استنكر عدنان غيث، محافظ مدينة القدس، ما قام به المستوطنون يوم الثلاثاء، في مسيرة الأعلام، برعاية وحماية الجيش الإسرائيلي، الذي نكل وأصاب واعتقل عشرات المقدسيين، من الأطفال والشباب والشيوخ والنساء.
وأكد محافظ القدس، أن "العالم أجمع أمام اختبار حقيقي لردع محاولات الاحتلال المستمرة في استباحة المدينة المقدسة، وتنفيذ خططهم للتهجير القسري والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني".
وأضاف في حوار مع "سبوتنيك"، أن "مسيرة الأعلام التي نفذت يوم الثلاثاء، تأتي استكمالا لمسلسل فرض سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية، واستنادا على الإجراءات التي أقرها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، معتبرا المسيرة حدثا غير مسبوق في ارتفاع وتيرة التصعيد والتحريض من قبل المتطرفين.
وشدد غيث على أن فلسطين لم تعول يوما من الأيام على أي من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، مؤكدا أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نفتالي بينت لن تختلف عن سابقتها، فالأجندة الإسرائيلية ثابتة (وهي السعي لتهجير الفلسطينيين واستبدال الوجود العربي في القدس بالوجود اليهودي الإسرائيلي)، موضحا أن ما يزيد عن 360 ألف مقدسي معرضون لحملات التهجير القسري التي تمارسها إسرائيل.
وإلى نص الحوار..
بداية.. صف لنا ما حدث اليوم في مسيرة الأعلام التي نفذها المستوطنون الإسرائيليون في القدس؟
حقيقة ما جرى يوم الثلاثاء، وما يجري في كل يوم في العاصمة المحتلة، هو استمرار لسياسات العربدة والتنكيل، والسياسات التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ويرتكبها بحق الشعب الفلسطيني في العاصمة المحتلة، ومدينة القدس مستباحة أمام كافة الهياكل والأذرع التنفيذية للاحتلال الإسرائيلي سواء كان بالتهجير القسري، أو التطهير العرقي أو بالهدم والملاحقات والاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى المبارك من غلاة المتطرفين في حماية ورعاية دائمة من حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
ما جرى خلال المسيرات، هو استكمال لهذا المسلسل في فرض سياسة الأمر الواقع والتعامل مع القدس باعتبارها عاصمة موحدة لدولة الاحتلال.
استنادا إلى كل ما تم طرحه من قرارات في حقبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فيما يتعلق بموضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بإدارة ترامب بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، فما حدث اليوم هو مشهد يومي يصحو ويغفو عليه شعبنا في العاصمة المحتلة من مشاهد التنكيل والضرب والاعتداء والإبعاد وحصار المدينة.
وما الذي حدث في مدينة القدس خلال المسيرة؟
الثلاثاء، القدس - عدا عن أنها في عزل وحصار دائم بفعل جدار الفصل والضم العنصري، ومحاولات سلخها عن عمقها الفلسطيني- حولها الاحتلال إلى ثكنة عسكرية مغلقة بفعل عشرات الحواجز العسكرية التي أغلقت كافة مداخل وأحياء المدينة المقدسة.
وحالت دون وصول المقدسيين إلى محالهم التجارية وأماكن عملهم، وفرضت طوقا أمنيا غير مسبوق، وقامت بالاعتداء على المواطنين المقدسين الذين هبوا لنصرة القدس، استنكارا وغضبا على هذه المسيرة الاستفزازية لغلاة المتطرفين الذين ينادون بالموت للعرب والمسلمين.
وفي هذه المسيرة أكثر المشاهد المؤلمة قيام المستوطنين (بشتم الرسول الكريم)، وهو ما يعتبر حدثا غير مسبوق في ارتفاع وتيرة التصعيد والتحريض من قبل غلاة المتطرفين لكل ما هو عربي ومسلم في هذه العاصمة المحتلة.
وكيف واجه المقدسيون المسيرات الإسرائيلية؟
شعبنا الفلسطيني على مدار أكثر من 73 عاما لم يسلم رايته لكافة هذه المجازر والنكبات والنكسات التي ارتكبت بحقه، وعلى هذا الاحتلال أن يعي تماما أنه لا مفر من أن يحيا شعبنا بحريته وكرامته في ظل سياسته الفلسطينية وعاصمتها القدس.
هذه الدولة الفلسطينية التي أقرتها الشرعية الدولية لا تراجع عن ثوابتنا الوطنية الفلسطينية ولا استسلام أمام كل محاولات الهيمنة والعربدة وسياسات التطهير العرقي والتهجير القسري.
نعم.. وماذا عن موقف المجتمع الدولي؟
اليوم كان امتحانا لكل قوى الشرعية الدولية ودول العالم أجمع، وكل المؤسسات العرفية الذين يتشدقون بالحرية والديمقراطية، ففي الوقت الذي عقدت فيه العديد من الجلسات من أجل إلزام إسرائيل ووقفها من الاستمرار في هذه الانتهاكات، أرسل الاحتلال رسالة تلو الأخرى أنه مستمر في عنجهيته وصلفه ومستمر في كافة هذه الإجراءات والقوانين التشريعية التي تتنافى مع كافة الأعراف والمواثيق الدولية، والتي ترتقي لمستوى جرائم حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
خلال هذه المسيرات كان قمعا غير مسبوق، وكان هناك أكثر من عشرات الإصابات وما يقارب من 12 حالة اعتقال، حيث قمعت النساء وضرب الأطفال والشيوخ، واستخدام الرصاص المعدني المغلف بالمطاط والقنابل الصوتية والغازية، وكل أدوات القمع والتنكيل استخدمت اليوم بحق أبناء شعبنا في القدس، فكل من يحاول أن يعري همجية وعنصرية الاحتلال كان ملاحقا أمام آلة البطش الإسرائيلية التي لم تدخر جهدا في قمع أبناء شعبنا، حتى الصحفيين والإعلاميين تم الاعتداء عليهم واعتقالهم.
هذا ما يحدث بشكل يومي في القدس من اجتياح لقراها وبلداتها وأزقتها من المقتحمين لجيش الاحتلال بالأسلحة المدججة لبيوت ومنازل المواطنين وترويع وتخويف والاعتداء واعتقال المواطنين والقصر دون أدنى التزام بالمعايير القانونية في اعتقال القصر، وكذلك ارتكاب الإعدامات الميدانية كما حدث قبل أيام من إعدام سيدة مقدسية، وهذا حقيقية المشهد الإجرامي الذي يمارسه الاحتلال يوميا بحق شعبنا الفلسطيني على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
تعد هذه المسيرة الحدث الأول في مسيرة الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. برأيك ما الفارق بين بينت ونتنياهو؟
المعركة الداخلية للأحزاب اليمينية المتطرفة هي معركة لها علاقة بالإطاحة بشخص نتنياهو، إنما كافة الأحزاب الإسرائيلية جميعها عندما يتعلق الأمر بقضية شعبنا الفلسطيني والتنكيل بهم لا يوجد يسار أو يمين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
كل هذه الأحزاب وجهين لنفس العملة، عملة التنكر للحقوق الفلسطينية، عملة تشريع القوانين التي تستخدم ضد أبناء شعبنا، هذه الحكومة لا تختلف عن سابقتها، وتضع هذه الحكومة على أجندتها استهداف ما يسمى بمناطق "ج" عبر تشريع الاستيطان والتوسع الاستيطاني على أساس الأراضي الفلسطينية التي أقرتها الشرعية الدولية.
بطبيعة الحال هذا ما شاهدناه خلال المسيرات في أول يوم عمل للحكومة الجديدة، هذه المسيرة أول عمليات القمع والتنكيل والاستهداف ومشاريع الأسرلة والتهويد وإطلاق العنان لغلاة المتطرفين في العبث فسادا وخرابا في مدننا وقرانا وعاصمتنا المحتلة، هذه الحكومة والحكومات السابقة عملة بنفس الوجه، الوجه الذي يتنكر للحقوق والذي يمارس كافة سموم الحقد والكراهية والفصل العنصري والقمع والتنكيل بحق الشعب الفلسطيني.
لم نكن في يوم من الأيام نعول على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، عندما توجهنا للعالم للحصول على دولة فلسطينية أقرتها الشرعية الدولية، اعتمدنا على قوتنا في إيماننا بحقنا وعدالة قضيتنا وبحقنا المسلوب ومعنا كافة أحرار وشرفاء العالم لنصل إلى العيش بكرامة وكبرياء وشموخ.
نحن 13.5 مليون فلسطيني على الكرة الأرضية لسنا طارئين بل أصحاب قضية عادلة وأصحاب حقوق ثابتة، تؤكد أحقيتها في هذه الأرض المباركة وكل الاحتلال وأفعاله إلى الزوال، ويجب على العالم أن يسعى ليحيا شعبنا في ظل سيادة ودولة فلسطينية، فلا يمكن أن تبقى إسرائيل خارج منظومة المجتمع الدولي وتتعامل مع نفسها بأنها فوق القانون الدولي وتستطيع أن تهرب من مشاكلها وإجرامها بحق شعبنا الفلسطيني، هذا ما يجب على العالم مواجهته.
رغم الهدنة التي أقرت سابقا.. كيف ترى استمرار محاولات إسرائيل لتهجير أهالي المدن الفلسطينية في القدس؟
هناك استهداف واضح لأحياء مقدسية بأكملها كحي الشيخ جراح وحي بطن الهوى، واستهداف واضح لتهجير أهلها، لكن نحن نعتبر أننا أمام السياسات ورسم التشريعات التي يسنها برلمان الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني.
إن أكثر من 360 ألف مقدسي في العاصمة المحتلة عرضة لسياسات التهجير القسري جراء هذه التشريعات، سواء بسحب الهويات المقدسية، أو فرض الضرائب الباهظة، أو استمرار سيناريو هدم المنازل اليومية لدفعنا أن نعيش خلف جدار الفصل العنصري، ضمن مخطط الاحتلال الإسرائيلي لإخراج بعض البلدات والقرى في محيط ما يسمى بلدية الاحتلال وإضافة وضم مستوطنات إسرائيلية لهذه الحدود، ليلعب بذلك على الحدود الديموغرافية في العاصمة المحتلة وجعل القدس ذات أغلبية يهودية وأقلية عربية، المقدسي عرضة لسياسات التطهير العرقي جراء التهجير القسري والملاحقة اليومية.
أكثر من 80% من المقدسيين يعيشون الآن تحت خط الفقر، نتاج هذه السياسات الهمجية التي تستهدف بقائهم على أرضهم، وتستهدف حياتهم وأبنائهم وأرزاقهم وأرضهم وأماكن عبادتهم الإسلامية والمسيحية، استهداف الكل المقدسي، والهوية والعروبة وكل ما هو شاهد على عروبية وإسلامية فلسطين أصبح مستهدفا، ولكن المقدسيون يستمدون الأمل من شموخهم وصبرهم ومن كل أحرار وشرفاء العالم وأبناء أمتنا العربية والإسلامية وكل من يقف مع قضيتنا العادلة، وهي محفزات تدفعنا لعدم الاستسلام، فنحن ماضون لتحقيق تطلعات شعبنا في الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية، وهو أمر ثابت لا رجعة عنه، مهما كانت إجراءات الاحتلال وقوى الظلام.