يثير تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان قلقا إسرائيليا حيال تبعات هذه الأوضاع. وتنسب تقارير إسرائيلية هذا القلق إلى خطوات قد يقدم عليها حزب الله ودخول إيران إلى الفراغ الحاصل، في ظل عدم تقديم دول غربية مساعدات إلى لبنان وعدم قدرة إسرائيل على التدخل في هذه الأوضاع.
واعتبر تقرير صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، نهاية الأسبوع الماضي، أن "السيناريوهات المحتملة للتطورات في لبنان لا تبشر بالخير"، وأن "السيناريو الأرجح الآن هو فترة مستمرة للأزمة بميزاتها الحالية، تدهور متواصل إلى درجة تفكك مطلق وتقسيم الدولة، وحتى نشوب حرب أهلية ثالثة. وسيناريو متطرف آخر هو سيطرة كاملة لحزب الله على لبنان وتوسيع الهيمنة الإيرانية على هذه الدولة".
وأفاد التقرير بوجود توجهين في إسرائيل حيال دلالات الأزمة اللبنانية. التوجه الأول يرى بتفكك لبنان تحولا سيئا بالنسبة لإسرائيل: "يعتبر مؤيدو هذا التوجه، الذي يعكس فرضية أن لإسرائيل مصلحة بلبنان مستقرة وموالية للغرب، أنه على الرغم من المكانة المركزية لحزب الله في لبنان، فإنه ما زال ليس الجهة القوية الوحيدة وأي تدهور آخر في الوضع الداخلي للدولة، إنما سيعزز قوته وحسب ولذلك قد يقود ذلك إلى تغيير التوازن السياسي في لبنان ضد مصلحة إسرائيل، وخاصة في الأمد البعيد".
وأضاف التقرير أن من شأن سيناريو كهذا أن "يحقق حلم (أمين عام حزب الله حسن) نصر الله بتحويل لبنان إلى دولة أخرى تحت رعاية إيران وإلى جزء لا يتجزأ من المحور الشيعي. فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية – السياسية في لبنان، ادعى نصر الله أن على الاقتصاد اللبناني أن ينفصل عن الغرب، ويتجه شرقا وتطوير علاقات مع إيران والعراق وسورية. وهكذا على الأرجح أن يقود تفكك لبنان إلى حضن إيران الدافئ وأن تتحول إلى قاعدة إيرانية أخرى في المنطقة، مثل سورية".
ويعتبر التوجه الثاني أن تفكك لبنان جيد لإسرائيل: "يعتقد الذين يؤيدون هذا التوجه، وخاصة الذين يدعون أن حزب الله بات الآن يحكم لبنان، أنه كلما اشتدت المصاعب الداخلية في هذه الدولة، سيغرق حزب الله في مواجهة أمراض لبنان، في حال تفككها أيضا، وسيواجه صعوبة في التفرغ لمواجهة مع إسرائيل ويتبنى توجها ملجوما أكثر نحوها. وبموجب هذا المفهوم، فإنه حتى لو تم دفع حزب الله في نهاية الأمر إلى السيطرة بالقوة والاستيلاء رسميا على الحكم في لبنان – وهذه خطوة امتنع عنها حتى الآن إثر افضليات الستاتيكو والحفاظ على قوة عسكرية مستقلة وتأثير سياسي على ما يحدث في الدولة من وراء الكواليس بواسطة حلفائه – فإن سيناريو كهذا من شأنه خدمة مصالح إسرائيل، رغم عيوبه. عدا ذلك، سيوسع سيناريو كهذا حيّز العمل الشرعي الإسرائيلي بالعمل مقابل لبنان، وخاصة في حالات مواجهة عسكرية أو حرب شاملة".
وأشار التقرير إلى أنه ينبع من هذين التوجهين مفاهيم مختلفة حول السياسة التي على إسرائيل تبنيها حاليا. "يؤيد الذين يعتقدون أن غرق لبنان بأيدي حزب الله إيجابي سياسة عدم التدخل، إلى جانب أن قدرة إسرائيل على التأثير في لبنان محدودة جدا. ويدعي مؤيدو هذه السياسة أن على إسرائيل الامتناع عن التدخل في التطورات اللبنانية الداخلية، وعدم مساعدتها طبعا، باستثناء مساعدات إنسانية مباشرة أو غير مباشرة، لأن أي مساعدة ستعزز حزب الله. ولذلك على إسرائيل تركيز جهودها على إضعاف حزب الله".
وحسب التوجه الآخر، فإنه "لا يوجد حتى الآن تطابق مطلق بين لبنان وحزب الله ولا تزال المصلحة الإسرائيلية أن تكون لبنان موالية للغرب ومستقرة. ورغم أن حزب الله اليوم هو الجهة الأقوى في لبنان عسكرية وسياسيا، لكن ليس جميع اللبنانيين يؤيدونه والأزمة الشديدة رفعت سقف الانتقادات ضده. ولذلك، على إسرائيل محاولة الاندماج في الجهود الرامية للبحث عن أي طريق من أجل تعزيز القوى الإيجابية بنظرها، التي تعارض حزب الله، من أجل منع سيطرته المطلقة على مؤسسات الدولة وجميع سكانها، وتحويل لبنان إلى دولة تحت رعاية إيرانية. وهذا كله من دون التخلي عن الجهود السياسية والعسكرية من أجل إضعاف حزب الله".
تغيير السياسة تجاه لبنان
أوصى التقرير بأن "تُعدّل الحكومة الإسرائيلية سياستها مقابل لبنان، ودراسة تأثير تفكك الدولة اللبنان على إسرائيل خصوصا والمنطقة عموما. وعلى إسرائيل تبني نهجا استباقيا، ينظر إلى التطورات الحالية في لبنان كفرصة للتأثير على مستقبل هذه الدولة وليس تقبل مكانة حزب الله وإمكانية سيطرته عليها كقضاء وقدر. وهذه ليست توصية بتدخل إسرائيلي مباشر في شؤون لبنان الداخلية، على غرار المحاولات الفاشلة السابقة، وليس من أجل التجند من أجل تقديم مساعدات مباشرة إلى لبنان، خاصة أنها محدودة".
واعتبر التقرير أن "المطلوب هو بلورة سياسة بإمكانها دعم مصلحتين إسرائيليتين مركزيتين في آن واحد، ويقدر أنه لا يزال هناك حيزا لدفعهما: المصلحة الأمنية الكامنة في مواجهة التهديد الذي يضعه حزب الله، إلى جانب المصلحة الكامنة بدولة مجاورة مستقرة وموالية للغرب".
ودعا التقرير الحكومة الإسرائيلية إلى حث "شريكاتها في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، الضالعتين في جهود مساعدة لبنان، وكذلك صديقاتها الجدد في الخليج، من أجل العمل بشكل أكبر لتقديم مساعدات فورية وموجهة لجهات في الشعب اللبناني، ومن خلال المطالبة بإشراف وثيق على نقل المساعدات من أجل منع وصولها إلى أيدي حزب الله ومؤيديه، وذلك من أجل دفع المصلحة بلبنان موال للغرب".
واعتبر التقرير أن "ثمة أهمية خاصة بأن تنسق إسرائيل مع الأميركيين بشأن قطع قنوات نقل المساعدات من إيران إلى حزب الله، في حال تم رفع العقوبات عن إيران في أعقاب تفاهمات بين إيران والولايات المتحدة حول العودة إلى الاتفاق النووي".
وبحسب التقرير، فإن "ثمة أهمية بالنسبة لإسرائيل باستمرار تعزيز الجيش اللبناني، وبالطبع من دون نقل أسلحة إليه من شأنها أن تشكل خطرا على أمن إسرائيل، إذ أن الجيش اللبناني أثبت حتى الآن أنه الجهة الوحيدة القادرة على الحفاظ على النظام الداخلي في الدولة".
وأضاف التقرير أنه "في المستوى العسكري، إلى جانب الحاجة إلى مواصلة الاستعداد لاحتمال نشوب مواجهة عند الحدود الشمالية لإسرائيل، ينبغي دراسة إذا ما كانت الأزمة في لبنان توفر لإسرائيل فرصة لاستهداف بالغ لقدرات حزب الله والعمل بحزم أكبر من أجل لجم محاولات حماس، إيران وحزب الله لترسيخ ’معادلة ردع’ جديدة مقابل إسرائيل، التي تنشئ علاقة بين المواجهات في جبل الهيكل (الحرم القدسي) وإطلاق قذائف صاروخية باتجاه إسرائيل من لبنان وسورية، مثلما حدث خلال عملية ’حارس الأسوار’ العسكرية".