"إسرائيل لم تتورط بالاحتلال عام 1967 بل خططت له لسنوات"

السبت 05 يونيو 2021 03:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
"إسرائيل لم تتورط بالاحتلال عام 1967 بل خططت له لسنوات"



القدس المحتلة /سما/

فنّد مقال نُشر في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الادعاءات التي عكف المؤرخون الإسرائيليون على طرحها منذ حرب حزيران/ يونيو 1967، بأن إسرائيل لم تخطط من قبل لاحتلال مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية والمصرية والسورية، وأن احتلال هذه المناطق كان نتاج ما وصف بـ"منزلق"، نتيجة لمجريات العمليات العسكرية على الأرض، نافيا أن يكون "الواقع الجديد" الذي نشأ في أعقاب الاحتلال قد فاجأ القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، مؤكدا أن الاحتلال كان تعبيرًا عن رؤية إستراتيجية.

وبحسب مقال المؤرخ الإسرائيلي، آدم راز، فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في أعقاب حرب حزيران/ يونيو 1967، كرست الاعتقاد الذي روّج له المؤرخون الإسرائيليون بأن احتلال الأراضي العربية كان تطورا للعمليات العسكرية وليس نتيجة لقرار سيادي، وهو ما ادعاه وزير الأمن الإسرائيلي حينها، موشيه ديّان، الذي قال بعد ثلاثة أيام من انتهاء الحرب: "لقد تطورت الحرب وتدحرجت إلى جبهات لم يخطط لها أو يسعى إليها أحد من قبل، ولا حتى أنا".

ويؤكد المقال أن الوثائق التاريخية التي تم الكشف عنها في الأرشيف الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة – والتي تعتبر جزءا صغيرا من أرشيف ضخم لم يسمح بالكشف عنه حتى هذه اللحظة - تلقي بظلال من الشك على صحة هذا الادعاء.

إذ يشير ما تم الكشف عنه مؤخرا من الأرشيف الإسرائيلي، وفقا للمقال، في مواضع كثيرة، إلى "استعدادات تفصيلية للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية في السنوات التي سبقت حرب حزيران/ يونيو 1967، من أجل تنظيم مُسبق للسيطرة على الأراضي التي قدّر المسؤولون في المؤسسة الأمنية- بدرجة عالية من اليقين – أنه سيتم احتلالها في الحرب القادمة".

وتظهر مراجعة لوثائق الأرشيف الإسرائيلي أن احتلال الضفة الغربية من الأردن وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سورية، لم يكن مجرد نتائج جانبية للحرب، بل كان الاحتلال تعبيرًا عن رؤية إستراتيجية واستعدادات مسبقة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

وتشير الوثائق إلى أن الاستعدادات الحثيثة والتفصيلية في الجيش الإسرائيلي، لاحتلال الأراضي العربية، بدأت في أوائل الستينيات؛ وذلك ضمن مراجعة نتائج الفترة القصيرة لاحتلال قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

ولفت راز إلى وثيقة في أرشيف الجيش الإسرائيلي تحمل عنوان "مقترح لتنظيم الحكم العسكري" كتبها رئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، إلعاد بيلد، وقدمها إلى رئيس أركان الجيش، تسفي تسور في حزيران/ يونيو 1961، والتي تضمنت تخطيطًا تفصيليًا وأوليًا للقوات التي ستكون مطلوبة لحكم الأراضي المحتلة.

وفي آب/ أغسطس عام 1963 أصدرت هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، برئاسة يتسحاق رابين، أوامر بإعداد خطط لتنظيم إدارة عسكرية في مناطق منشر على نطاق واسع. وتكسف صياغة هذا الأمر العسكري، بشكل واضح ومباشر، "اتجاهات التوسع (الإسرائيلية) المتوقعة" التي قدر مسؤولو الأمن أن الحرب القادمة ستركز عليها، وتشمل الضفة الغربية ومنطقة سيناء وقناة السويس وهضبة الجولان السورية ودمشق وجنوب لبنان وصولا إلى نهر الليطاني.

وجاء قرار هيئة الأركان العامة الإسرائيلية بعد أن أشارت تقديرات إدارة الحكم العسكري في مراسلات داخلية قبل شهرين من القرار الصادر في آب/ أغسطس 1963، أن "الخطط الموضوعة لتنظيم السيطرة المستقبلية" على مناطق محتلة وضعت "بطريقة متسرعة" و "لا تلبي جميع الاحتياجات بشكل كامل".

وينص هذا القرار الصادر تحت عنوان "أوامر تنظيمية - الحكم العسكري في حالة الطوارئ" على أن "تطلع الجيش الإسرائيلي بنقل الحرب إلى أراضي العدو سيؤدي حتمًا إلى انتشار واسع واحتلال مناطق خارج حدود الدولة". وبناءً على الاستنتاجات الإسرائيلية التي أعقبت احتلال سيناء خلال العدوان الثلاثي على مصر، تقرر أنه ستكون هناك حاجة إلى تنظيم سريع لحكم عسكري، لأن "هذا الاحتلال قد يستمر لفترة قصيرة فقط وسيتعين علينا إخلاء المناطق بعد ضغوط أو تسويات دولية"، ومع ذلك، يؤكد نص الأمر العسكري الإسرائيلي أن "قد ينشأ وضع سياسي مريح من شأنه أن يسمح باستمرار الاحتلال لفترة طويلة".

وبالفعل، يقول راز، إن "استغلال هذا ‘الوضع المريح‘ استدعى تنظيمًا دقيقًا لأساليب السيطرة العسكرية على الأراضي المحتلة، ولذلك أولى الجيش الإسرائيلي اهتماما كبيرا بتدريب وإعداد الوحدات والهيئات الإدارية التي ستسيطر مستقبلا على السكان الفلسطينيين". وشملت هذه المرحلة من الإعداد منح هذه الوحدات والهيئات "مسؤوليات واسعة النطاق: بدءا من القضايا القانونية المصاحبة لاحتلال الأراضي إلى جمع المعلومات الاستخبارية عن السكان والبنية التحتية في الضفة الغربية".

وذكر أن "في السنوات التي سبقت الاحتلال، برزت مخاوف بين ضباط الحكم العسكري داخل إسرائيل (في مناطق الـ48) بشأن تدريب وإعداد قيادات مستقبلية للحكم العسكري التي ستوكل لها مهمة إدارة المناطق المحتلة لاحقا". وشدد على أنه "إلى جانب العقيدة العسكرية التي تقضي بنقل المعارك المستقبلية إلى أراضي العدو، كانت هناك عقيدة (لدى الجيش الإسرائيلية) للسيطرة المدنية، بناءً على الوعي بأنه بعد الاحتلال سيكون هناك سكان مدنيون تحت السيطرة الإسرائيلية، الأمر الذي يولد الحاجة إلى هيئات عسكرية للتعامل مع هؤلاء السكان".

ولفت المقال إلى أن قائد الحكم العسكري، يهوشاع فربين، الذي وصف بأنه "صاحب خبرة واسعة في تشغيل آليات الإشراف والسيطرة على المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل"، لعب دورًا رئيسيًا في الاستعدادات لإدارة المناطق التي سيتم احتلالها. وفي كانون الأول/ ديسمبر 1958، واعترف فربين أمام لجنة وزارية اجتمعت لمناقشة مستقبل الحكم العسكري داخل إسرائيل: "لم أحدد بعد بنفسي ما الذي نفعله بهم (الفلسطينيون في مناطق المحتلة عام 1948)، نسيء لهم أم نفيدهم".

وفي الغرف المغلقة، حذّر فربين في حزيران/ يونيو 1965 قائده، حاييم بار-ليف، من أن إدارات وهيئات الحكم العسكري المعدة للسيطرة على الأراضي المحتلة ليست كفؤا للقيام بمهمتها المستقبلية. وشدد على أن "التقدم في هذا الشأن (إعداد هيئات إدارية عسكرية تُعنى بالشأن المدني في مناطق محتلة). يبدو أن هيئات الحكم في الأراضي المحتلة لن تكون مؤهلة لأداء واجباتها".

وأكد المقال على أن "إشراك قادة الحكم العسكري على الفلسطينيين مواطني إسرائيل في عملية التخطيط للسيطرة على مناطق محتلة مستقبلية كان مطلوبا. إذ شكل الإطار التنظيمي للحكم العسكري الذي تمت ممارسته على المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل، أساسًا للسيطرة على الأراضي المحتلة (عام 1967). في العام 1963، كانت لدى قيادة الحكم العسكري 15 عامًا من الخبرة في مراقبة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل والسيطرة عليهم من خلال نظام التصاريح الصارم".

وذكر راز أنه "من وجهة نظر عسكرية، كان من المنطقي أن تكون هذه الهيئة بمثابة نموذج لإدارة السيطرة على الأراضي التي سيتم احتلالها في الحرب القادمة". ولتوضيح مدى ارتباط إدارة الحكم العسكري في مناطق الـ48 بإدارة المناطق المحتلة عام 1967؛ لفت المقال إلى أن الوحدة التي أدارت الحكم العسكري بين عامي 1948 و1966، تحولت في الأشهر التي تلت حرب الأيام الستة "إدارة عسكرية وإدارة أمن مكاني"، وتحولت اليوم إلى ما بات يعرف "باسم آخر أكثر جاذبية: ‘منسق عمليات الحكومة في الأراضي المحتلة‘".