هآرتس بقلم: إسحق بريك - في هذا الشهر شاهد شعب إسرائيل سيناريو يزرع الرعب، وهو انهيار مفهوم قائم على الاعتماد على سلاح الجو في حروب قادمة. حاول إحياء هذه الرؤية في عملية “حارس الأسوار” جنرالات في الاحتياط، لعبوا دور “المحللين” في بعض الأحيان. في عملية بمشاركة معظم طائرات سلاح الجو، تم قصف بنى تحتية لحماس والجهاد الإسلامي في غزة ليل نهار. ورغم مئات الطلعات ومئات الطائرات ألقت آلاف القنابل الدقيقة التي تكلفتها مليارات الشواقل على منطقة مقلصة، لم ينجحوا في وقف إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون إلى أن دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. استمرت حماس والجهاد الإسلامي في إطلاق الصواريخ وكأن شيئاً لم يحدث من ناحيتهم، ويبدو أنه كان يمكنهم مواصلة ذلك لفترة طويلة.
لقد تحدثوا لسنوات عن سلاح الجو كذراع استراتيجي لإسرائيل. صحيح أن قوته بارزة أمام طائرات العدو، حيث هناك أفضليته واضحة، ولكن قدراته معدومة أمام القذائف، وبالتأكيد أمام الصواريخ. في السنوات الأخيرة، أهمل الجيش البري وتدهور، وهو الآن على وشك الاستهلاك، حيث ينظر لسلاح الجو على أنه جيش الدولة؛ هذا من خلال منطق مشوه يقول إنه يمكن الانتصار في حرب ومنع خسائر في الأرواح بمساعدة سلاح الجو وحده. الآن ندفع ثمناً باهظاً جداً بسبب ذلك.
أثبتت حماس صمودها وواصلت إطلاق الصواريخ حتى تحت هجوم غير مسبوق لسلاح الجو ومسه الشديد بالبنى التحتية في غزة وبجزء من قياداتها وبيوتهم. حماس لم ترتدع، والأيديولوجيا تعطيها الإلهام. وقد تسببت بشلل معظم الدولة طوال المعركة. وتسببت بأضرار اقتصادية تبلغ مليارات الدولارات، في أعقاب شل جزء كبير من اقتصاد الإنتاج. تكلفة آلاف القنابل الدقيقة التي ألقتها طائراتنا على أهداف في غزة، باهظة جداً.
حماس والجهاد الإسلامي جعلونا مهزلة عندما استمروا في إطلاق الصواريخ بدون توقف، بما في ذلك نحو “غوش دان”، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان بأنه سيكون من الصعب عليهم النهوض من الدمار الذي ألحقناه بهم (جميعنا نتذكر جيداً تصريحات مشابهة لرؤساء الدولة والجيش بعد عملية “الجرف الصامد”). قررت كل من حماس والجهاد بدء الإطلاق والتوقف. لذلك، فشل سلاح الجو فشلاً ذريعاً في مهمته الرئيسية وهي وقف إطلاق الصواريخ من غزة.
من ناحية حماس، الحديث يدور عن انتصار في المعركة وفي تبني توجه جديد وجريء. بسبب ذلك، تحصل حماس على تعاطف كبير من دول معادية لنا وفي أوساط عديدة في العالم. لم تمنعها الجولة الأخيرة، هي والجهاد الإسلامي، من الخروج إلى جولات أخرى، لأن طموحهم هو التسبب باشتعال إقليمي شامل، يشمل انتفاضة ثالثة في يهودا والسامرة وأعمال شغب بين العرب واليهود داخل إسرائيل، وجر حزب الله والمليشيات الشيعية في اليمن والعراق وسوريا إلى المعركة. من هنا تكون المسافة قصيرة إلى حرب إقليمية بإدارة إيران.
التداعيات مصيرية. خلافاً لغزة التي هي منطقة محدودة وصغيرة ومكتظة، فإنه وفي حرب متعددة الساحات، سيتم إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف على إسرائيل من مناطق واسعة ومن مسافات تبعد مئات الكيلومترات. إن حجم سلاح الجو لن يمكنه من القيام بهجوم في الوقت نفسه على مناطق واسعة كهذه، وحتى في الأماكن التي سيهاجمها هو، لا يستطيع وقف استمرار إطلاق الصواريخ والقذائف، مثلما لم ينجح في ذلك في الحرب الأخيرة. إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية سيستمر دون توقف من جميع الاتجاهات، من الشمال والجنوب والشرق. في كل يوم سيتم إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف على مراكز السكان وبنى تحتية وأهداف استراتيجية، وهي صواريخ قوة تدميرها أكبر بعشرات الأضعاف من صواريخ حماس. سيتم إطلاق صواريخ دقيقة تحمل رؤوساً متفجرة لمسافة مئات الكيلومترات (لدى حماس صواريخ ثابتة وغير دقيقة، أكبرها يحمل رأساً متفجراً بوزن 90 كغم، ولدى حزب الله صواريخ دقيقة مع رؤوس متفجرة بوزن 500 كغم وأكثر).
تخيلوا وابلاً من الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة الانتحارية وصواريخ كروز، التي يحمل جزء منها رؤوساً متفجرة بوزن مئات الكيلوغرامات والتي ستسقط على رؤوسنا بلا توقف. سيكون الدمار كبيراً، وهذا سيكلفنا آلاف القتلى والمصابين. إطلاق الصواريخ الدقيقة سيشل ويعيق طائراتنا بسبب الإصابة الدقيقة لمدرجات الإقلاع وأبراج المراقبة. في موازاة ذلك، سيكون هناك ضرب لمحطات الكهرباء التي ستتوقف، ومنشآت تحلية المياه وخزانات الوقود والغاز، والبنى التحتية الاقتصادية ومراكز التجمعات السكانية.
يمكن لأعدائنا أن يحاربوا مدة أسابيع وحتى أشهر بسبب مخزون السلاح الضخم الذي بحوزتهم، والذي يشمل 250 ألف صاروخ وقذيفة. وليس في أيدي إسرائيل مخزون كاف من الصواريخ ضد صواريخ أرض – أرض التي لدى العدو، بسبب تكلفتها الباهظة. وإذا لم يوقف سلاح الجو إطلاق حماس، فمن باب أولى أن لا يستطيع وقف إطلاق الصواريخ في حرب متعددة الجبهات في مساحات أوسع وأبعد. الكثير من صواريخ العدو تم تركيبها على منصات إطلاق متحركة، تغير مكانها بعد عملية الإطلاق ويصعب جداً تحديد موقعها وتدميرها. من نافل القول الإشارة إلى أن الكثير من هذه الصواريخ تم تخزينها عميقاً تحت الأرض.
تابع الإيرانيون وحزب الله، من كثب، ما حدث بيننا وبين حماس في هذا الشهر، وأدركوا أن ليس لإسرائيل أي رد على الصواريخ. في الحقيقة، إسرائيل غير مستعدة تماماً لحرب كهذه، ولا تتعامل بجدية مع الاستعداد لها حتى يومنا هذا.
بعد الجولة الأخيرة، واجب على القيادتين السياسية والأمنية ألا تعرضا على شعب إسرائيل صورة انتصار ليس بينها وبين الواقع البائس الذي نقف أمامه أي علاقة. وعلى زعمائنا الاستيقاظ والدخول فوراً إلى محادثات طوارئ واتخاذ قرارات للإعداد لحرب متعددة الساحات وبلورة نظرية أمنية محدثة. في البداية، يجب إلغاء تقصير مدة الخدمة للرجال، ويجب تدريب الاحتياط وتحقيق توازن مناسب بين أذرع الجيش، البرية والجوية والبحرية. يجب إقامة سلاح لصواريخ أرض – أرض هجومية لحماية سلاح الجو، وتطوير بسرعة ليزر قوي في إطار مشروع وطني. يجب أن نحسن من الأساس الثقافة التنظيمية والإدارية والقيادية المعيبة للجيش، وإعداد الجبهة الداخلية وإدارتها في حالات الطوارئ.
إذا لم يتم عمل ذلك، فيتوقع حدوث كارثة ستسجل على مر الأجيال، حرب ستؤدي إلى تهديد على وجودنا وحياتنا في دولة إسرائيل. المسؤولية تقع على المستوى الأمني والسياسي، لكن الخلاص لن يأتي دون أن يستخدم الجمهور ضغطاً مكثفاً لإجراء تغيير في النظرية وفي المقاربة وفي تحمل المسؤولية.
إسحاق بريك/اللواء (احتياط) بريك كان قائد الكليات العسكرية وقائد الفيلق ، ومفوض قبول الجنود في جيش العدو الإسرائيلي