كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” أن السعودية “جادة” في محادثاتها مع إيران، وأن المملكة تفكر في إعادة فتح القنصلية الإيرانية بمدينة جدة، كمحاولة منها للإبقاء على المحادثات مع منافستها الإقليمية.
وجاء في التقرير الذي أعده أندرو إنغلاند نقلا عن وزير الخارجية السعودي، إن المملكة “جادة” في محادثاتها مع إيران، مما يعبّر عن رغبة الرياض في إصلاح العلاقات مع منافستها التي تتهمها بإثارة الاضطرابات في الشرق الأوسط. وأضاف مسؤول سعودي، أن الرياض تفكر في السماح بفتح القنصلية الإيرانية في جدة، مضيفا أن المحادثات لم تحقق تقدما بشكل يفتح المجال أمام عودة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، وهو أمر تدفع إيران من أجله.
وعقدت المملكة منذ نيسان/ أبريل أربع جولات من المحادثات بما فيها أول لقاء الشهر الماضي مع مسؤولين في حكومة إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني المتشدد، الذي فاز في الانتخابات في حزيران/ يونيو.
وتعلق الصحيفة أن المحادثات تعكس محاولات مبدئية لخفض التوتر في المنطقة في أعقاب فوز مجيء الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، بالإضافة للمصاعب الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا. وفي مقابلة نادرة، أخبر وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان صحيفة “فايننشال تايمز” أن المحادثات مع إيران كانت “ودية” ووصفها بأنها “استكشافية” و”نحن جادون بشأن المحادثات. وبالنسبة لنا، لا تعتبر تحولا كبيرا، وقلنا دائما أننا نريد البحث عن طريق لتحقيق الاستقرار في المنطقة”.
وقطعت الرياض وطهران العلاقات في كانون الثاني/ يناير 2016، بعد نهب السفارة السعودية في طهران، وجاء الهجوم على البعثة الدبلوماسية بعد إعدام السعودية رجل دين شيعيا بارزا. وتعتقد الرياض أن المفاوضات لم تحقق بعد التقدم المنشود بشكل يدعو إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران، لكن مسؤولا سعوديا أبلغ الصحيفة أن الرياض تفكر في طلب طهران إعادة فتح مكتب تمثيلها في منظمة التعاون الإسلامي في جدة.
ولكن المملكة ليست مستعدة لإعادة فتح القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية، لأن مسؤولا بارزا وصف الحوار بأنه لم يؤد إلى تقدم “جوهري”. وجاء النقاش وسط الجهود التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي وواشنطن للعودة إلى الاتفاق النووي الموقّع عام 2015.
وتوقفت المباحثات مع انتخاب رئيسي. وأضاف المسؤول السعودي إن طهران ركزت على “تقديم إشارات خاصة إلى الغرب، وهم يحاولون إرسال رسالة: انظروا لقد توصلنا لحل الموضوعات مع السعودية وأي موضوعات عالقة يمكننا حلها ولهذا لا تتحدثوا معنا عن الأمن الإقليمي وعاملونا كبلد طبيعي ودعونا نتفق على المعاهدة النووية”.
ووصل رئيسي وهو تلميذ للمرشد الأعلى إلى السلطة بعد نهاية ولاية حسن روحاني، مهندس الاتفاقية النووية. ولدى الرياض “فلسفة تقوم على أننا نريد الحديث مع صناع القرار الحقيقيين”، كما يقول المسؤول السعودي. ولهذا لم يكن من المجدي الحديث مع وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف “لعدم تأثيره على السياسة الإقليمية. وكنا نريد الحديث مع شخص على علاقة قريبة مع المرشد”.
وزاد التوتر بعدما دعمت الرياض قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الخروج من الاتفاقية النووية عام 2018 وإعادة العقوبات على طهران. وبعد عام، حمّلت المملكة إيران مسؤولية تنظيم ضربات موجهة ومتقنة على المنشآت النفطية السعودية في شرق السعودية، بشكل أثّر على الاقتصاد العالمي. ويبدو أن السعودية أعادت ضبط سياستها الخارجية الحازمة بعدما تعهد بايدن بإعادة النظر في العلاقات مع الرياض، وجمّد صفقات أسلحة وسط التوتر في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وفي ظل ولي العهد محمد بن سلمان، تبنت المملكة سياسة خارجية قوية، حيث شنت حربا ضد الحوثيين في اليمن، ودخلت في أزمة دبلوماسية قصيرة مع كندا، واعتقلت لفترة قصيرة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري. لكن وزير الخارجية السعودية أكد أن بلاده “لم تبدأ القتال”، مؤكدا أن “القيادة لديها سياسة واضحة تعطي أولوية للازدهار وبناء البلد، ورؤية 2030، ولا يمكن تحقيق هذه الرؤية في منطقة مضطربة”. مضيفا: “في الوقت الذي ندافع فيه بقوة عن أمننا القومي وسيادتنا، فإننا سنحاول حلها من خلال الطرق الدبلوماسية”. وأشار إلى أن “عددا من الأحداث المتضافرة جعلت الأمر يبدو وكأنه الوقت المناسب” للحديث مع إيران. مؤكدا: “كنا مستعدين للحديث لو كانوا جادين في الحقيقة. وهناك عوامل عدة دخلت على اللعبة”.
ويقول الدبلوماسيون إن الرياض تريد من طهران استخدام تأثيرها على المتمردين الحوثيين ووقف الحرب في اليمن، ذلك أن المملكة راغبة بالخروج من الحرب التي تدخلت فيها عام 2015، ودعمت الحكومة التي أجبرت على الخروج من صنعاء.
وأظهرت صور فضائية الشهر الماضي أن الولايات المتحدة سحبت منظومة صواريخ باتريوت من السعودية، حسب وكالة أسوسيتدبرس. لكن الأمير فيصل قال إن واشنطن قد طمأنت المملكة أن “التزامها بأمننا وأمن حدودنا هو قوي، ونحن نصدق كلامهم”. مضيفا: “لدينا حوار قوي مع الأمريكيين ونتفق 90% في معظم الأحيان”. وتابع: “هل نحن غير راضين عن النبرة العامة في واشنطن وليس الإدارة؟ ونعتقد أن هذا ليس قائما كليا على طبيعة العلاقات وقيمتها، ولكنها متأثرة بالعوامل المحلية”.