أهلا وسهلا .. يا عم عشم ، حلت البركة وأشرقت الأنوار ، يا سلام .. من مبهجات القَدَر أن العَوُدَ يُصاحبه شرف لقاء هذا الرجُل ، الذي طالما أحببته كاتبًا وإنسانًا.. لقاء الصديق العزيز الروائي والقاص وكاتب الرأي ، وأحد الساخرين العظام في هذا العصر ، وأسعد بلقاء الحبايب جميعًا ، فالشئ الذي يوحدهم هو حب الاستماع لعم عشم . و لحكاياته ، الذين يقدرون الكلمة والحديث الصادق حق قدره ؛ قلت: يا عم عشم ، عشمك .. عشم شعب ... وصبرك أمر من حنظل، صبر سيدنا أيوب عليه السلام : نبي الصبر ، والأب الروحي للشعب الفلسطيني .. منهم 2 مليون مواطن صبرهم هو الدليل الأكبر على إيمانهم بالله تعالي.
قال : دوام الحال من المحال" و "الساكت عن الحق شيطان أخرس". إن من حق الشعب أن يدافع عن أرضه ، و عن كسرت النعمة الشريفة، و عن حياته بكل الوسائل، وأن تكون له قنوات حرة وتجربة ديمقراطية ومعارضة تمنع الحكام - اى حاكم او - اشباه حكام - من المساومة على الحقوق، وتمنعهم من التفريط في ذرة تراب واحدة، و هي أغلى علينا من دمائنا التي يمكن أن تكون البديل.
و إذا كان الله تعالي. يقول فى كتابه العزيز: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}. فمن المؤكد ان عم عشم. يسىء الظن بأشباه الحكام . وأهل السلطة - سلطات - ويعتقد أنهم يظلمون الناس بشدة، ولا يرغب فى بث رسائل الغزل إليهم - كغيره - فإنه يسعى لإقناع الناس، بلعن الظالمين و عدم قبول الظلم باعتباره قدراً وابتلاء يحتاج للصبر دون أن يفكر المظلوم فى أن يفتح فاه بالدعوة على من ظلمه!.. أرأيتم. برغم ان الجميع فى مواجهة احتلال صهيوني عدواني إجرامي على شعبنا.
و عندما هدأ الغبار ، وسكنت النار ، وفرضت الجبايات فى عصر الجنايات. والضرائب الجائرة ، اعتبر ان ذلك هزيمة جديدة لقضيته هو ، بمعني سخاما جديدا يضاف إلي حياته الفحيمة . وان كسرت الخبز اليابسة التى كان يقتات بها في الماضي ، سوف تصبح نصف أو ربع كسرة!! او ربما تختفي هذه الكسرة تماما . وأن عليه ان يكتب ويتكلم ويصرخ ، ويشير إلي كل الذين سرقوا كسرت خبز المستورين . امثاله ؛ عراة إلا من ستر ، حفاة إلا من جمر ، وجيعا إلا من تمر.
هذا الحوار جاء من خلال الحديث الساخر الباكي ، أنه شق بمشرط غير معقم فى دمامل كثيرة - لشبه- سلطتان ، وحجر مر لكسر مراة الواقع المفروض ، ورجم ابليس الانقسام بحصى احرار الشعب.
و كما ستظل خطة الانقسام الأسود ، تشكل علامة استفهام كبيرة ، لكثير من الدارسين لفن صناعة و تنجير الخوازيق ، وتشكل علامة فارقة على المستوي العام والخاص. يحضرني في هذا المقام الإسقاط كما قدمه العم عشم. قبل الحكاية.
▪ المهم .. خلينا في المهم .. أخذ عم عشم ، يردد مع الاصدقاء والكل يردد معه ، وكان يقطع تردده بكلمات من نثر منغما. ثم يقول بلهجة غزاوية إمعانا فى ايصال المعنى بكل وضوح مع السخرية وتلوين التعبير. ليتدفق الضحك من الوجوه كالشلا المتناثر ، ويردد الأصدقاء الكلمات.. كنوع من القرص التهكمي ، ثم يكمل وحده و بسخرية فيها هزل وضحك ، بهدوء مقنع .. لكن بطعم المرار.
▪من ابو شركس لا بوأفلس .. يا قلبي لا تحزن..!
يا باشا يا ابو المفهومية .. لا دين لازمة لا انسانية
مخالب فى ايدك و مش عبيدك .. وغرت حتى ع الجلابية.
الصبر طيب .. والصبر طبيب .. أصبر و صبري دايما يخيب.
ايدين طويلة راحت لحيلة .. والعمر ضاع من بين إيديا.
أشقى بخيري و يلم غيري .. يا باشا ياللي أكلت خيري.
شافط عرقنا كاشف ورقنا .. والله انسرقنا بلا مفهومية.
▪جاءت هذه الكلمات المقطوعة الساخرة ، وكان هدف السخرية والنقد المرير ، و انفجر التصفيق والضحك كما ينفجر الماء من القرب ، و يتدحرج الذهب من الجراب .. وانكسرت جرة التحفظ..و فاض الوادي
وتكلم بما يضيق به الصدر . "فهناك لحظات تكون فيها الروح جاثية على ركبتيها مهما كان وضع الجسد."
قلنا : احكي .. فالحكاية ركنًا مهمًّا من أركان التراث الشعبي؛ لبلاغة تعبيرها عن مختلف تجارب المجتمعات التي مرت بها عبر العصور، والتي تعبر عن ثقافتها وطرق عيشها ومختلف المعاملات التى تعارف عليها الناس.
هنا وقف وتكلم بأداء تعبيرى درامي مرسل ومؤثر ، وكأنه وسط العواصف ، وكأنه غصن يتأرجح فى ريح متناحرة و بنفس الايقاع البطئ. قال : إيّاك تجني سكرًا من حنظل .. فالشيء يرجع بالمذاق لأصله. و بمناسبة السكر .. اقصد العلقم. يحكى أن مستشارا دخل على مولاه فوجده مستغرقا في التفكير، فسأله عما يهمه، فقال: أريد أن أفرض ضريبة على السكر.. بقيمة 10% لتمويل خزائني التي تكاد تفرغ، وأفكر كيف سيتقبل الناس هذا القرار.؟
قال : المستشار: دع الأمر لي يا مولاي.
جمع المستشار أعوانه، وطلب منهم أن يبثوا في الأسواق إشاعات بأن الحاكم ينوي فرض ضريبة بمقدار 50% على السكر واللحم والتمر والقمح والشعير.. فضج الناس، وأخذوا ينتقدون الأمر علنا، وبدأوا يعبّرون عن سخطهم وعدم رضاهم.. وكان الأعوان ينقلون ما يحدث في الأسواق وما يقوله العامة للمستشار أولا بأول.
وفي الأسبوع الثاني طلب المستشار من أعوانه بث إشاعة تؤكد الإشاعة الأولى، وأضاف عليها أن بعض المستشارين هم من أشاروا على الحاكم بهذا الأمر، وأن القرار سيصدر قريبا جدا ؛ أخذ الناس يقلبون الأمر، ويقولون: الضريبة مرتفعة جدا، ومن الظلم أن تدفع على جميع هذه الأصناف، لو كانت 10 أو حتى 15%، أو لو كانت على صنف واحد لهان الأمر .
عندها ذهب المستشار إلى الحاكم وقال: مولاي، الآن أصدر الأمر بفرض الضريبة.. ودعني أعد صياغة القرار
كتب المستشار: تلبية لرغبات شعبنا الكريم، ونزولا عند رأيهم، فقد قررنا عدم الإنصات لمستشاري السوء الذين سعوا إلى إثقال كاهل المواطنين بالضرائب الكثيرة، واكتفينا بفرض ضريبة بسيطة بمقدار 16% على مادة السكر فقط. تنفس الناس الصعداء وضجوا بالثناء والدعاء للحاكم الحكيم الذي يراعي شعبه، ولا يثقل كاهلهم بالضرائب الفاحشة. المتوحشة ..شعب متفق عليه ؛ وهذا ما حدث في قديم الزمان وجديده.!!
قلت : احسنت يا عم عشم.. طيب الله انفاسك ورحم الله والديك .. أن شاء الله كلمة الحق تقال وانت من مدرسة لا تنطق الا بكلمة الحق مهما كانت الظروف.
فقال : من صبر وكرامة شعبنا تعلمت ازدراء الطغاة واحتقار البغاة، كره الطغاة يورث الأنفس إباء وكرامة.
ما أظن أرضا رويت بالدم والشمس كأرض بلادي وما أظن حزنا كحزن الناس فيها .. ولكنها بلادي.
لا أبكي من القلب ولا أضحك من القلب ولا أموت من القلب إلا فيها .." قبلة على راس عم عشم.


