ويلات دويلات المعازل: الخليل ودولة العشيرة..نادية عصام حرحش

الإثنين 02 أغسطس 2021 11:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ويلات دويلات المعازل: الخليل ودولة العشيرة..نادية عصام حرحش



منذ أيام والخليل ساحة حرب حقيقية. هذه الكلمات ليست لغرض التعبير ولا التشبيه المجازي. هذا ما يحدث بالخليل فعليا: تحولت المدينة لساحة حرب حقيقية بعد مقتل شاب من عائلة على خلفية قضية ثأر لعائلة أخرى.
عندما تسطو العشيرة وتعلو على مدار السنوات وتغلب القانون وتصير هي الامر والناهي والقانون والشرعية، يصبح الثأر شريعة المواطن.
منذ ان تركت السلطة العشائر بالخليل (والامر لا يختلف كثيرا بكل انحاء الوطن- فمن لا عشيرة له يشتري عشيرة) لتحل محل القانون، لا يستبعد أحد ولا يستهجن ما يجري الآن في الخليل أحد. المشهد فقط وصل الى ذروته، عندما اصطدمت العشائر الكبيرة والاكبر ببعضها. لم نعد نستخدم حتى مصطلح عائلة، فالقوة والنفوذ يتمثل بالعشيرة.
لم تترك السلطة قانون القبيلة والعشيرة يتحكم صدفة او كسلا، ولكن أصحابها غيبوا القانون تدريجيا ليستطيعوا التحكم بالشعب أكثر. فغياب القانون عن المشهد بالشارع، تمثل بتغيير القوانين والتشريعات وتحويل القانون بمنافذه المختلفة تحت سلطة تنفيذية وحيدة متحكمة، تشغل السلطة بحكومتها ومؤسساتها لما يخدم زمرة أصحابها. فتم تطويع القانون لمصالح محددة تخدم أصحاب السلطة ببسط نفوذهم وسطوتهم على الشعب.
مصطلح سيادة القانون تحول الى سيادة الحكومة وتسلطها. لا قانون يعلو على قرارات الرئيس.
وانفصال سلطة رام الله عن المشهد الدموي بالخليل، يؤكد ان هذه السلطة لا تهتم الا لمصالحها المباشرة. فلا شرطة ولا سلطة ولا رجال مركزية ولا وزراء لهم حضور في هذه الجلبة الدموية.
يصادف اليوم كذلك الذكرى الأربعين لجريمة قتل نزار بنات. نزار الذي تم قتله بالخليل اعتمد على ما يبدو القتلة من رجال هذه السلطة على العقل الذي يحكم عائلة نزار بنات. ربما اعتمدوا كذلك على صغر امتداد عشيرته واصولها من خارج الخليل. ماذا لو كان نزار من عائلة المغدور الأخير على خلفية الثأر؟
لن يطول هذا المشهد من الحدوث. فهذه السلطة تسلطت على كل الشعب. وسيخرج في يوم ثائر عن هذا الوضع في كل عائلة وعشيرة وقبيلة.
كما فعلت السلطة عند استحكام العشيرة بالقانون منذ أكثر من عقد، وتركت قوة العشيرة تغلب كل القوانين، فانتهت المشاكل والقضايا والجرائم بدية وعطوة ومنشد، تنأى السلطة اليوم نفسها عن المشهد الا من بعض الخجل والتواضع. وكأن الحدث لا يرقى الى تحول الوطن كله اليوم الى الخليل ليوقف حمام الدم النازف والترهيب الحاصل في الشوارع.
لا مكان اليوم لطرح أي أسئلة عقلانية بديهية. من اين يأتي كل هذا السلاح؟ كيف يأتي؟ اين الشعب المقاوم للاحتلال؟ كيف تتقاطع المقاومة والسلاح الذي يخرج ليقتل الانسان الفلسطيني جاره وكل من ليس من عشيرته؟
كيف تسوى هذه المعادلة لشعب اعزل يقتل بدم بارد من قبل الاحتلال، مدجج في مثل هذا المشهد بالسلاح؟
الا يرقى الحدث لتحول الحكومة والرئاسة لغرف عمليات بقلب الخليل؟ كيف ينام الرئيس ورئيس حكومته بينما تشتعل نار الفتنة والقتل في احدى المدن؟
ام ان الفتنة بين الناس امر لا يعني الحكومة. هذه حكومة تتدخل فقط لقمع الشعب وقتل من يعارضها؟
ستنعزل دويلة الحكومة والرئاسة ذات يوم قريب. لن تكون الخليل بعيدة عن الثأر.
في كل مرة اعيد التفكير بما حصل، كيف قررت العائلة الأخرى اخذ ثأرها بعد أكثر من عشر سنوات لجريمة لم ينصفها قانون، أفكر بكم القضايا التي ظلم أصحابها ولا يزال الدم متخثر في أصحابها بانتظار لحظة تميع تفجره.
يبدو المشهد الأكثر سوداويا بحق هذه السلطة الامنة على نفسها في معازلها برام الله هو ذلك الذي رفعت من خلالها الأصوات تستجدي ملك الأردن بالتدخل. هل لاحد ان يتخيل معنى ان الشعب يناشد ملك دولة أخرى ليتدخل في حل ” طوشة” عائلية لا تستطيع السلطة الارتقاء بمستوى حلها.
هذا ما يترتب عليه غياب القانون وتكريسه لاستحكام “الوقائع” التي يجول ويصول فيها الرئيس ورئيس حكومته في اعلان قوانين جديدة.
عندما يتم تأطير القوانين لما يناسب الفساد الحكومي من اجل التحكم أكثر بالشعب والاستيلاء على الموارد من كل الاتجاهات، استفحال الظلم الاستبداد من اجل ان تبقى زمرة متحكمة بزمام بقائها، يصل المواطن ليوم كهذا. يأخذ القانون بيده، ويطبق العدالة على حسب عدله.
كاتبة فلسطينية