معاريف تتساءل: هل يفعلها بينيت ويتحول من رئيس “الصدفة” إلى زعيم تاريخي؟

السبت 09 أكتوبر 2021 05:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
معاريف تتساءل: هل يفعلها بينيت ويتحول من رئيس “الصدفة” إلى زعيم تاريخي؟



القدس المحتلة / سما /

معاريف - بقلم: ران أدليست                     "مع بيبي كان الأمر سهلاً. عرفنا كيف نشخص كل خطوة يقوم بها، وكان كل شيء متوقعاً مثل غورثمات شريرة في برنامج دعائي مغرض. أما عند نفتالي بينيت فالأمر ملغز. لا شيء معروف أو مرتقب، لا في أفعاله ولا في أقواله. يبدو أنه لا يعرف هو نفسه كيف يعمل  على مستوى القرارات الوطنية.

في كل خطاب يفترض أن يكون تأسيسياً وله التواءة غريبة ما. بدءاً بهجمته على جهاز الصحة في الأمم المتحدة وانتهاء بإطلاق بالون رون أراد. ما يملي سلوكه اليوم هي المخاوف السياسية. الخوف من اليمين المتطرف في الانشغال بالمستوطنات، والخوف من الخوف من إيران، الذي تجذر في الوعي المهندس لمواطني إسرائيل. هاتان مشكلتان جوهريتان لسياسة الخارجية والأمن في إسرائيل ولا يوجد رئيس وزراء يعالجهما.

ظاهراً، لم يسبق أن كان وضعنا بشأن رئيس الوزراء أفضل؛ فلنا في هذه اللحظة عملياً رئيس وزراء احتياطي، ورئيس وزراء بديل، ورئيس وزراء بديل سابق، ورئيس وزراء متخف. وليس مستعداً لأحد منهم أن يتخذ خطوة مهمة نحو تسوية معقولة مع الفلسطينيين أو إيران. بيني غانتس يدير سياسة أمن خاصة به في “المناطق” [الضفة الغربية] لأن “الوضع” يستوجب تنسيقاً لقوات أمننا وأمنهم. ما دفع المعارضة لمهاجمة بينيت الذي “سمح” لغانتس بالوصول إلى لقاء مع أبو مازن. رد بينيت بهمس- شيء ما على شكل “أذنتُ” ولكني لم أكن سعيداً. سافر وزير الصحة نيتسان هوروفيتس هو أيضاً إلى رام الله، ونقل إلى آييلت شكيد دعوة للزيارة لدى الزعيم الفلسطيني. ردت شكيد برد صبياني، وهو تقدم مقارنة مع غولدا مئير التي كانت ستسأل بتعجيب ما هو الفلسطيني.

كان إسحق شامير سيمنع غانتس وهوروفيتس أو يطيرهما من حكومته. بينيت هز كتفه. وهز الكتف بالنسبة ليميني نموذجي هو تقريباً مثل إعطاء الكتف. وفضلاً عن هذا، فإن من يقرر علاقاتنا مع الفلسطينيين هو النفر الاستراتيجي عندنا والشهيد الدوري عندهم.

في هذه الأثناء، لا تلوح في الأفق أي خطوة تاريخية حقيقية. كان دافيد بن غوريون أقام دولة بفعل قيادي رغم الخطر. وكان ليفي أشكول وغولدا سمحا للجيش الإسرائيلي أن ينتصر، أو أن ينهزم. ومناحم بيغن صنع سلاماً وتاريخاً بخلاف رأيه هو. وإسحق شامير وشمعون بيرس وبنيامين نتنياهو جَروا الأرجل إلى أن جُروا إلى خارج التاريخ. إيهود باراك انصرف بخطوة تاريخية من لبنان، وإيهود أولمرت كاد يلمس التاريخ عندما رسم حدود تاريخية مع أبو مازن. إلى أن قتله سلوكه – سياسياً هو ومبادرته.

بينيت فعل فعله بمستوى شريك ثانوي عندما دحر إلى خارج سياقات اتخاذ القرارات الائتلاف السابق. فرصته للخروج من الجولة السياسية الحالية مع قدرة انتخابية للتنافس بجدية على مكان في قيادة مستقبلية ليست شيئاً ما. ولكن اِذهب لتعرف، بعد أربع سنوات في مكتب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، بما في ذلك الميزانيات والوظائف، ماذا ستجلب له علاقاته مع اليمين الذي يصحو ولا يزال في المعارضة.

في هذه المرحلة، لا يبدو أن بينيت مجبولاً من مادة زعيم تاريخي. المقربون يروون في وسائل الإعلام بأن في شخصيته عناصر صبيانية، تهوراً ورهاناً، وهي مزايا كفيل بسببها أن ينفذ قفزة تأسيسية، والسؤال هو: في أي اتجاه. حرب؟ غانتس وشركاؤه لن يسمحوا. الأمل في أن يسير في اتجاه حل وسط تاريخي مع الفلسطينيين يكمن في سياقات احتكاك معتمري “الكيبا” من نوعه مع الواقع. ظاهراً، إن معتمري “الكيبا” ممن يدخلون إلى وظائف أوكار علمانية هم عملاء اليمين الديني. ويصبح بعضهم على الأقل عملاء العلمانيين في أوساط اليمين الديني في أثناء الاحتكاك مع الواقع، ومن السهل رؤية أين يقف بينيت على الملعب.

الموجة الثانية

في هذه الأثناء، يلعب بينيت سياسة بواسطة الأدوات التي تحت تصرفه: “في المستوطنات في يهودا والسامرة، أعربوا عن الرضا من التفضيل الذي ستعطيه وزارة الأديان لإقامة الكنس؛ “مطاهر نسائية أخرى ستبنى في الضفة بفضل المعايير الجديدة التي وقع عليها وزير الأديان متان كهانا”؛ 20 مليون شيكل ستوزع على 30 سلطة محلية تحتوي على أزمة مبان مخصصة للصلاة. وحسب قرار كهانا، هناك أولوية لـ “بلدة أو حي في مكان ذي حساسية أمنية” (أي في المناطق). وبالمناسبة، زيدت ميزانيات شبكات التعليم الحريدية، ولا سيما التابعة لـ”أغودات يسرائيل”.

تدور ضد بينيت في هذه الأثناء هجمات منفلتة العقال على مستوى الخيانة. في الموجة الأولى كان البيبيون الحريديم والمستوطنون هم الذين قادوا موجة الغضب بدرجة حرارة الغليان، ثمة خيبة أمل تاريخية للعبيد من أربابهم. أما اليوم، فهي الموجة الثانية، وهذه المرة بتخطيط بارد من الماسكين بقيود الدمى. فبالنسبة لهم، يعد بينيت بعد الميزانية موجوداً هنا كي يبقى. صحيح أنه يتحطم في الاستطلاعات، ولكنه ينال زخماً في الشرعية، مما يزيد قدرته على تجنيد مزيد من الفارين.

إن فشل المعارضة في جمع جمهور كبير في ميدان رابين قبل بضعة أسابيع زاد تأكيد القيادة. والتكتيك الحالي هو بناء سور عاطفي منيع بين بينيت والكتلة الحريدية – الشرقية – المسيحانية – القومية، بواسطة صرخات الشتائم السوقية في الشارع وفي الشبكات. ولكن نجاعة هذه الموجة السامة وجعل الكنيست ساحة السباب لدافيد امسلم وشركائه، موضع شك.

الواضح هو أن الموجة السامة تثبت أن بينيت هو التهديد الأكبر على فرصة الكتلة البيبية للعودة إلى الحكم. والمفتاح هو الشرخ بين اليمين المسيحاني واليمين الواعي والمغتني، ومنذ اليوم يلوح هنا وهناك شق في سور العداء: “في نظري، خطاب ممتاز لنفتالي بينيت”، غرد ارئيل كهانا (مراسل سياسي في “إسرائيل اليوم”) بعد خطاب بينيت في الأمم المتحدة. وهو يفصل: “في الأفكار وشكل تقديمها، في اللغة الجيدة، وفي الثقة الذاتية والوطنية التي بثها. إذا واظب في أقواله بالعبرية على هذا النهج سيعود ليتلقى الشرعية”.

يعزو كهانا لبينيت حقيقة أنه لم يذكر المشكلة الفلسطينية (التي هي أيضاً المشكلة الإسرائيلية)، وكأن سياسة النعامة ستخفيها. من جهة أخرى، عني بينيت في خطابه في الأمم المتحدة بـ “إيران”. أحد ما أحصى في خطابه كلمة “إيران” 34 مرة. وكأنه في كل ذكر لها يفجر جهازي طرد مركزي. من الجيد أن قال غانتس في مقابلة مع “الفورين بوليسي” إن “إسرائيل ستكون جاهزة لتقبّل عودة اتفاق نووي مع إيران. النهج الأمريكي الحالي هو إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى الصندوق، وأنا أتفق معها”.

وبهذا لن يمكن لبينيت أن يخرج إلى حرب حقيقية، أو ضم “المنطقة ج” أو حتى إلى حملة من شأنها أن تجر إلى حرب. مدى قراراته، كمراهن متهور، يطلق النار، يراوح بين خطوات بقاء محدودة الحركة لتجنيد الوضع وبين خطوة مترددة لحل وسط. الهدنة مع غزة أو محادثات ثلاثية مع أبو مازن كطلب الأمريكيين. وبهذه الصفة، مفاجأة! بينيت اليوم هو الأمل الوحيد لتغيير قد يحوله من رئيس وزراء مصادف إلى زعيم اتخذ الخطوة الأولى لإجراء تاريخي، ولكن ليس بالضم.