صحيح القول إن هناك بدايات أو مؤشرات على تغيير في الموقف من دولة الاحتلال على المستوى الدولي.
وصحيح أن ذلك يحصل على المستويين الشعبي أولاً ثم الرسمي (الدول والحكومات والمؤسسات الدولية).
على المستوى الشعبي/ المجتمعي:
هناك مؤشرات عديدة على ذلك في اكثر من موقع وهيئة ودولة. حتى أن بعض المؤشرات تنتشر بتسارع لافت داخل المجتمع الأميركي نفسه مهما كان التقدير لمحدودية تلك المؤشرات، إن لجهة مجالاتها وعددها واتساعها وانتشارها وبيئاتها، او لجهة فرص تطورها.
من الأمثلة: - نقابة معلمي لوس انجلوس وتضم في عضويتها 35000 معلم ستصوت على قرار يعتبر دولة إسرائيل دولة فصل عنصري، و120 جامعة تعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري، وأمثلة متنوعة وعديدة أخرى.
ويمكن ملاحظة حالات شبيهة ومؤشرات لافتة في معظم دول أوروبا الغربية.
ثم هناك مؤشرات أقوى على مستوى المواقف والإعلانات المشتركة بين قوى مجتمعية من أكثر من بلد.
من أقوى الأمثلة على ذلك، أن 1000 أكاديمي وفنان وسياسي عالمي وقعوا وثيقة "إعلان مبادئ" تطالب بإدانة إسرائيل ومعاقبتها على جرائم الفصل العنصري (الأبارتهايد) التي ترتكبها في فلسطين. ومما جاء في الوثيقة: "ان إسرائيل تسببت في كارثة متواصلة بحق الشعب الفلسطيني طيلة 73 عاماً تعرف بالنكبة تضمنت تهجيراً جماعياً وتطهيراً عرقياً وجرائم حرب ضد الإنسانية"، وجاء فيها أيضا، أن إسرائيل " أنشأت نظام فصل عنصري على كامل أراضي فلسطين التاريخية".
واللافت ان هذه الوثيقة أطلقت من الولايات المتحدة الأميركية.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة تعلن نفس الموقف او قريباً منه.
ولا يمكن في هذا المجال بالذات إلا الإشارة بالثناء والتقدير للدور المبادر والمؤثر لحركة المقاطعة الشعبية الـ BDS.
اما على المستوى الرسمي: الدول وحكوماتها ثم الهيئات والمؤسسات الدولية فإن المؤشرات أضعف بكثير ويمكن إطلاق وصف إجمالي على مواقفها تجاه دولة الاحتلال وسياساتها وممارساتها انها "حنونة".
وان هذه المواقف بشكل عام تخلو من الأنياب وحتى من الأظافر، فلا قرارات ولا إجراءات ولا إنذارات ولا تهديدات، ولا حتى مطالبات جادة ضد ما تقره دولة الاحتلال من سياسات وما تقوم به إجراءات.
دولة الاحتلال تتعايش مع هذا الحال ولا تأخذه جدياً باعتباراتها، ولا يعيق لها توجهاً او يعرقل لها خطة، ولا يوقف لها قراراً، وربما تتعاطى مع بعضه بتجاوب المتحايل.
أبرز الشواهد على هذا المستوى الدولي هو الموقف الأميركي.
فكل وعود الرئيس الأميركي للفلسطينيين، والتي لا تقبل بها دولة الاحتلال، بل وتعارضها من: إعادة فتح الممثلية الفلسطينية في أميركا، الى إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، الى استئناف الدعم المالي للسلطة نفسها ولوكالة غوث اللاجئين والى بعض الهيئات المجتمعية الفلسطينية، الى الضغط لوقف أو تحجيم الاستيطان إلى... إلى... كلها لا تزال في باب الوعود غير المنفذة وبلا مواعيد محددة لتنفيذها وذلك "كرمال خاطر" دولة الاحتلال.
حتى في موضوع المستوطنات، القضية الأكثر إشكالية، لم تمارس أميركا أي ضغط من أي نوع لوقف او حتى تحجيم او ترشيد بنائها. على العكس فقد استجابت الادارة الاميركية قبل بضعة أيام لرغبة دولة الاحتلال ووافقت لها على استئناف بناء المستوطنات. والحديث يدور الآن، عن 2200 وحدة استيطانية تقام على اراضي الضفة الغربية.
وكل ما طلبته من دولة الاحتلال مقابل ذلك، كان تعهداً/التزاماً شكلياً وفضفاضاً وحمال معانٍ وتفسيرات: "ألا يجعل ذلك التوصل الى تسوية دائمة في المستقبل بين إسرائيل والفلسطينيين أكثر تعقيدا؟".
اللافت والمؤلم أن ما تقدم (باستثناء حالات مبادرات محمودة) يحصل في حال من الغياب شبه التام للدور والتأثير الفلسطيني الرسمي: (السلطة وهيئاتها والتنظيمات السياسية).
يحصل ذلك في وقت وظروف تشتد الحاجة والضرورة من جهة وينفتح الأفق من جهة أخرى للعب دور محرك ومؤثر في الحالة الموصوفة. وبشكل خاص على مستوى مكونات العمل الشعبي المجتمعي/الأهلي والدفع باتجاه تصعيدها وتقوية العلاقة معها والبناء عليها، وزيادة تأثيرها الإيجابي على الموقف الرسمي لدولها وتحسينه.
ويتعمق غياب الدور الفلسطيني المطلوب وتتضاعف نسبة مسؤوليته ويزيد تأثيره السلبي عندما يصبح غيابه وتوقف دوره المبادر مكوناً رئيسياً من مكونات حال الغياب الحاصل في هذا المجال للدور العربي الرسمي وهيئاته.
لا تفسير لهذا الحال الفلسطيني في هذا المجال إلا التفسير نفسه لكل حالات القصور العديدة الأخرى، وهو الانشغال بأولوية تتقدم الأولويات الأخرى وهي الخلافات الداخلية.


