تطورات المشهد الاماراتي التركي الايراني ..اعتراف متزايد بدور أبو ظبي الاقليمي...

الجمعة 20 أغسطس 2021 04:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
تطورات المشهد الاماراتي التركي الايراني ..اعتراف متزايد بدور أبو ظبي الاقليمي...



تقرير - سما_

تطورات متسارعة تشهدها منطقة الشرق الاوسط يصاحبها تبدلات غير مسبوقة في التحالفات الاقليمية والعالمية والتي القت بظلالها على واقع جيوسياسي متغير اصبح مرتبطا اكثر بالمصالح بعيدا عن الايدليوجيا وتجلياتها لدى الجماعات والافراد بالمنطقة العربية.

العديد من المراقبين الدوليين والمحليين اعربوا عن صدمتهم من زيارة الشيح طحنون بن زايد والذي يشغل منصب مستشار الامن الوطني الاماراتي واحد أهم الشخصيات الامنية في الشرق الاوسط الى تركيا ولقائه الرئيس التركي اردوغان الذي تحدث بأمل ورغبة جامحة في استعادة العلاقات مع أبو ظبي معتبرا ان مصالح الدولتين تحتم السير في طريق المصالحة ومعلنا بصراحة عن رغبته بزيارة قريبة لولي عهد ابو ظبي و"مهندس الرؤيا الاماراتية الجديدة" الشيخ محمد بن زايد الى انقرة.

 وقد وصف أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، لقاء الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني الإماراتي مع الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان، في أنقرة الاربعاء الماضي بأنه "تاريخي وإيجابي".

وكتب قرقاش، في حسابه عبر تويتر: "اجتماع تاريخي وإيجابي للشيخ طحنون بن زايد مع فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".

وأشار قرقاش إلى أن "التعاون والشراكات الاقتصادية كان المحوّر الرئيسي للاجتماع"، قائلا إن "الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتوطيد العلاقات، وكما أن أولويات الازدهار والتنمية محرّك توجهنا الداخلي فهي أيضًا قاطرة سياستنا الخارجية".

وبرغم ما كان يظلل العلاقات الثنائية من ازمات حادة في ظل اشتباك الدولتين في اماكن متعددة من الاقليم، الا أن الإمارات العربية المتحدة ربطتها علاقات تجارية واستثمارية جيدة مع تركيا، فخلال العقدين الماضيين نمت التجارة وازدادت الاستثمارات بشكل لافت، فبينما يبلغ متوسط حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين قرابة 8 مليارات دولار أمريكي، حلت الإمارات بالمرتبة الأولى خليجياً وعربياً من حيث قيمة وتنوع الاستثمارات المباشرة في تركيا.

تبادل تجاري مستقر

في السنوات الأربع الماضية، حافظت أنقرة وأبو ظبي على استقرار العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، وتوسعت لتشمل جوانب واتجاهات جديدة خلال فترة كورونا، الأمر الذي انعكس على حجم الصادرات التركية إلى الإمارات التي ارتفعت إلى نحو 295 مليون دولار أمريكي في شهر يونيو/حزيران الماضي مقارنة بشهر مايو/أيار الذي بلغت قيمة صادراته نحو 243.5 مليون دولار.

وبحسب بيانات وزارة الخارجية التركية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 7.4 مليارات دولار أمريكي عام 2019، ونحو 7.6 مليارات دولار عام 2018، مسجلاً رقماً قياسياً عام 2017 بعد أن وصل حجم التجارة إلى قرابة 14.8 مليار دولار أمريكي. ووفق هذه الأرقام، فإن الإمارات العربية المتحدة تحل في المرتبة الـ12 كأكبر مستورد للسلع التركية على مستوى العالم والثانية عربياً بعد العراق، وفي المرتبة التاسعة كأكبر مصدّر للسوق التركية عالمياً والأولى عربياً.

وبينما بلغت قيمة الصادرات التركية إلى الإمارات 3.5 مليارات دولار في عام 2019، وصلت قيمة واردات تركيا من الإمارات في العام نفسه إلى 4.33 مليارات دولار. وتنوعت الصادرات التركية إلى الإمارات ما بين الأحجار الكريمة والمعادن والآلات والأجهزة الكهربائية، في حين أن أهم الصادرات الإماراتية إلى تركيا هي الذهب والألمنيوم والمجوهرات والنفط والزيوت المعدنية والمواد الكيماوية والحدي

صدمة المراقبين ..

الصدمة التركية فاجأت العديد من المراقبين الذين يدركون طبيعة الخلاف في ملفات اقليمية متعددة بين ابو ظبي وانقرة والاتهامات السابقة للامارات بتورطها في الانقلاب على اردوغان، ولكنها لم تفاجئ العارفين بطبيعة التحولات الدولية والاقليمية ونشوء القوى الجديدة والصاعدة والتي يمثل "بن زايد" ابرزها عبر تقاطعات لوغاراتمية سياسية تثير الحيرة والاعجاب في تطوير علاقته بايران وتركيا واسرائيل ومصر واثيوبيا ما يثير تساؤلات حقيقية حول قدرة الرجل والمؤسسة التي تسانده في انجاح واحدة من اهم المهام المستحيلة سياسيا وهي الدخول في علاقة متميزة مع تل ابيب وطهران وانقرة دون ان يدفع اي اثمان سياسية او مادية لذلك.

ولعل ما يحسب للسياسة الاماراتية ايضا ولولي عهدها هو المبادرة لعودة العلاقات مع دمشق في وقت شنت فيه واشنطن بقيادة الرئيس السابق ترامب حملة غير مسبوقة لمحاصرة النظام السوري واسقاطة حيث جاء الموقف الاماراتي صادما لولشنطن الحليفة الكبرى ما جعل كوشنير يصرح اثناء زيارته لاسرائيل في سبتمبر 2020 اي قبل رحيل ترامب بشهرين بأن محمد بن زايد ليس في جيب أحد وانهم في الادارة الاميركية يترددون في ممارسة اي ضغوط عليه وبالذات في الموضوع السوري وانهم لا يتفهمون دوافعه لاعادة العلاقات مع دمشق.

ويقول الكاتب اللبناني مهدي عقيل ان المصالح المشتركة بين الامارات وايران أكبر من أن تحدّها أو تقلصها حرب من هنا أو أزمة من هناك، فإيران صارت أكثر واقعية. لم تعد علاقة أى دولة مع «إسرائيل» تشكل مانعا لعلاقة إيران معها، سواء كانت هذه الدولة عربية أم أجنبية. فإيران لم تنتقل من إيران الثورة إلى إيران الدولة وحسب، إنما أمست دولة براجماتية من الطراز الأول لا تحول أمامها أى موانع عندما يتعلق الأمر بحماية وصيانة مصالحها القومية.

والمفارقة أنه فى عز التحضير الإماراتى الإسرائيلى لما عرب باسم«اتفاقات إبراهام»، كانت الإمارات تعقد اجتماعات أمنية مع إيران بهدف ترتيب الأوضاع الأمنية بين البلدين ولم تجد طهران حرجا في الاعلان عن ذلك.

وتقول إحصاءات رسمية حديثة تقول إن أبوظبي تصدّرت قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران خلال العام 2017، بما قيمته 11 ملياراً و114 مليون دولار، شكّلت الصادرات الإيرانية 4.458 مليارات دولار، في حين بلغت الصادرات الإماراتية إلى ايران " 6.656 مليارات دولار.

ولم يقف مستوى التبادل بين أبوظبي وطهران عند هذا الحد فحسب؛ بل قفزت صادرات الإمارات إلى إيران بنسبة 16.8% خلال عام 2019، وفق بيانات رسمية صادرة عن الاتحاد الكوري للتجارة الدولية، والمركز الفرعي للوكالة الكورية لتشجيع التجارة والاستثمار في طهران.

كما أن 80% من التحويلات المالية الإيرانية تتم عبر الإمارات، في حين تقدَّر الاستثمارات الإيرانية في الدولة الخليجية بـ300 مليار دولار.

أما وكالة "فارس" الإيرانية فقد ذكرت في تقرير أن "الإمارات خفضت ضغوطها على الصرافات الناقلة للأموال إلى إيران بشكل ملحوظ جداً"، لافتة إلى أن 70 إلى 80% من التحويلات المالية الإيرانية تتم عبر الإمارات.

بدوره قال محافظ المركزي الإيراني إن الإمارات سحبت ضغوطها الاقتصادية على إيران.

وتسير شركات الطيران 200 رحلة أسبوعياً من شتى المدن الإيرانية إلى الإمارات لنقل 100 ألف سائح إيراني، فضلاً عن 600 ألف مواطن إيراني آخرين يقطنون جارة بلادهم الجنوبية، ما يجعلهم أكثر الجاليات المقيمة في البلاد عدداً.

ومما لا شك فيه ان تصريحات الرئيس الايراني الجديد والمعروف بتشدده حول الامارات ودورها، تعطي دلال واسعة على البراجماتية السياسية والمصلحية لطهران في بناء علاقتها مع القوة الاقليمية الصاعدة الجديدة في الخليج متجاوزة الخلافات حول مسالة التطبيع مع اسرائيل وهو الملفالذي يتشنج حوله الكثيرون من اتباع طهران وحلفائها في المنطقة.

وكان الرئيس الايراني، ابراهيم رئيسي اكد في السادس من اغسطس الحالي اثناء استقباله وفدا اماراتيا للتهنئة  بتوليه منصبه بأن بلاده لديها إرادة جادة وصادقة لتطوير العلاقات مع دولة الإمارات، ولا توجد عقبات في طريق توسيع هذه العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.

وأضاف رئيسي في لقائه الذي طال مع الوفد الاماراتي القادم للتهنئة على غير العادة "من أجل تسريع عملية تطوير العلاقات، من المناسب إيجاد آلية مشتركة لتنفيذ القدرات والسبل لتعزيز العلاقات والتعاون بين البلدين".

وشدد رئيسي على أن إيران صديق حقيقي وصادق لدولة الإمارات ودول أخرى في المنطقة، قائلا: "تربطنا أواصر ألفة مع الشعب الإماراتي، والعلاقة الوثيقة بين الحكومتين يمكن أن تمهد الطريق لإقامة علاقات أخوية وتعاون أوثق بين البلدين".

من جهته نقل وزير التسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ نهيان بن مبارك ال نهيان تهاني وتحيات الرئيس الاماراتي وولي عهده ورئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية إلى الرئيس الإيراني. وقال اثناء لقائه الرئيس الايراني "نحن سعداء للغاية بحضور مراسم اداء اليمين الدستورية والاستماع إلى آرائكم الحكيمة، خاصة بخصوص العلاقات الاخوية مع دول الجوار".

وأضاف المبعوث الإماراتي : "نظرا للحنكة التي تضمنها تصريحاتكم في مراسم اداء اليمين الدستورية، فإننا واثقون من مستقبل العلاقات وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، ونحن مصممون على زيادة مستوى العلاقات مع طهران قدر الإمكان".

وتابع المبعوث الخاص لدولة الإمارات: "زرنا إيران بأمر من رئيس بلادنا لإبداء إرادتنا الجادة لتعميق العلاقات مع إيران، وإن رسالة هذه الزيارة هي تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وسنعمل على تعميق العلاقات مع طهران وإضفاء الطابع المؤسسي عليها لصالح البلدين الشقيقين".

ويبدو واضحا بان الاستخدام الامثل والذكي من قبل الامارات لما يعرف بالديبلوماسية الاقتصادية رغم الخلافات الواضحة مع الدول المحورية في المنطقة في ملفات اقليمية شائكة سجل نجاحات مختلفة تجلت في لقاء الرئيس التركي اردوغان وومستشار الامن الوطني الاماراتي طحنون بن زايد وموقف الرئيس الايراني من الامارات ورغبته في التعاون معها وتوثيق العلاقات في كافة المجالات .

ومن الواضح ان التحولات المفاجئة للعلاقات الاقليمية والدولية في المنطقة وخاصة بعد ازمة كورونا سيكون لها نتائج كبرى على طبيعة الصراعات القائمة وتحديد هويات الاصدقاء والاعداء في عالم يتجدد في مفاهيمه وسلوكياته وطرق عمله وتشكيل تحالفاته المستقبلية حسب مصالحه الخاصة اولا وقبل كل شئ.