هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل "نشر مكتب وزير الدفاع بني غانتس، صباح أمس، بياناً استثنائياً: على خلفية الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان و”محاولة حزب الله إدخال استثمارات إيرانية إلى لبنان”، اقترح غانتس بواسطة قيادة “اليونفيل” أن تحول إسرائيل مساعدات إنسانية للبنان. في وقت سابق من هذا الأسبوع، وفي احتفال تدشين نصب تذكاري لجنود جيش لبنان الجنوبي في المطلة، قال غانتس إن قلبه يتفطر إزاء رؤية المواطنين الجائعين في شوارع لبنان، وأن إسرائيل مستعدة لتحسين الوضع بالتعاون مع دول أخرى.
يتوقع الرد على بادرة حسن النية الإسرائيلية بالسلب من قبل حكومة بيروت، وغانتس يعرف ذلك بالطبع. وعندما عرضت إسرائيل مساعدة مستعجلة بعد كارثة ميناء بيروت في آب الماضي رفضها لبنان على الفور. وباستثناء اللجنة الثلاثية مع الأمم المتحدة التي تعالج المشكلات الجارية على طول الحدود البرية بين الدولتين، والمحادثات التي تم استئنافها مؤخراً حول ترسيم الحدود البحرية والسيطرة على حقول الغاز، فإن لبنان يرفض أي اتصالات مباشرة. حتى في ضائقتهم ليس لديهم نية للانحراف عن سياسة الرفض.
لكن تصريح وزير الدفاع يعكس تغييراً معيناً في موقف إسرائيل مما يحدث في الطرف الثاني من الحدود: أولاً، إسرائيل قلقة من خطورة الأزمة الداخلية في لبنان والتي تتدهور بشكل سريع. ثانياً، هي تقلق من احتمالية قيام إيران بطرح نفسها كمخلصة للبنانيين.
ثالثاً، رغم أن السيناريو يظهر بعيد المدى الآن، إلا أنها يقظة لإمكانية أن يمسك حزب الله زمام الأمور بيديه في بيروت، من خلال استغلال ضعف الحكومة الانتقالية، وعلى خلفية زيادة نسبة الشيعة داخل السكان (ترتيبات توزيع القوة في لبنان ترتكز إلى الإحصاء السكاني الذي أجري قبل 90 سنة، عملياً، نسبة الشيعة زادت منذ ذلك الحين في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة المسيحيين).
في الخلفية، ما زال يدور صراع نفوذ إقليمي بين إيران وإسرائيل وكتلة الدول السنية المحافظة. أمس، اتهمت إيران إسرائيل رسمياً بمهاجمة الطائرة المسيرة في الشهر الماضي، التي أصيب بها مصنع لأجهزة الطرد المركزي في مدينة كرج. والقيادة السياسية والأمنية في إسرائيل تتابع بشكل مكثف تعرج المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي، وهي مستعدة لإعداد قائمة التعويضات العسكرية التي تريد الحصول عليها في المقابل من الرئيس بايدن. في المقابل، تدرك إسرائيل بأن رفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران بعد الانسحاب من الاتفاق قبل ثلاث سنوات ستضخ بالتدريج مليارات الدولارات للاقتصاد الإيراني. جزء من هذه الأموال يتوقع أن يجد طريقه إلى حزب الله، وجزء من أرباح النفط الإيراني ربما تستخدم في المستقبل أيضاً لزيادة نفوذ إيران في بيروت.
النقص سيزداد
استمرت عملية الانهيار اللبناني بشكل ثابت منذ بضع سنوات، لكنها تسارعت على خلفية أضرار كورونا وانفجار الميناء وشلل الاقتصاد. وقال رئيس الحكومة الانتقالية، حسن دياب، أمس، إن دولته على بعد بضعة أيام من “الانفجار الاجتماعي”، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل من أجل إنقاذها من الأزمة الاقتصادية الشديدة. وفي الأشهر الأخيرة، حاول رئيس الأركان اللبناني، جوزيف عون، تجنيد مساعدات من الولايات المتحدة وفرنسا بهدف مساعدة جيشه على البقاء والاستمرار في الأداء.
كانت إسرائيل تفضل أن تصل أموال إعادة الإعمار للجيش ولبنان من الغرب ومن دول الخليج وليس من إيران وروسيا والصين. رغم الانتقاد الموجه لأداء الجيش اللبناني في منع اختراقات على الحدود وعلاقته مع حزب الله، هي تفضل وجوده كعامل استقرار، بالتأكيد مقارنة مع زيادة نفوذ المنظمة الشيعية.
تولد لدى الجيش الإسرائيلي انطباع بأن الوضع الاقتصادي لمواطني لبنان أخطر مما كان في صيف العام الماضي، عندما أخرج الانفجار في الميناء عشرات آلاف الأشخاص للتظاهر في الشوارع. سعر الليرة اللبنانية تحطم، والمواطنون يجدون صعوبة في شراء احتياجاتهم الضرورية في السوق السوداء. والأحداث التي يتم فيها استخدام النار الحي أثناء وقوف الطوابير أمام محطات الوقود تحولت تقريباً إلى روتين. تزويد الكهرباء اليومي ينقطع لساعات كثيرة بصورة تذكر يما يحدث في قطاع غزة، وبعيداً جداً عما تعود عليه سكان بيروت. حسب كل التقديرات، قد يشتد نقص السلع الضرورية في الأسابيع القادمة.
تعاني إسرائيل في الوقت الحالي من شظايا هذه الاضطرابات، على شكل أحداث على طول الحدود. عمال من السودان وتركيا، الذين يجدون صعوبة في العثور على مصدر رزق في لبنان، يحاولون التسلل إلى إسرائيل عبر الجدار بهدف العثور على عمل هنا. وهناك ارتفاع أيضاً في عدد محاولات تهريب المخدرات والسلاح، الذي يتم تفسيره في معظمه بالصعوبات الاقتصادية.
لكن سيناريو محتملاً، تم ذكره في النقاشات، يتعلق بمحاولة مستقبلية لسكرتير عام حزب الله، حسن نصر الله، لتعزيز مكانة منظمته السياسية بدعم من إيران. هذا لا يبدو مثل سيناريو له احتمالية عالية، لكن أحداث الربيع العربي قبل عقد أثبتت أن دولاً مستقرة نسبياً انهارت بسرعة كبيرة وبشكل كامل. والحاجة إلى منح مساعدة للبنان، من خلال ضمان استقراره ومنع سيطرة حزب الله، تُطرح في جميع المحادثات السياسية والأمنية التي تجريها إسرائيل مع أمريكا وفرنسا ودول أوروبية أخرى.


