بدلا من حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت تقليصه، فماذا يعني بـ “تقليص النزاع”؟ تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعده باتريك كينغزلي.
وفيما يرى النقاد أن هذا هو مصطلح جديد لسياسات قديمة، إلا أن العبارة الجديدة التي باتت تتجذر في الخطاب السياسي والدبلوماسي في إسرائيل هي: تقليص النزاع. وتعني بأن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني لن يحل على المدى القريب لأن القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية في حالة انقسام ولا تستطيعان بدء المفاوضات السلمية، علاوة على عقد تسوية دائمة.
ولكن إسرائيل تستطيع التخفيف من آثار النزاع الذي مضى عليه قرن على الفلسطينيين وجعل السلام محتملا. وعليه فالنقاش يقول إنه لو لم يتم حل النزاع فيمكن تقليصه. واكتسبت الفكرة زخما مع وصول نفتالي بينيت بعد خروج بنيامين نتنياهو من السلطة في حزيران/يونيو.
ففي اليوم الأول الذي تولى فيه السلطة أعلن في خطاب أمام الكنيست أنه سيعمل على “تخفيض الاحتكاك وتقليص النزاع”. وبعد أسبوعين تعهد وزير الخارجية يائير لابيد في لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بـ “تقليل” النزاع. ولم تستخدم وزارة الخارجية الأمريكية المصطلح لكن المسؤولين قاموا بتمرير منطقه، فهم يتجنبون الحديث عن استئناف المفاوضات والدفع بدلا من ذلك لحصول الإسرائيليين والفلسطينيين على “إجراءات متساوية من الحرية والأمن والفرص والكرامة” كما قال بلينكن في أيار/مايو.
ويرى الداعمون للفكرة أنها تحول جيد بعد توقف العملية السلمية أثناء فترة نتنياهو التي استمرت 12 عاما، وتوقفت المحادثات من أجل إنشاء دولة فلسطينية في عام 2014 وأصبح نتنياهو أكثر رفضا لفكرة السيادة الفلسطينية.
ويرفض بينيت أيضا فكرة الدولة الفلسطينية لكن أنصاره يقولون إنه يتخذ خطوات لتحسين حياة الفلسطينيين.
وبالنسبة للنقاد فالشعار الجديد هو إعادة تغليف لنهج إسرائيلي قديم تجاه الفلسطينيين. ويتم تأطيره في استراتيجية علاقات عامة ذكية تخفي وراءها النية القديمة لقادة إسرائيل المتعاقبين، بمن فيهم بينيت لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وخندقة الوجود الإسرائيلي هناك بشكل يعقد عملية التخلص من الاحتلال الذي مضى عليه 54 عاما.
وتضيف الصحيفة أن التعبير الجديد صاغه ميكا غودمان، الفيلسوف الإسرائيلي ومستشار بينيت. وفي مقابلة قريبة معه “علقنا خلال السنوات الـ 12 الماضية في ثنائية باطلة” مضيفا “كانت هناك محاولات لإنهاء النزاع وعندما فشلت اخترنا عدم فعل أي شيء تجاه النزاع”.
وفي مجلة “ذي أتلانتك” و “نيويورك تايمز” قال إنه لا توجد طريقة أخرى، وبدون اتفاقية سلام وبدون الانسحاب من الضفة الغربية يمكن للحكومة الإسرائيلية اتخاذ خطوات قوية لتعزيز “استقلالية الاقتصاد الفلسطيني وازدهاره”.
وكتب غودمان في “نيويورك تايمز”: “تقليص النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني لن يحل أو ينهي النزاع”، و “ما يحدث أنه يؤدي لاحتوائه، وسيقلله، وسيوسع حرية حركة الفلسطينيين وحريتهم بالتنمية وحريتهم بالازدهار”.
وتشمل خطط حكومة بينيت لتحسين “الوضع الراهن” على توسيع شبكة 4 جي للفلسطينيين في الضفة الغربية وتخفيض عدد المداهمات بنسبة 40% من أراضي الضفة الغربية التي تديرها السلطة واحتمال بناء 900 وحدة سكنية للفلسطينيين في المناطق التي تديرها إسرائيل. وأقرضت حكومة بينيت 156 مليون دولار إلى السلطة الوطنية لمساعدتها على تجاوز الأزمة المالية. كما وفتحت المجال أمام 15.000 فلسطيني للعمل داخل إسرائيل وتعهدت بحل وضعية آلاف الفلسطينيين الذين ليست لديهم وثائق في الضفة. وزادت الاتصالات بين مسؤولي حكومة بينيت والمسؤولين الفلسطينيين بعد اتصالات متدنية جدا في ظل نتنياهو. وفي مقابلة أجرتها الصحيفة مع بينيت في آب/أغسطس قال فيها “لن يذهبوا إلى أي مكان ولن نذهب إلى أي مكان، فنحن جميعا عالقون هنا. وماذا نفعل؟ اقتصاد، اقتصاد، اقتصاد”. وأضاف “لو كان لدى الناس مستقبل جديد ووظيفة مقبولة ويستطيعون مساعدة عائلاتهم بكرامة ويعلمون أبناءهم” فسيكون هذا “أهم من الأمور التي نقوم بها ولم توصلنا إلى أي مكان”.
وعلق غودمان أن هذه إجراءات جيدة ولكن ليس هذا ما عناه عندما كتب عام 2019 حول “تقليص النزاع”. ولم تكن فكرة غودمان تركز فقط على تحسين نوعية حياة الفلسطينيين بل وتوسيع حكمهم الذاتي. واقترح توسيع سلطات السلطة الوطنية ومنح المزيد من الأراضي للمسؤولين الفلسطينيين تخصص للمشاريع السكنية. واقترح بناء شبكة من الطرق السريعة في الضفة الغربية تحت حراسة الفلسطينيين والتحرك بحرية بدون الوقوف لساعات أمام نقاط التفتيش. وقال غودمان إن كل هذا يمكن تحقيقه بدون العودة إلى المفاوضات وبدون التطرق للموضوعات الخلافية مثل مستقبل القدس. وقال “لقد أساء الصحافيون حول العالم أن تقليص النزاع هو تسهيل حياة الفلسطينيين وجعلها أحسن”. و “أنا مع كل هذا، هذا عظيم ولكن ليس ما يحتوي عليه معيار التحول في تقليص النزاع. فهو عن زيادة الحكم الذاتي الفلسطيني وهو عن حرية الفلسطينيين والحرية للبناء والحركة”.
ويرى نقاد بينيت أنه ليس مهتما بتقليص النزاع أكثر مما هو مهتم بتجاهله. وفي خطابه أمام الجمعية العامة يوم الإثنين لم يذكر الفلسطينيين. وبقدر ما عبر عن سياسات تعمل على تخفيف النزاع في الضفة الغربية، أظهرت سياسات أخرى أنها تطيله ولا تقلصه. وترافقت خطط الحكومة لبناء 900 وحدة سكنية للفلسطينيين مع خطط أخرى لبناء ثلاثة أضعاف في مشاريع سكنيه للمستوطنين. ويقول النقاد إن التوسع الاستيطاني يجعل من إنشاء دولة فلسطينية مترابطة مستحيلا مما يعني عدم التوصل لاتفاق سلام. واستمر الجيش باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين والمواجهات.
واستشهد 20 فلسطينيا منذ تولي بينيت الحكم وهو ثلاثة أضعاف العدد بنفس الفترة في 3 أعوام، وذلك حسب الأرقام التي أعدتها الأمم المتحدة. وسمحت حكومة بينيت لليهود بالصلاة علانية في باحة المسجد الأقصى وهي سياسة ظلت سرية في عهد نتنياهو، وهي خطوة تهدد بالتأثير على التوازن الحساس في الحرم الشريف. وفي استطلاع آخر أظهر أن أكثر من نصف الفلسطينيين يدعمون الإجراءات الأخيرة التي تهدف لتسهيل حياتهم وهناك عدد مماثل يدعم المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. وقالت ميراف زونجشين المحللة في مجموعة الأزمات الدولية إن الوجود العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية يجعل من الصعوبة تخفيف النزاع. و “في الوقت الذي تقوم فيه سياسة بينيت على تقليص النزاع مع الفلسطينيين يحاول الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية من خلال تخفيف القيود الأكثر فظاعة على حياة الفلسطينيين مع أن الاحتلال الإسرائيلي يعتبر المعوق الأساسي لتحقيق ذلك الهدف”. و “لا يمكنك الحصول على سلام اقتصادي أو استقرار في ظل الاحتلال لأنه يفضل المصالح الإسرائيلية ويبحث عن المصادر والتوسع فوق أي اعتبار”.