(أ ف ب): أزمة قناة السويس مهدت لاحتلال إسرائيل لقطاع غزة

الثلاثاء 02 نوفمبر 2021 04:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
(أ ف ب): أزمة قناة السويس مهدت لاحتلال إسرائيل لقطاع غزة



غزة /سما/ (أ ف ب)

يروي بسام بربخ وهو متكئ على عصاه في غرفة بلا نوافذ في منزله أن ذكرى أول احتلال إسرائيلي لقطاع غزة ما زالت محفورة في ذهنه، على الرغم مرور خمسة وستين عاما عليها.

يقول بريخ البالغ من العمر 73 عاما في منزله في مدينة خانيونس جنوب القطاع “أقسم بأني لو عشت ألف عام لن أنسى ما حدث يومها”.

ويروي كيف “بدأ الهجوم بالطيران الحربي ثم أغلقوا المدينة وسيطروا عليها. دخلوا منازلنا وأخذوا كل الذكور ممن هم فوق 16 عاما ومن بينهم أخواي واقتادوهم إلى ساحة القلعة” وسط خانيونس.

ويتابع “بعد يومين أو ثلاثة وجدنا جثة شقيقي بين عشرات القتلى، عندما رأيتهم صرخت ورحت أخبط على جسمي وأنا أبكي من هول المشهد”.

في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، احتلت إسرائيل قطاع غزة نحو أربعة عقود من 1967 إلى 2005 عندما انسحبت قواتها العسكرية من القطاع الذي فرضت عليه بعدها حصارا محكمًا في 2007.

لكن المرة الأولى التي احتلت فيها اسرائيل القطاع كانت في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1956، وهو اليوم الذي استسلم فيه حاكمه العسكري المصري. احتلت إسرائيل غزة أربعة شهور خلال أزمة تأميم قناة السويس.

ورغم أن هذه الفترة لم يسلط عليها الضوء في سجل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلا أنها أطلقت انذارات مبكرة بشأن التوترات المستقبلية المحتملة، ورسمت ملامح عقود تلت تمثلت باحتلال اسرائيل للقطاع إبان حرب “الأيام الستة” في 1967.

ويقول آدم راز الباحث في منظمة “أكيفوت” الإسرائيلية التي تستخدم الأرشيف لتعزيز حقوق الإنسان “يمكنك أن ترى بذور عقلية الاحتلال عام 1956”.

ويضيف راز أن “الاحتلال كلمة كبيرة” ، لكنه عمليا يشمل كل شيء مثل الأمور البيروقراطية والإدارية التي تضم خدمات البريد والعملة والخدمات الأساسية التي تقع على عاتق القوات العسكرية المحتلة.

ويبين أن دراسة الأرشيف تساعد في الكشف عن استراتيجية إسرائيل، ويتابع “يمكنك أن تتعلم كيف يفكر الإسرائيليون في حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال”.

– “خوف ورعب”

في 26 تموز/يوليو عام 1956، أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، الممر المائي الذي كانت تديره بريطانيا وفرنسا، ما دفع إسرائيل وفرنسا وبريطانيا إلى شن “العدوان الثلاثي” على مصر. حينها احتل إسرائيل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء.

لكن تحت ضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي آنذاك انسحبت إسرائيل من تلك المناطق في اذار/مارس عام 1957.

يحيط اليوم سوق شعبي في خانيونس بقلعة برقوق التي شيدت في القرن الثالث عشر. ويشير بربخ أمام أحد جدران القلعة إلى ساحتها الداخلية ويقول “جمعنا من هناك عشرات الجثث التي تركها الجنود الإسرائيليون بعد قتل أصحابها”.

ويضيف وهو يعرض صورة بالأبيض والأسود لأخويه اللذين قتلا حينها، “كانت أيام خوف ورعب”.

في تقرير صدر في نهاية 1956 قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) “قتل عدد كبير من المدنيين في خانيونس في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر”، لكنها أشارت إلى “تضارب في الروايات المقدمة حول أسباب مقتل الضحايا”.

قال الجيش الاسرائيلي لفرانس برس مؤخرا أنه بعد الاستيلاء على غزة “بقي حوالي 4000 جندي مصري وفدائي ومقاتل فلسطينيين في الداخل وكان كثيرون منهم يرتدون زيا مدنيا”.

وأضاف أن اشتباكات دارت خلال العمليات الإسرائيلية لوقف هجمات الفدائيين ومصادرة الأسلحة، ما أدى “إلى إلحاق الأذى بالمدنيين لأن الجيش لم يكن قادرًا على التمييز بين المقاتلين والمدنيين”.

وقال الجيش الإسرائيلي إن احتلاله لغزة كان يهدف حينها إلى “إعادة الحياة في المنطقة إلى طبيعتها” مع الحفاظ على الخدمات الأساسية في مجالات تشمل الرعاية الصحية والنقل.

ولكن بربخ قال إن إسرائيل “عاقبت” خانيونس بسبب “ضراوة المقاومة”.

وذكرت الأنروا أن “عددا من اللاجئين قتلوا” بنيران إسرائيلية في رفح، إلى الجنوب من خانيونس، في 12 تشرين الثاني/نوفمبر.

اعتذر الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ الجمعة عن حادثة وقعت في اليوم الأول من حرب السويس في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956، عندما قتل 49 عربيا في قرية كفر قاسم داخل إسرائيل.

وقال هرتصوغ “في الذكرى الخامسة والستين لأحد الأحداث المحزنة في تاريخ بلادنا … أطلب الصفح بالنيابة عني وعن دولة إسرائيل”.
قالت إسرائيل إن 231 جنديًا قتلوا في العملية التي استولت خلالها على شبه جزيرة سيناء، وقال الجيش إن سبعة مدنيين على الأقل قتلوا أيضًا في هجمات متعددة بالقرب من حدود غزة في الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1956.


– التخطيط لضم غزة –

يقول ليور يافني، مدير منظمة أكيفوت الذي قام فريقه بمراجعة مئات الوثائق المتعلقة بتلك الحقبة إنه قبل أن تُضطر حكومة بن غوريون لسحب الجيش، كان جليا أنه كان يخطط لأن تصبح غزة “جزءا من إسرائيل”.

وأوضح “في مرحلة مبكرة بعد سيطرة قواتها، حولت إسرائيل جزءًا من القطاع إلى منطقة عسكرية لأجل بناء مستوطنة” وهو أمر مماثل للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة حيث أقيمت أكثر من مئة مستوطنة يقيم فيها حاليًا نحو 475 ألف يهودي.

قال المستشار القانوني لوزارة الخارجية آنذاك شبتاي روزين إنه كانت هناك تعليقات تتعلق بضم غزة ولكنها لم تكن نهائية وكان يُنتظر ما يمكن أن يكون عليه موقف واشنطن.

واضطر روزين للتدخل بعد اطلاعه على مسودة قرار رأى أنها ستشكل خطوة غير قانونية لضم غزة

وأشار روزين الذي أصبح أحد الخبراء القانونيين الدوليين البارزين في العالم إلى أنه بموجب القانون المحلي، يملك وزير الجيش “سلطة إعلان المنطقة بأنها خاضعة للقانون الإسرائيلي”.

تراجعت وزارة الجيش الاسرائيلي عن ضم قطاع غزة لكنها ضمت القدس الشرقية وكذلك مرتفعات الجولان التي احتلتها في 1967 وهي خطوات رفضتها المجموعة الدولية.