القرار الإسرائيلي مفادها أن الحملة العسكرية التالية ستكون مختلفة عما عرفه الإسرائيليون سابقا، وبالتالي فإن القدرات القديمة لن تكون مفيدة بالضرورة في ظل التهديدات الاستراتيجية الداخلية.
وقد أجرت قيادة الجبهة الداخلية تمرينا بالتعاون مع هيئات الطوارئ، وأصدرت تحذيرات للمجالس المحلية، والغرض منها التجهيز لسيناريوهات حرب متعددة المشاهد، حيث تمت محاكاة إطلاق آلاف الصواريخ والطائرات بدون طيار يوميًا على الجبهة الداخلية، مع أن العديد منها صواريخ دقيقة، وستوجه للمراكز السكانية والبنية التحتية، مثل الكهرباء وخزانات المياه والغاز والوقود، فضلا عن قواعد الجيش الإسرائيلي فوق الأرض، وقواعد القوات الجوية، ومصانع الأمونيا، والمؤسسات الحكومية.
الجنرال إسحاق بريك قائد الاحتياط السابق، ومفوض شكاوى الجيش، وقائد الكليات العسكرية، توقع في مقال نشره موقع "القناة 12"، أن "أحد التحديات القادمة للجبهة الداخلية يكمن في أن المعركة المقبلة ستشهد اندلاع أعمال عنف بين العرب واليهود داخل فلسطين المحتلة، بما فيها اقتحام حواجز الشرطة، ومن المتوقع أن تكون الخسائر البشرية هائلة، إلى جانب تدمير المباني والبنية التحتية، وهذا السيناريو المتطرف يمكن أن يتحقق رغم تحضيرات الجيش لمواجهته".
وأضاف أن "تهديدات إسرائيل لحزب الله بإعادة لبنان للعصر الحجري، وغيرها من التصريحات المتغطرسة على مر السنين، تتجاهل الوضع المتوقع في حرب لبنان الثالثة، بدليل أن الجبهة الداخلية ليست مهيأة للحرب، ما حدا بقادة المستويات الأمنية والسياسية للإعراب عن قلقهم المتزايد، مع أنهم يواصلون ذر الرماد في أعين الجمهور، رغم أن التهديد الوجودي لإسرائيل في هذه السنوات يتكثف كما لم نعرفه من قبل".
يبدي الإسرائيليون مزيدا من التوتر والقلق بشأن عدم استعداد الجبهة الداخلية للحرب القادمة، حتى إنهم لا يترددون في الاعتراف بأنهم فقدوا وقتا ثمينا، ما تسبب في تدهور أمنهم القومي، وإن النتيجة الممنوحة للمستويات الأمنية والعسكرية ووزارة الحرب وفقا لمعطيات السنوات الخمس عشرة الماضية فاشلة، بدون تردد، إلا إذا تعافت القيادة الأمنية والمستوى السياسي، وخرجت من مأزقها، لتبدأ في سحب العربة عميقاً في الوحل، لكن ذلك لا يبدو أنه سيتحقق.
التقديرات الزمنية المتاحة أمام القيادة الإسرائيلية تتحدث عن أن إعادة تأهيل الجبهة الداخلية سيستغرق ما لا يقل عن عقد من الزمن لإعادة ترسيخ أمنها القومي، مع آمال إسرائيلية بأنه بحلول ذلك الوقت لن تندلع أي حرب، رغم أن المستويين الأمني والسياسي في تل أبيب مطالبان بتحديث مفهوم الأمن الإسرائيلي الذي لم يتغير منذ الخمسينيات، وذكر فيه ديفيد بن غوريون أن القتال يجب أن ينتقل إلى أراضي العدو، رغم أنه منذ ذلك الحين تغيرت خريطة التهديدات لإسرائيل بالكامل.
الخشية الأساسية الإسرائيلية اليوم تكمن في تحول الجبهة الداخلية كي تصبح الساحة المركزية في الحرب متعددة الميادين القادمة، ولهذه الغاية فإن هناك قلقا من تغير مفهوم الأمن الإسرائيلي، مع وضع يتم فيه إطلاق آلاف الصواريخ يوميًا على ذات الجبهة الداخلية، حتى لو عبرت قوات الاحتلال إلى حدود العدو، وقاتلت على أراضيه هناك.
من البنود المطلوبة لإعادة تأهيل الجبهة الداخلية وفق آراء العديد من الضباط العمل على ترميم الجيش البري، خاصة وحدات الاحتياط التي تشكل قوته الأساسية، لأن آخر استطلاع بينهم يتحدثون فيه عن خطورة أوضاع جيش الاحتياط، وعدم الثقة فيه، وعدم الاعتقاد بأن قيادة الجيش ستوفر لهم المعدات اللازمة لإنجاز المهمة، مع أن تعزيز الذراع الاستراتيجية لإسرائيل يتم تجهيزه لأغراض العدو بواسطة أجهزة الكشف والاستشعار.
في الوقت ذاته، يبدي الإسرائيليون مخاوفهم من عدم جاهزية مشروع الليزر الدفاعي والهجومي، والقدرات السيبرانية، وسلاح الجو، الذراع الاستراتيجية لإسرائيل، الذي رغم أدائه الجيد في الحروب السابقة ضد طائرات العدو، لكنه لم يعد فعالاً، والخلاصة أن إسرائيل تلقت ضربات موجعة في عدة جولات عسكرية، كان آخرها في غزة خلال حرب "حارس الأسوار"، رغم أنه لا يقارن بما سيحدث في الحرب القادمة.
عربي 21