هآرتس - بقلم: جاكي خوري "قبل سنة بالضبط، عندما انتشر وباء كورونا، ازداد النقاش في المجتمع العربي حول الفيروس. هل يدور الحديث حقاً عن وباء أم أنها مؤامرة، وتم طرح تساؤلات وانزلق الخطاب عبر الشبكات الاجتماعية إلى نظريات مؤامرة مخيفة ومسلية أيضاً.
في الوقت نفسه، كان في أوساط الجمهور بشكل عام وأوساط المجتمع العربي بشكل خاص من طوروا وهماً آخر إيجابياً ومشجعاً، أساسه الواقعي صحيح، وهو أن الفيروس لا يفرق بين العرب واليهود ولا يوقفه جدار الفصل أو الحواجز. حكم الناصرة ونابلس مثل حكم تل أبيب. أطباء ومختصون عرب تميزوا في أقسامهم، وطواقم طبية ومختبرات، من يهود وعرب، شعروا بالتضامن الذي انحرف عن التوازن أحياناً.
ازدهرت أجواء مختلفة ومنعشة وإيجابية في الدولة، وثمة مختصون بلكنة عربية تم استدعاؤهم إلى الاستوديوهات، وانكشف الجمهور على أسماء جديدة لمديري أقسام عرب. ظهرت مشاهد نادرة في المجتمع العربي، وجنود في القرى العربية يحملون طرود مساعدة لكبار السن. محافظون في المجتمع العربي خافوا: ما لم ينجح عن طريق البنادق هل سينجح عن طريق طرود المساعدة؟ وهل سيسقط المجتمع العربي في أحضان الجيش؟
استغل السياسيون الفرصة. فزار نفتالي بينيت كفر قاسم والطيبة، وتحدث عن الحاجة إلى التجند والتعاون في مكافحة كورونا. كما أن رئيس الحكومة أدرك فرصة: من ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في 2015 لم يعودوا يخيفونه، بل العكس: لقد زار أم الفحم والناصرة والطيرة وعرعرة في النقب. بل وتحدث باللغة العربية: “روحوا اطّعموا”، كرر هذه الجملة. في عرعرة الموجودة في النقب، استقبله عدد من السكان بشكل احتفالي: “أبو يئير، تعال واشرب القهوة”، هتفوا. هذا المصطلح أسعده، وكانت هناك لافتات كبيرة كتب عليها “أبو يئير”، بدأت تظهر في القرى العربية، خصوصاً عشية الانتخابات الأخيرة.
اندفع إلى وعي الإسرائيليين أيضاً لاعب جديد للملعب السياسي وهو رئيس “راعم”، عضو الكنيست منصور عباس. “لست في جيب أي أحد”، قال. وفي ظل غياب أغلبية يهودية، فقد اعتبره اليمين المخلّص. سيطرت النشوة أيضاً على وسائل الإعلام، وانتقل منصور عباس من استوديو إلى آخر في زمن ذروة المشاهدة، وتحدث إلى الجمهور الإسرائيلي في الثامنة مساء، في الوقت الذي كان فيه قادة القائمة المشتركة واليسار الصهيوني يحلمون بدقائق ثمينة كهذه من البث. “لي حلم”، قال ذات يوم مارتن لوثر كينغ، وها هو الحلم يتحقق: إلى أين سيذهب عباس؟ ولمن سيعطي صوته؟ وما هي الحكومة التي ستكون برعاية العرب؟ بعد ذلك، عندما كان كل شيء قريباً، حدث الانفجار. أربع عائلات فلسطينية في الشيخ جراح نجحت، بمساعدة نشطاء ميدانيين وبمساعدة الشبكات الاجتماعية، في نقل رسالة: في الوقت الذي تحلمون فيه بتغيير استراتيجي في الساحة السياسية والاجتماعية، ها نحن نناضل من أجل بقائنا في بيوتنا. بعد ذلك، عند بداية شهر رمضان، تم منع شباب القدس العرب من الجلوس على درج باب العامود، وفجأة تحول الدرج إلى ذخر استراتيجي. استوعب اليمين المتطرف الإمكانية الكامنة، وهي أن التجمع هناك يعدّ رمزاً للسيادة، وإلى حين استيقظ المفتش العام للشرطة ثم أزال الحواجز كان الوقت بدا متأخراً.
الهجوم على غزة زاد الغضب والإحباط. المدن المختلطة التي يعتبر سكانها مهووسين في المجتمع العربي لم يبقوا صامتين. كل شيء اشتعل، وقوة الغضب كانت أكبر مما كانت في تشرين الأول 2000، فقد خرج الكثير من الشباب إلى الشوارع ولم ينتظروا أي زعيم. خرجوا ليقولوا كفى للإهانة وكفى للقمع، لسنا اللا مبالين، نحن مواطنون متساوون، لسنا عرب إسرائيل نحن فلسطينيون من مواطني إسرائيل. ما كان قبل شهر يبدو حلماً وردياً للشراكة والتأثير، ها هو يتلاشى في لحظة. وصل يهود وعرب إلى خط المواجهة، وكانت الاستوديوهات غارقة بالكراهية، وتم استدعاء عدد من العرب اللطيفين للتحدث باللغة العبرية والقول بوجوب الحفاظ على الاتزان، ووجدوا أنفسهم يشرحون ويدافعون باسم التناظر المرضي. في غزة قصفوا، وفي “سديروت” وفي “بات يم” فتكوا بعربي، وأطلقوا النار على شخص آخر في اللد. في عكا أيضاً تمت مهاجمة يهودي. الكل متناظر. الصاروخ البدائي لحماس أمام صاروخ اف16، الموجه لإسرائيل، هذا هو الميزان وهكذا يجب أن يكون. الأساس هو أن على العربي ألا يفكر بمفاهيم المساواة الحقيقية.
في الواقع، كان العرب وحدهم في المعركة تقريباً. معظم اليسار والوسط انحاز للنزعة العسكرية ورفض الوقوف ضد العدوان والحرب. منظمات المجتمع المدني التي ينبع حقها في الوجود من التعايش، كانت نوعاً من الزينة اللطيفة في الخلفية، لكنها لم تنجح في تحدي أي نظام سياسي وإعلامي. وتبين بعد عشرات السنين أن إسرائيل تفتقد حتى الآن حصانة اجتماعية يهودية – عربية.
الجميع الآن يحاولون التحدث عن إعادة التأهيل. ولكن الحقيقة أن ليس هناك حل للمسألة سوى إنهاء الاحتلال والدفع قدماً بتسوية تتسرب نتائجها إلى داخل إسرائيل أيضاً، حينئذ قد يتغير شيء ما بصورة عميقة. في هذه الأثناء سنعيش من وهم إلى آخر، إلى أن ينفجر الواقع أمام أعيننا مرة أخرى.