في أرض كانت شبه مهجورة من أصحابها تعرف باسم "إغرابة" ببلدة سنجل (شمال رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة) يوجد كهف قديم محفور في الصخر وله فتحة في سقفه بقطر 1.5 متر، وعمق نحو 1.5 متر أيضا.
لا يُعرف إن كان الكهف من صنع البشر أم إنه تكوّن نتيجة العوامل الطبيعية على مدار آلاف السنين، إلا أنه كان معروفا لرعاة الماشية سابقا، عندما كانوا يستخدمونه لجمع ماشيتهم فيه من حرارة الشمس صيفا ومن برد الطقس شتاء.
أشهرٌ من الترميم
يقع الكهف في منطقة محاطة بقرابة ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، ويسيطر المستوطنون على أراض قريبة منه؛ فقد أقاموا مستوطنة "معاليه ليفونا"، ونصبوا في السنوات الماضية خيامهم في هذه المنطقة في محاولة للسيطرة عليها إلا أن تصدّي أصحابها لهم دفعهم إلى الرحيل.
توجّه الفلسطيني ابن بلدة سنجل كريم كراكرة إلى المنطقة، واشترى قرابة 30 دونما من أصحابها الموجودين في الأردن، وسعى لصدّ هجمة المستوطنين بدفع أهالي بلدته إلى التواجد، فقرر ترميم الكهف، والمنطقة المحيطة.
بدأ مشروع كراكرة كما يقول للجزيرة نت في شهر مارس/آذار 2019، بترميم الكهف وتنظيفه، وتوسيع مدخله وإزالة القمامة من داخله، وبدأ العمل فيه ورصف أرضيته وجهز مساحة تقارب 110 أمتار مربعة لتكون صالحة للحياة فيه.
لمسات فلسطينية
جمع كراكرة أثاثا عربيا وفلسطينيا قديما مطرزا، وبعض المعدات التي كانت تستخدم سابقا، مثل المهباش والربابة وصواني القهوة النحاسية وغيرها، ووزعها بإشراف هندسي من مهندس بلدية سنجل منذ بداية المشروع حتى انتهائه في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019.
بنى كراكرة سورا حجريا وبعض الأدراج في مدخل الكهف، ووضع بوابة تجمع الحديد والخشب على مدخله، وسمح للمواطنين الفلسطينيين بزيارته والتواجد فيه.
يقصد الكهف اليوم العرسان، لالتقاط صورهم التذكارية فيه، كونه يحوي أثاثا فلسطينيا عربيا قديما، كما يتجه الناس إليه لإقامة جلساتهم العامة وإحياء مناسباتهم المختلفة.
كلف ترميم الكهف صاحبه كراكرة أكثر من 60 ألف دولار أميركي، ونفذ مشروعا مجاورا للكهف هو إسطبل للخيول، وبالتعاون مع بلدية سنجل تم رصف الطريق المؤدي إلى المنطقة بالإسفلت، ويبعد عن قلب البلدة قرابة 3 كيلومترات.
صدّ الاستيطان
لا يوجد حتى اليوم في المنطقة خدمة المياه أو الكهرباء، وحلّها كراكرة بإيجاد آبار للمياه، وبعض المحركات التي تولد الكهرباء، وفي انتظار إسعاف المنطقة بهذه الخدمات قريبا.
دفع تعمير الكهف وترميمه أصحاب الأراضي المجاورة إلى التوجه إليها وإعمارها، ومنهم من بدأ بالبناء بعد شق الطريق الإسفلتي، كما أن المواطنين لم يعودوا يرون المستوطنين يقتربون من المكان، لأن الفلسطينيين يتواجدون فيه بشكل شبه دائم، في المنطقة الممتدة حتى بلدة عبوين غربا، وإلى المستوطنة شمالا، وأراضي سنجل القديمة والمسكونة جنوبا وشرقا.
لا يتقاضى كراكرة أي أجر ممن يستخدم كهفه وأرضه، وهو يسعى كما يقول للجزيرة نت لحماية الأرض من الاستيطان، فلا يمكن تفويت الفرصة على المستوطنين لمنع سيطرتهم عليها إلا بإعمارها، لذلك كان توجهه الاستثماري في هذه الأرض التي يسعى لبناء بيت فيها يسكنه هو وأولاده في المستقبل القريب.
ويرى كراكرة أن هذا المشروع الذي دعمته بلدية سنجل قد حقق حماية وحفاظا على الأرض من الاستيطان والمصادرة، وكذلك فتح المجال للفلسطينيين بالتوسع العمراني والزراعي فيها في ظل هجمات استيطانية تمتد إلى كل أرض فلسطينية أينما وجدت وبحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي.