بشكل مفاجئ وبصورة غير متوقعة، تأجل الحوار الوطني الفلسطيني الذي كان مقرراً له الانطلاق يومي السبت والأحد، على إثر ما أرجعه مصدر فلسطيني مطلع لـ "حجم التباينات بين الفصائل المشاركة التي قادت إلى نسف الحوار حتى قبل أن يبدأ".
وأبلغ المعنيون بالملف الفلسطيني في جهاز المخابرات العامة المصرية، الخميس، الفصائل الفلسطينية المشاركة في الحوار الوطني بتأجيله إلى أجل غير مسمى، لحين الوصول إلى توافقات في الملفات العالقة في ما بينهم، التي كانت ترغب القاهرة في إنجازها خلال المباحثات الحالية.
وكان من المقرر أن تركز اجتماعات الفصائل في دورتها الحالية، التي بدأت الأربعاء الماضي، في لقاءات منفصلة بين رؤساء الوفود المشاركة ومسؤولي الأجهزة المعنية المصرية، على عدد من القضايا، أبرزها ملف تثبيت الهدنة وإعادة الإعمار وآليته في غزة، فضلاً عن بحث النقاط العالقة في ملف الانتخابات والمصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام.
لماذا تعثر الحوار الوطني؟
وفق مصادر فلسطينية متطابقة في القاهرة، تحدثت إلى "اندبندنت عربية"، فإن "حجم التباينات بين الفصائل وعدم التوافق بشأن الخطوط العريضة لبعض القضايا أحبط القائمين على رعاية الحوار الوطني في مصر، بعدما رفضت الأطراف تقديم تنازلات على الرغم من محاولات القاهرة تقريب وجهات النظر على مدار الأربعاء الماضي، بعد وصول الوفود الفلسطينية المشاركة".
وذكر أحد المصادر الفلسطينية أن مسؤولي جهاز المخابرات العامة المصرية اجتمعوا مع وفد "حماس" بقيادة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، ونائبه الشيخ صالح العاروري، ووفد فتح برئاسة جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية للحركة، كل على حدة يوم الأربعاء، لبحث خطوط التوافقات العريضة بشأن الملفات الخلافية العالقة، والتمهيد لجلسات الحوار الوطني مع بداية الأسبوع الجديد، لكن "لم يقدم أي من الطرفين تنازلات بشأن تلك الملفات".
وذكر المصدر ذاته، "بات تجهيز أجندة الحوار نفسها من الصعب إنجازه مع حجم التباينات التي تجلت"، موضحاً، "استخلص المسؤولون المصريون فشل الاجتماعات التمهيدية في تحقيق الحدود الدنيا من التوافق، وعليه صعوبة الخروج باتفاق رسمي يمكن الوصول إليه عقب انتهاء الاجتماعات".
وبحسب مصدر فلسطيني آخر، فقد تركزت التباينات الجوهرية في جولة المباحثات التمهيدية، على ملفي إعادة إعمار قطاع غزة، والانتخابات المؤجلة، إذ تمسكت حركة "فتح" بضرورة إدارة أموال إعادة الإعمار من خلالها في الملف الأول، بينما شددت "حماس" على ضرورة التعهد بإجراء الانتخابات في أقرب فرصة كسبيل وحيد لتشكيل الحكومة الوطنية في الملف الثاني. ما دفع القاهرة إلى استنتاج عدم جدوى عقد جلسات الحوار الوطني الفلسطينية الحالية من دون التوصل إلى نتائج ملموسة.
من جانبه، قال جهاد الحرازين، القيادي في حركة "فتح"، إن "حجم التباينات بين الفصائل فاجأ الجميع"، مضيفاً، "ما شهدناه خلال الأيام الأخيرة كان محاولة تحقيق إنجازات سياسية، وفرض أجندات بعينها من بعض الفصائل، والانقلاب على التفاهمات السابقة التي توصلت إليها الفصائل".
وفي المقابل، أشارت مصادر من "حماس" إلى أن حركة "فتح" "تمسكت بضرورة البدء في تشكيل حكومة وفاق وطني، وإسناد مهمة إعمار غزة إليها، وتأجيل الحديث الحالي عن الانتخابات المقبلة، وهو ما رفضته حماس".
هل من أفق للعودة؟
بينما لم يتسنَ لـ "اندبندنت عربية" الحصول على رد رسمي مصري بشأن التوقيت المقترح المقبل لإعادة رعاية جلسات الحوار الوطني الفلسطيني مجدداً، رجحت مصادر فلسطينية احتمالية أن يمتد التأجيل أسابيع قبل عودته، مشيرة إلى أن القاهرة تراجع مواقفها خلال الفترة المقبلة لضمان نجاح الحوار الوطني في حالة انعقاده.
وقال جهاد الحرازين، العضو في "فتح"، إن القاهرة "ارتأت منح الفصائل مزيداً من الوقت للتشاور والوصول إلى تفاهمات حول خلافات مرتبطة بملفات جذرية، والاتفاق على الأولويات التي يجب مناقشتها".
وفي وقت سابق، أبلغت مصادر دبلوماسية مصرية "اندبندنت عربية"، أن المباحثات الفلسطينية الحالية "تأتي استكمالاً للمباحثات التي أجراها الوزير عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية، في كل من قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة الأسبوع الماضي، وكذلك الحوارات الوطنية التي رعتها القاهرة خلال فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين، لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة".
وأوضحت المصادر أن "استضافة القاهرة اجتماعات جديدة للفصائل تأتي ضمن جهودها المكثفة الأخيرة لدعم القضية الفلسطينية على كل المستويات، وانطلاقاً من حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على مواصلتها لحل مشكلة الانقسام الفلسطيني وإنجاز المصالحة، فضلاً عن تثبيت الهدنة وإعادة إعمار القطاع".
وتتزامن الجهود السياسية المصرية لإنهاء الانقسام وتثبيت الهدنة مع جهود أخرى إنسانية وإغاثية، حيث أرسلت مصر دفعات من المساعدات الإنسانية لمواطني قطاع غزة، وعرضت إنشاء مدينة سكنية في القطاع باسم مدينة مصر السكنية، فضلاً عن تخصيص 500 مليون دولار للإسهام في عمليات إعادة إعمار قطاع غزة من خلال الشركات المصرية.
وفي الـ 13 من أبريل (نيسان) الماضي، تفجرت الأوضاع في فلسطين جراء "اعتداءات" إسرائيلية طالت الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، وامتد التصعيد إلى الضفة الغربية والمناطق العربية داخل إسرائيل، ثم تحول إلى مواجهة عسكرية في قطاع غزة، استمرت 11 يوماً، وانتهت بوقف إطلاق النار برعاية مصرية، فجر الـ 21 من مايو (أيار) الماضي.