هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل "إن ما أفسدته مصلحة السجون قامت أصلحته أذرع الأمن الأخرى ليلة السبت. مطاردة مشتركة للشرطة والشاباك والجيش أدت إلى القبض على أربعة سجناء من بين الستة الذين هربوا في بداية الأسبوع الماضي من سجن جلبوع، قرب القرى العربية داخل حدود الخط الأخضر. وتستمر مطاردة الاثنين الآخرين ويتم فحص احتمالية أن يكون واحد منهما على الأقل قد نجح في اجتياز الخط الأخضر ويحاول الاختباء في منطقة جنين شمالي الضفة الغربية.
النتيجة الجزئية التي تم تحقيقها حتى الآن هي أفضل ما كان يمكن أن نأمله من وجهة نظر إسرائيلية. خلافاً للتوصيات الثابتة للعديد ممن يجلسون خلف لوحات المفاتيح، فقد فهم هاز جهاز الأمن جيداً أن الهدف المرغوب فيه هو إلقاء القبض على السجناء وليس قتلهم. لو تم قتل الفارين بنار قوات الأمن لتشكلت وصفة مضمونة للتصعيد: مكانتهم كأبطال وطنيين كانت مضمونة، وكان شباب كثيرون في الضفة الغربية سيرغبون في الذهاب في أعقابهم. والأخطر من ذلك هو أن “الجهاد الإسلامي”، الذي ينتمي إليه خمسة من الفارين، كان بالتأكيد سيطلق الصواريخ من القطاع نحو إسرائيل. موت الفارين كان سيشعل تصعيداً موازياً في ساحتين.
أما الآن، وفي الوقت الذي فيه قبض فيه على الأربعة معافين وسليمين، فلا يوجد حساب دموي جديد، ولا ذريعة للتنظيمات الفلسطينية للتمسك بها لإعادة إشعال المناطق. ولا يقل عن ذلك أهمية، أن أذرع الأمن أثبتت قدرة استيقاظ سريعة جداً، بعد سلسلة إخفاقات محرجة مكنت من الهرب من السجن. شعور الارتياح المعين، في الحكومة وجهاز الأمن، ينبع أيضاً من أن أكثر الأشخاص شهرة من بين السجناء، زكريا الزبيدي ومحمود العارضة، قد ألقي القبض عليهما أحياء. من التفاصيل الأولى التي ظهرت في الإحاطات التي قدمتها الشرطة، تظهر الفجوة البارزة بين المبادرة والشجاعة التي أظهرها الفارون في تخطيط الهرب من السجن، وبين ما حدث بعد ذلك. قصة بدأت مثل فيلم هوليوودي وانتهت مثل الإخراج في قناة مجتمعية. استبدل الهرب الجريء بارتجال يائس بعد ذلك. المعتقلون الأربعة الذين ألقي القبض عليهم كانوا متعبين ومشوشين قليلاً. خلافاً لجزء مما نشر بعد الهرب، يتبين أن لا يوجد سيارة هرب كانت تنتظرهم خارج السجن. لقد ساروا مشياً على الأقدام، وباستثناء توقف واحد في القرية العربية الإسرائيلية، الناعورة، يبدو أنهم لم يحصلوا على مساعدة كبيرة من الخارج.
من الأرجح أن الحاجة للحفاظ على السرية منعتهم من أن ينسقوا خطواتهم مسبقاً مع أشخاص خارج السجن. وكما كتب هنا أمس، فإن المنطقة التي اختاروا الاختباء فيها أملتها عليهم نتائج مطاردتهم. بقي الأربعة داخل حدود الخط الأخضر، ولم يكونوا مسلحين. هذه الحقيقة ضمنت استسلامهم بدون أي إصابة. وإذا وصل واحد من الاثنين المتبقيين إلى جنين فسيشعرون هناك بأنهم أكثر أمناً. أجهزة السلطة الفلسطينية تقلل من الدخول إلى المخيم، والنشطاء المسلحون سيوفرون الحماية للفارين من السجن الإسرائيلي. ولكن أي دخول إسرائيلي إلى المدينة سيرافقه تبادل لإطلاق النار، وقد ينتهي بموتهما. يجب الأخذ في الحسبان باحتمالية أن يشرع الاثنان بتنفيذ عملية في محاولة للتسبب بالضرر قبل إلقاء القبض عليهما أو قتلهما. في الوقت نفسه، يستمر التوتر في الأقسام الأمنية داخل السجون. السجناء الفلسطينيون يخططون ليوم إضراب واحتجاج يوم الجمعة المقبل، بعد المس بغرف السجن في أعقاب الهرب.
إن إلقاء القبض على السجناء الأربعة، أبرز نبوءات الغضب لأتباع رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، الذين قالوا إن الهرب من السجن دليل على ضعف حكومة بينيت – لبيد، وينبع من عدم الردع الإسرائيلي أمام الإرهاب. نبع الهرب من استغلال إخفاقات كثيرة في المنشأة المحمية جيداً من قبل مؤسسة أمنية ضعيفة جداً التي لم تنجح قيادتها العليا في غرس مستوى مرتفع من المهنية والانضباط فيها. هذا الحدث كان يمكن أن يحدث في ولاية نتنياهو، الذي تم إضعاف مصلحة السجون والشرطة بشكل متعمد في فترة ولايته، بالضبط مثلما حدث في نهاية المطاف في ظل نفتالي بينيت.
في المقابل، تعدّ احتفالات النصر لمؤيدي الحكومة عبر الشبكات الاجتماعية بعد عملية الاعتقال، محرجة بدرجة معينة. فالحديث لا يدور عن عملية “عنتيبة”، بالضبط مثلما لم يكن الهرب فشل حرب يوم الغفران. كل ما حدث في الليلة الماضية هو أن قوات الأمن قامت بعملها. يبدو أن إسرائيل رغم مغادرة نتنياهو، تتصرف كدولة في حالة فوضى وتتحرك بانتظام بين التقصير والاحتفال. كانت الشرطة زودت بينيت بما يبدو أنه لحظة نجاة سريعة من أزمة أمنية خطيرة. أحياناً يحتاج رئيس الحكومة إلى الحظ. وهذا ما حدث لبينيت أيضاً قبل شهر، في ذروة تفشي سلالة دلتا، حيث أدى قرار إعطاء التطعيم الثالث إلى وقف ارتفاع الإصابة دون أن يحتاج الأمر فرض الإغلاق في الأعياد.
قد يكون النشر المهم في نهاية الأسبوع قد أُبعد قليلاً على خلفية الانفعال الذي أثارته مطاردة السجناء. في “أخبار 12” نشر المراسل عميت سيغل، أن من هم في محيط بينيت يقدرون حدوث “تدهور أمني مهم” في قطاع غزة، إلى درجة حدوث عملية عسكرية أخرى خلال بضعة أسابيع. بعد عملية “حارس الأسوار” في أيار الماضي، لم تنجح إسرائيل في إملاء قواعد لعب جديدة في القطاع، وحتى الآن، لم يتم التوصل إلى اتفاق يضمن إدخال جميع أموال المساعدة القطرية الشهرية إلى القطاع بالشروط التي تضعها إسرائيل. أول أمس، تم إطلاق صاروخ من القطاع على النقب الغربي، بعد فترة قصيرة من إلقاء القبض على الفارين الأولين. ومساء أمس، تم إطلاق صاروخ على “سديروت” وتم اعتراضه. وقد يكون هذا إشارة من حماس.
اريك (هارس) بيربينغ، الرئيس السابق لمنطقة القدس والضفة في “الشاباك”، قال في محادثة مع “هآرتس” إن حماس أرادت في التصعيد الأخير تعزيز العلاقة بين ما يحدث في القطاع وما يحدث في القدس والضفة. هذه المنظمة أطلقت في أيار ستة صواريخ نحو القدس رداً على المواجهات بين رجال الشرطة والمصلين في الحرم. لم يتم قطع هذه العلاقة منذ ذلك الحين، ومن المهم لحماس الحفاظ عليها وعلى صورتها كحامية للشعب الفلسطيني من إسرائيل.
وأشار بيربينغ لظاهرة أخرى قد تؤثر على القضية الحالية، ويجب أن تقلق إسرائيل أيضاً على المدى البعيد. فقد تحولت مخيمات اللاجئين في شمال الضفة إلى مناطق شبه مستقلة، تسيطر فيها مليشيات مسلحة تمنع السلطة من أي موطئ قدم. ومن يمول هذه المليشيات هو محمد دحلان، زعيم حركة فتح في المنفى، وخصم رئيس السلطة محمود عباس. كلما اقترب حكم عباس من نهايته بسبب عمره، يعتبر هذا تطوراً سيؤثر أيضاً على الواقع الأمني تجاه إسرائيل.