هآرتس: سياسة إسرائيل وأمريكا.. بين قرار الشعب الفلسطيني و”شراء صمت عباس”

الأحد 26 سبتمبر 2021 08:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: سياسة إسرائيل وأمريكا.. بين قرار الشعب الفلسطيني و”شراء صمت عباس”



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: جاكي خوري                  " إن خطاب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الجمعة في الأمم المتحدة، وجه بالأساس إلى المجتمع الدولي، وبصورة أقل للفلسطينيين. هذا رغم أنه يدرك الغضب والإحباط الذي يعتمل تحت الأرض، وتآكل الثقة به وبقيادته بسبب غياب حل سياسي في الأفق. تحدث عباس من مكتبه في رام الله، حيث وضع خلفه أربع خرائط. بدءاً بخارطة المنطقة التي سماها البريطانيون “فلسطيناً” والتي سماها عباس “فلسطين التاريخية”، ومروراً بالمنطقة التي خصصت للفلسطينيين في خطة التقسيم من العام 1947 ووضع الفلسطينيين حتى العام 1967 وانتهاء بالواقع الآن كما عرضه، سيطرة فلسطينية على 12 في المئة من الأرض. لذلك، تقلص الحلم الوطني الفلسطيني. طالب عباس في خطابه بالعودة إلى خطوط 1967، تقريباً بعد ثلاثة عقود من توقيعه على اتفاق أوسلو وهو فوق العشب الأخضر في البيت الأبيض، في حينه كان يبدو هذا الأمر تقريباً في متناول اليد.

الرئيس الفلسطيني (85 سنة) الذي لم يعد بإمكانه إخفاء الثقل في لغة جسده ولسانه، كرر التهديدات التي أسمعها في السابق أكثر من مرة في السنوات الأخيرة. هكذا هدد مرة أخرى بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وإلغاء الاعتراف بإسرائيل، الأمر الذي يعني إلغاء التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ولكن حتى عباس نفسه يعرف أن ثمة شكوك بأن هذه التهديدات ستقض مضاجع قادة إسرائيل، أو تجعل الرئيس بايدن يقفز عن سريره. تحذيرات كهذه سبق وسمعت من قبل، حتى بصورة قاطعة، لكن تأثيرها كان ضئيلاً في الساحات السياسية والإسرائيلية والدولية. تراجعت القيادة الفلسطينية عن أي تهديد كي لا تحطم الأدوات إزاء ضغوط عربية ودولية.

إضافة إلى ذلك، عباس محق في نقطة واحدة، وهي أن الديمغرافيا في نهاية المطاف هي التي ستحسم وستملي الواقع على الأرض. الفلسطينيون وصلوا إلى مفترق طرق، وسيضطرون معه أو بدون إلى اتخاذ قرارات في المستقبل القريب. يعرف رئيس السلطة الفلسطينية أن إسرائيل تصرفت منذ العام 1948 وحتى الآن، وفقاً لاستراتيجية واحدة، وهي تقليص المنطقة المخصصة لفلسطين بقدر الإمكان. والهدف الآن هو إقناع المجتمع الدولي بأنهم على الأرض، وأن عددهم يزداد. لا يمكن الجدال مع الواقع الديمغرافي. عباس وعدد كبير من أعضاء القيادة الفلسطينية ما زالوا يؤيدون حل الدولتين ويعتقدون أنه الصيغة الأفضل، حتى لو لم ير الجمهور هذا الحل في الأفق. في خطابه، حذر من أن إلغاء هذا الحل الذي يقوم على قرارات المجتمع الدولي، سيفتح الباب لـ “خيارات أخرى”، ستملي الواقع على الأرض. في الختام، حذر وقال: “المعطيات والتطورات على الأرض ستملي واقعاً يقول بأن الشعب الفلسطيني سيطالب بحقوقه على منطقة تشمل كل أرض فلسطين التاريخية”.

في هذه الأثناء، يتشكل على الأرض واقع مختلف، أصبح فيه المواطن الفلسطيني على بعد بضع خطوات أمام قيادته. فهناك يزداد الغضب من إسرائيل، وتتآكل الثقة بعباس، وبأنه يستطيع جلب أي حل في المنطقة. الحوار حول دولة واحدة من البحر حتى النهر لم يعد حواراً نظرياً. وفي ظل غياب أفق سياسي حقيقي، إلى جانب الانقسام الفلسطيني الداخلي، قد تتفكك السلطة الفلسطينية كلياً. في ظل هكذا وضع، وضع مواجهة وفوضى، بدأ عدد كبير يفكرون فيما سيفعلون. وثمة عائلات فلسطينية بدأت تتزود بالسلاح.

ستستمر إسرائيل والإدارة الأمريكية بالاستخفاف بعباس وتهديداته، وسيعرضون عليه تسهيلات اقتصادية ومشاريع ثمن صمته. ولكنهم يتجاهلون ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، لأن مفترق الطرق هذا لا يتعلق فقط بمستقبل عباس والسلطة الفلسطينية، بل كيف ستبدو عليه الدولة بين البحر والنهر بعد عقد.