فرحنا جميعاً حتى من لم يكن يملك ابناً في التوجيهي، الفرح عادة يكون معدياً، ابتهجنا بالتهاني والأمنيات والورود والشموع والهدايا المغلفة، والكلمات الجميلة التي ملأت كل مواقع التواصل الاجتماعي، أما الشوارع والحارات فحدث عن فرحتها ولا حرج، ولا يمكن ان تنكر ان الفرح قد دخل كل بيت في الضفة الغربية وقطاع غزة خصوصاً مع أطباق الحلوى واصابع الجلاش والبقلاوة خصوصاً، أما حبات الشوكولاتة المغلفة فحدث ولا حرج، فهي تمتد إليك في كل مكان تدخل فيه، مثل السوبرماركت ومحل بيع الأدوات المنزلية، وهكذا كان الفرح عاماً وشاملاً.
منذ اكثر من اسبوع ونحن نبتهج ونحتفل، وحدثتني صديقة بأنها تستقبل كل يوم المهنئين بنجاح ابنها وبأن البيت لا يفرغ من الأحبة الذين انتهزوا مناسبة نجاح «الولد» وحيث لا تنتظر مناسبات كثيرة طيلة العام فاستغل الجميع ذلك وحضروا جماعات وفرادى، وكان عليها ان تعيش الفرحة فرحتين، فرحة النجاح وفرحة الاحتفاء.
ولكن احدنا لم يتوقف لكي يسأل عن المخفقين في سباق التوجيهي، او الذين لم يحالفهم الحظ أو من خرجوا من السباق وهم يحملون مادة بعلامة متدنية او مادتين، ويتوجب عليهم اعادتها بعد ايام من ظهور النتائج ودفع رسوم جديدة قد تكون ثقيلة على الأسرة التي بالكاد تدبرت مصاريف الدراسة طيلة العام الدراسي، بما فيها مصاريف الدروس الخصوصية والكبسولات التعليمية والكتب المضغوطة وغيرها من مستحدثات لوازم الدراسة في سنة التوجيهي.
لم يسأل أحد عن ذلك الطالب الذي قبع لساعات في غرفته، او تلك الطالبة التي سالت دموعها مدرارة وهي تسمع الزغاريد القادمة من بيت الجيران، وهي تشعر ايضا انها لم تقصر ولكنها يوم امتحان مادة الجغرافيا اصيبت بدوار مفاجئ ولم يسعفها الوقت لتستجمع قواها وتكمل حل كل الأسئلة فرسبت، وأصبحت في طابور المخفقين.
أعتقد ان علينا ان نكرم المخفقين قبل ان نكرم الناجحين، أولاً وقبل كل شيء، ويجب ان نضمهم ونحتويهم ونقف إلى جوارهم ونستوعب مشاعرهم الحزينة لأنهم لم يشاركوا رفاقهم الفرحة، ونعدهم باحتفالات اكبر ومظاهر فرح أجمل عندما يلحقون بسباق الناجحين، وان كان علينا ان نفرح فالفرح المؤجل ربما يكون له مذاق أجمل وعلينا ان نشجع أولادنا وبناتنا وأن نكون لهم عوناً، وقد كتبت احدى الامهات ان مظاهر الفرح في المدينة تشجع الابناء على التفوق في السنوات القادمة، وعلى مظاهر الفرح التي عمت البلاد والعباد مع ظهور نتائج التوجيهي ان تكون داعمة ودافعة لكي يجدوا ويجتهدوا لكي يلحقوا بركب الناجحين خلال أيام قليلة.
على المخفقين في التوجيهي ان يتذكروا انهم الأحسن حظاً، فعلى زماننا الفائت أي ما قبل حلول السلطة الوطنية في الضفة وغزة، وإبان فترة تولي الإدارة المصرية تصحيح نتائج التوجيهي لأبناء قطاع غزة، فقد كنا ننتظر ظهور النتائج لأكثر من شهرين، وكانت النتائج المتأخرة تحرق أعصابنا، هذا أولاً، أما ثانياً فقد كنا نحصل على علامات متدنية ربما تدخلت السياسة فيها، وغالباً لا تتجاوز معدلات أوائل القطاع نسبة الثمانينات، وفي سنة من سنوات التوجيهي حصل الأول على قطاع غزة على نسبة لا تتجاوز الـ 66% على مستوى القطاع، وأذكر ذلك جيداً، وكيف كانت نسبة النجاح متدنية جداً، والأكثر مرارة أن الطالب الذي كان يرسب في مادة عليه الانتظار سنة كاملة وعليه ان يعيد كل المواد، وهكذا كان الإخفاق عذاباً وليس ترفاً كما أراه اليوم.
علينا ان نذكر الأولاد والبنات بهذا الفصل من معاناة الآباء والأمهات، وعلينا ان نقف بجوار ومع المخفقين وان نخبرهم ان الفرح قادم، وان التسجيل للالتحاق بالجامعة لن «يطير» وأن الحاصل على أعلى معدل سوف يكون في حرم نفس الجامعة مع الطالب الذي أخفق في مادة، وان كان لا يعني ذلك التقاعس والكسل، ولكن الحياة تعطي الفرص على مراحل، والإخفاق ليس هو النهاية، وعلينا ان نكون مع أولادنا وبناتنا لكي يتجاوزوا أي ألم نفسي قد يؤدي لعواقب وخيمة نسمع عن بعضها في الأخبار للأسف، والف مبروك للمخفقين مقدماً.


