هآرتس - بقلم: رونيت مرزان "“خاض الشيخ عز الدين القسام معركة واحدة منفردة، لكنه اعتبر مؤسس المقاومة الفلسطينية ونموذجاً ينتقل من جيل إلى جيل منذ مئة سنة. ربما سيكون هذا أيضاً مصير عملية نفق الهرب”، تساءل أسامة الحروب، وهو أحد النشطاء السياسيين من جنين. إن نشطاء الجهاد الإسلامي الذين نظموا الهرب من سجن جلبوع نجحوا في الحصول على جزء من الهالة المحفوظة لعز الدين القسام، الذي قتل أثناء معركة ضد البريطانيين في يعبد قرب جنين، والذي سميت الذراع العسكرية لحماس على اسمه. “مشكلة السجناء ليست جديدة، لكننا تعاملنا معها بالشعارات. مزقتم قلوبنا وأيقظتم ضمائرنا”، كتبت فتاة في صفحتها في “فيسبوك”.
قرار إشراك زكريا الزبيدي في هذا السر، وهو من كتائب شهداء الأقصى وليس من نشطاء حماس؛ ولأن معظم المؤيدين لغرفة العمليات المشتركة التي فُتحت في جنين بعد عملية الهرب، من مؤيدي الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى في “فتح”، تدل على أن الجهاد الإسلامي يفضل التعاون مع نشطاء “فتح” العلمانيين في الضفة الغربية، الذين لا ينافسونه على نفس كادر النشطاء الإسلاميين، وأنه يعنيهم مثله إبعاد الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن مخيمات اللاجئين وتحويلها إلى قواعد عمل أسهل. أما في قطاع غزة، ورغم نجاح “الجهاد” في ترسيخ بنية تحتية عسكرية جيدة لنفسه، إلا أنه ما زال بحاجة إلى مواجهة الحصار الإسرائيلي والإشراف المصري والتنافس مع حماس على نفس كادر النشطاء الإسلاميين.
التعاون بين نشطاء الجهاد الإسلامي ونشطاء “فتح” لا يعتبر ظاهرة جديدة؛ ففي 1985 – 1986 مدت حركة فتح رعايتها لفصائل الجهاد الإسلامي لنقل رسالة للشعب الفلسطيني تقول بأن “فتح الوطنية تحترم العنصر الإسلامي في خطاب النضال، وهي مستعدة للتعاون معه”. استضاف ياسر عرفات، مؤسس الجهاد الإسلامي الشيخ اسعد التميمي، في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وتونس. وقد تعامل معه باحترام كبير وحاول إقناعه بالانضمام لـ م.ت.ف وتأييد قرار البدء بمفاوضات سياسية مع إسرائيل على أساس سوابق تاريخية من عهد صلاح الدين الأيوبي وصلح الحديبية. لكنها محاولة لم تنجح. تمسك التميمي برفضه، لكنه هو وابنه مأمون حافظا على علاقة جيدة مع عرفات وقدرا احترامه للدين الإسلامي.
التوقيع على اتفاقات أوسلو لم يحقق الأهداف الوطنية، وخوف أعضاء “فتح” من فقدان شرعيتهم في نظر الجمهور، جعلهم يتحدون سياسة السلطة الفلسطينية وأعاد الكثيرين منهم إلى المقاومة المسلحة وإلى التعاون التكتيكي مع نشطاء الجهاد الإسلامي وحماس في انتفاضة الأقصى.
الآن، أيضاً ليس هناك أي تناغم بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونشطاء فتح في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية. التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل دون أن يتم إحراز أي تقدم في المواضيع الجوهرية (مثل إنكار السلطة للحرية الشخصية، الذي وصل إلى الذروة بقتل نزار بنات) السياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي تزيد الفجوات الطبقية بين النخب وأبناء الطبقة الدنيا؛ تعزز صورة حماس الوطنية في أعقاب عملية “سيف القدس” (عملية حارس الأسوار)؛ وبعد قتل القناص شموئيلي على حدود القطاع، وصورة بطولية للجهاد الإسلامي في أعقاب هرب السجناء، كل ذلك يساهم في زيادة الغضب ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ويدفع بأعضاء فتح إلى ترك السياسة المقسمة لصالح البندقية الموحدة.
تعبيرات عن التوق إلى قيادة تسمح للفلسطينيين برفع الرأس يمكن إيجادها في الخطاب الوطني اليقظ، الذي يجري منذ بضع سنوات حول المواضيع الجوهرية، ومشكلة اللاجئين، والقدس، والسجناء، عبر الشبكات الاجتماعية في جنين على سبيل المثال. الشباب في جنين يأملون بحياة رفاه وحرية، لكنهم يعارضون تحويل القضية الوطنية إلى موضوع أخذ وعطاء اقتصادي. “يسرقون خبزك ويرمون لك الفتات، ثم يأمرونك بأن تشكرهم على كرمهم. ما هذه الوقاحة”، “الجوع كرامة، سنجوع حتى الحرية”، يكتبون في صفحاتهم في “الفيسبوك”. الذروة هي في إنشاء غرفة عمليات مشتركة لكل الفصائل في مخيم جنين للاجئين مؤخراً، والطلب من أجهزة الأمن الفلسطينية بأن تسمح لهم بالعمل بحرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. إذا استمرت إسرائيل في إدارة النزاع بدلاً من التقدم بحل، فهي بذلك تزيد الحرج في أوساط أعضاء “فتح” وتدفعهم للتعاون مع الجهاد الإسلامي، ليس في مخيم جنين وحسب، بل وفي مخيمات اللاجئين الأخرى. وهذا قد يضعف السلطة الفلسطينية وربما يؤدي إلى انهيارها.
من بين الصور التي يرفعها الشباب الفلسطينيون في صفحاتهم عبر “الفيسبوك” ثمة صورة لشاب من جنين تحسن وصف الوضع المعقد.. مخزن سلاح فيه رصاصة وزهرة سوسن، وكأنها جاءت لتقول لنا “عليكم الاختيار، إما البنادق أو أزهار السوسن”.