نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا لإيشان ثارور بعنوان “مشكلة الفلسطينيين مع السلطة” الوطنية قال فيه إن الاحتجاجات استمرت في نهاية الأسبوع، حيث تجمع مئات المتظاهرين الفلسطينيين في مدينة رام الله بالضفة الغربية وجددوا دعواتهم لزعيم السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس بالتنحي. وفي تجمع يوم السبت، لم يواجه المتظاهرون نفس التحرش والعنف الذي مارسته الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الأسابيع الماضية، إلا أن عددا من الناشطين، المحامين، الأكاديميين اعتقلوا في الأيام السابقة على يد الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية التي تنسق معهم منذ وقت طويل. واندلعت موجة العنف الأخيرة بعد مقتل الناشط البارز، نزار بنات.
وبحسب شهود عيون فقد اعتقل بنات بقوة وضرب على يد قوات الأمن الفلسطينية بمداهمة قبل الفجر في 24 حزيران/يونيو. وبعد ساعات علمت عائلته أنه مات في الاحتجاز. وقد أشعل ذلك الغضب الشعبي بشكل دفع الآلاف للخروج إلى الشوارع في كل أنحاء الضفة الغربية. وتصدت قوات الأمن التابعة للسلطة لها بقمع وتحرش وبتقارير عدة عن استهداف المتظاهرين والصحافيين الذين عوملوا بقسوة واحتجزوا. وأثار مقتل بنات الغضب العارم ضد السلطة التي تتهم بالفساد والعجز. وأشار لما كتبه مراسلو الصحيفة من أن التظاهرات جاءت بعد الإلغاء المفاجئ للانتخابات الفلسطينية وهي الأولى منذ 15 عاما والتي كانت مقررة الربيع، وهذا في وقت أظهرت تراجعا في شعبية عباس وحزبه، حركة فتح.
وأضاف أن السلطة الوطنية هي كيان نشأ عام 1994 بعد اتفاقيات أوسلو. وكان من المفترض أن تعمل لمرحلة انتقالية ويقودها تكنوقراط تساعد على فتح الطريق إلى الدولة الفلسطينية المستقلة. إلا أن العملية السلمية انهارت فيما باتت حركة فتح على تضاد مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. وتزامن غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية مع ميول إسرائيل نحو اليمين المتطرف، حيث لم يعد هناك نواب أو مسؤولون في الحكومة والكنيست يتخيلون فكرة الموافقة على حل الدولتين ويدفعون والحالة هذه باتجاه ضم الأراضي الفلسطينية.
ويواجه عباس اليوم إسرائيل التي لم تعد مهتمة ببرنامجه السياسي الذي يعبر عن موقفه، رأيا عاما فلسطينيا غاضبا من حكمه الأوتوقراطي. وكان قرار عباس إلغاء الانتخابات المؤجلة منذ وقت طويل سببا في غضب الناشطين مثل بنات وأكد على تراجع شرعيته السياسية والتي يقول الناشطون إنها تصل إلى حد خدمة الاحتلال والتواطؤ معه.
وأشار هنا إلى مقال رأي كتبته ندا بيطار وحازم يونس وصفا فيه السلطة بأنها أصبحت “شركة خاصة مشبعة بالفساد المالي والإداري” وأشارا إلى أن السلطة تعاملت مع الاحتلال ولعبت دورا وظيفيا وماليا في أجهزة الأمن الإسرائيلية. وشجبت الولايات المتحدة والدول الأوروبية مقتل بنات وطالبت بتحقيق عميق بالقضية، لكن المحللين يشكون في بحث داعمي عباس الدوليين عن تحول ذي معنى في السياسة.
وكتب عمر رحمن من معهد بروكينغز “حتى بعد انهيار اتفاقيات أوسلو والتي لم تعد تعمل على تسهيل السلام، التنسيق الأمني الفلسطيني مع الجيش الإسرائيلي بقي كشرط لاستمرار الدعم الغربي”، وهو ما أدى “إلى خلق مناخ من الحصانة للسلطة الوطنية في التعامل مع مواطنيها”. وأدت الموجة الجديدة من الاحتجاجات في الضفة الغربية وردة فعل الأجهزة الأمنية لمقارنات مع الربيع العربي، وأشار المحلل السياسي في رام الله، جهاد حرب، إلى أن “الظروف الاقتصادية السيئة والبطالة العالية وغياب الأفق لدى الشباب والنظام الديكتاتوري هي عناصر لانفجار محتمل” و”هذه اللحظة تشبه نقطة الغليان التي انفجرت وأدت للربيع العربي عام 2011″.
وزاد من الغضب السياسي الواقع الطاغي للاحتلال الذي يجعل الفلسطينيين أسرى نزوات الجيش الإسرائيلي الذي يحرمهم من الحقوق السياسية والمدنية التي يمنحها لجيرانهم. ففي مناطق بالضفة الغربية يجد الناشطون الفلسطينيون أنفسهم في تضاد مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين المصممين على حرمانهم من أرضهم. والاحتجاجات اليوم لا تعبر فقط عن محاولة للبقاء السياسي ولكن عن نفاد صبر من القيادة العجوزة التي تقدم نفسها كممثل للقضية الفلسطينية. ويبحث الجيل الفلسطيني عن أجوبة جديدة، وبدت قلة صبرهم في أسابيع الغضب التي اندلعت في أيار/مايو والإضراب العام النادر في المناطق المحتلة وداخل إسرائيل.
وقال الناشط سالم براهمة إن “الفلسطينيين وبخاصة الشباب يحنون لتمثيل وديمقراطية” و”نريد بناء نظام يجد فيه كل فلسطيني صوتا ودورا وقدرة على تشكيل المستقبل”. ورد عباس وحلفاؤه بعدد من الإجراءات التجميلية مثل تعديل وزاري وتعيين رئيس وزراء جديد، إلا أن المحللين يتحدثون عن الحاجة لانتخابات بعد فجوة 15 عاما من أجل المساعدة في تشكيل السياسة الفلسطينية. وربما اقتضى هذا إلى كسر الوضع القائم الذي لا يريد عباس أو إسرائيل تغييره.
وقالت مريم برغوثي، الناشطة والكاتبة في رام الله بمقال نشرته الصحيفة قبل أيام “تخشى السلطة الوطنية من الوحدة” و”مثل إسرائيل، فهي خائفة من كون الفلسطينيين الذين يتظاهرون في الشوارع لا يحتجون تحت راية فصيل”. وأضافت برغوثي “تزعم خشيتها من حماس، بشكل يردد خطابا لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو والخطاب الاستعماري الإسرائيلي. ولحماس سجلها الخاص في انتهاك الفلسطينيين ومحاولات توطيد سيطرتها على الفلسطينيين” وتقول إن الفلسطينيين الذين عانوا من الاضطهاد على يد كل الأطراف يشعرون أنهم أصبحوا “بيدقا على رقعة الشطرنج”.