طشة وطيش..سما حسن

الخميس 19 أغسطس 2021 08:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT



هل من الممكن أن ننسى ما حدث في تلك الليلة؟ كلنا كنا مشغولين بأمسياتنا التي اخترناها كيفما اتفق او بعناية بعد عناء يوم عمل، أو حتى بعد يوم حار وهبوب النسمات الباردة في المساء يشجعك على الخروج من البيت، وربما إلى سطحه أو شرفته، ولكنك حين تطالع خبراً مؤسفاً ومحزناً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومواقعك الإخبارية المفضلة فأنت تشعر بحرارة تشتد بداخلك، وترغب بأن تصرخ ولا يمكن أن تبقى أمسيتك كما تمنيتها.
مساء ليل الثلاثاء كان محزناً لدرجة لا توصف، فحادث سير مروع قد وقع على ساحل بحر غزة وفي منطقته الأكثر اكتظاظاً، حيث تعج تلك المنطقة بقاعات الأفراح التي تقع على الشاطئ او بمحاذاته، ولذلك فمن الطبيعي أن يكثر توافد المواطنين إلى هناك، وقد يأمل الكثير منهم الأمن والأمان ولكن ذلك لا يحدث بسبب الاستهتار او حين تقول أنه القضاء والقدر وحيث يتحول الفرح لمأتم في لحظة.
سنقول إن الحادث المفجع قد وقع قضاء وقدراً، وقد توفيت الشابتان بسبب اصطدام سيارة مسرعة بهما وهما تنتظران خارج قاعة افراح، ومن الطبيعي ان تكون الفتيات الثلاث اللواتي تواجدن في لحظة مرور السيارة في حالة من المرح والبهجة، وربما كن ينثرن تعليقاتهن على حفل الزفاف الذي خرجن من ضجيجه قبل لحظات ليصبحن في ضجيج الشارع وزحمته.
الحديث عن ثلاث فتيات شابات كن في تلك اللحظة يخططن للعودة إلى بيوتهن، يطلبن الراحة بعد سهرة قصيرة ازدحم فيها الصغار والكبار من الإناث بالطبع، وربما كن يعانين من الصداع بسبب أصوات آلات الموسيقى التي تنبعث من كل مكان في القاعة، وكن ينشدن الراحة السريعة، وها هو القدر يضع الراحة الأبدية لاثنتين منهما.
الحادث قد يقع لأي شخص يقف على قارعة الطريق ببراءة واستسلام منتظراً سيارة أجرة تأتي لكي تحمله إلى بيته بعد تعب وانتظار لن يطول، ولكن السيارة التي جاءت فجأة وضعت حداً لحياة فتاتين وتحول المكان إلى صورة مجسمة لما يعرف بالكارثة او الفاجعة.
الحادثة مرة أخرى مفجعة ومؤسفة ومحزنة، كيف تحولت الأحلام لدماء على الرصيف، وكيف ذبل الورد وداسته الأقدام، وكيف خمدت شعلتان من الحيوية والنشاط والعطاء في لحظة، لحظة قرر سائق أن يتحرك في منطقة مزدحمة، منطقة يعرف جيداً أنها تكون مكتظة ولن تخلو من طفل هارب او ضال أو حتى غاضب يمسح مخاط أنفه وتمتلئ عيناه بالدموع فلا يرى أمامه، ولكنه يصر أن يقطع الشارع ليصل إلى الناحية الأخرى لأنه يريد ببساطة أن يبتاع بالوناً أكبر من بالون شقيقه، والبائع يقف على الناحية الأخرى من الشارع السريع والذي لا يخلو من حركة السيارات، ولكنه لم يفكر بذلك أو يتروَّ بل قرر أن يقطعه لكي يتفوق بانتصار صغير على شقيقه.
المسؤولية الكبرى ليست على المارة ولا على كل من يتواجد في المكان، ولكنها مسؤولية كل مركبة تمر من منطقة مزدحمة، منطقة تعج بالناس الراغبين في الانفلات وشم الهوا والتحرر لساعات قليلة في يوم حفل زفاف حبيب او قريب، والسائق يجب أن يضع في رأسه أنه قد يجد جسماً صغيراً خلف كل عجل من عجلات سيارته المتوقفة، وعليه أن يتروى ويبحث ويدقق قبل أن يدير محرك مركبته.
كما قلنا الحادثة مفجعة، وقد سمعنا بحوادث كثيرة تقع أمام بوابات قاعات الأفراح وعلى شاطئ البحر، فهناك يخرج الناس المتعبون لكي "يغيروا جو" والكارثة أن يكون تغيير الجو مصحوباً بتغيير العنوان إلى الأبد، ولذلك فالحرص واجب من الجميع والأولى أن يكون من السائقين، ومن الأمهات المسؤولات بحيث يراقبن أطفالهن، أما الفتيات الشابات الحالمات المتأنقات فيجب أن يكن حريصات أكثر، وان كان لا يمنع حرص من قدر، ولكن يجب أن تتذكر تلك الفتاة الشابة مع رفيقتها أن عليها أن تعقل وتتوكل، ثم أن عليها أن تؤجل حديثها وتعليقاتها وملاحظاتها حتى تقطع شارع الأفراح، لأنه في لحظة قد يتحول لشارع موتها.