قصفُ الأبراجِ وتدميرُ المباني السكنيةِ

صورٌ ومشاهدٌ من معركة سيف القدس "8"

الأحد 16 مايو 2021 02:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
صورٌ ومشاهدٌ من معركة سيف القدس "8"



بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

هنادي والشروق والندى والجلاء والجوهرة، خمسة أبراجٍ سكنيةٍ ضخمة، عالية شاهقة، تتوسط مدينة غزة وترتفع في سمائها، قريباً من المناطق السكنية المكتظة، تتكون من عشرة طوابق وأكثر، وتتميز فيها عن غيرها من المباني السكنية وتفخر، تسكنها عشرات العائلات ومئات المواطنين، وفيها مكاتب إعلامية وهندسية، وعيادات طبية وصحية، ومراكز تسوق ومقراتٍ تجاريةٍ، وشقق سكنية كثيرة يسكنها فلسطينيون وأجانب، ولا يوجد فيها مكاتب قيادية ولا مراكز عسكرية، ولا مخازن سلاح أو مقرات تدريب، ولا مراكز تحكم أو سيطرة، ورغم ذلك فقد قصفها جيش العدو بعشرات الصواريخ، فأحالها في دقائق معدودة إلى ركامٍ وحطامٍ.

يستخدم العدو الصهيوني في قصفه للأبراج السكنية العالية صواريخ ضخمة، وقنابل شديدة التفجير، مخصصة لتدمير المباني العالية والمنشآت الضخمة، وتستطيع في لحظاتٍ تقويض المباني مهما علت، وتدميرها مهما كانت قوية، وإحالتها إلى ركام مهما كبرت، وتصدر الصواريخ المستخدمة أصواتاً مرعبةً، وتحدث ارتجاجاً في الأرض كبيراً، وتثير غباراً كثيفاً، وتتسبب في اشتعال حرائق كبيرة، تتصاعد ألسنة لهبها عالياً، وتنتشر سحائب الدخان بعيداً، وتؤدي إلى تخريب شبكات الهاتف والكهرباء، ما يؤدي إلى انقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة من القطاع.

لا تقتصر الأضرار المادية على الأبراج المستهدفة فقط، فهي لا تسقط وحدها، بل قد تسقط معها المباني المجاورة، أو يلحق بها ضررٌ كبيرٌ، وتصبح آيلة للسقوط بسهولةٍ، ولا تعود صالحة للسكن والإقامة، إذ تتصدع جدرانها وتتزعزع قواعدها نتيجة للارتجاجات الضخمة، التي تحدثها الصواريخ الفتاكة والقنابل المدمرة في الأرض، وغالباً ما يترك السكان المباني المجاورة، ولا يعودون للإقامة فيها، إذ يلزم ترميمها أو هدمها من أساسها لمنع سقوطها على المواطنين.

يَدَّعي الإسرائيليون أنهم لا يستهدفون المدنيين، ولا يتعمدون قتلهم أو إلحاق الضرر بهم، ولهذا فهم يحذرون القاطنين الفلسطينيين، وينبهون السكان المجاورين للبرج قبل قصفه، إذ يطلقون على البرج المقصود عدداً من الصواريخ التحذيرية، أو يقومون بالاتصال بملاك الأبراج أو أحد سكانها، ويطلبون منهم المغادرة، ويمنحونهم دقائق معدودة لا تزيد في أحسن أحوالها عن خمسة دقائق، لا تكفي لنزول السكان من الطابق العليا، خاصةً في ظل انقطاع الكهرباء، وعدم وجود مصاعد أو تعذر استخدامها، فضلاً عن حالة التدافع والعجلة في ظل الخوف، الأمر الذي يتسبب في سقوط الكثير من الضحايا، علماً أن جيش العدو لا يعمد دائماً إلى التحذير، رغم قصر مدة التحذير.

يتعمد العدو الإسرائيلي استهداف المباني السكنية الشاهقة المتعددة الطوابق، المأهولة بالسكان والعامرة بالمكاتب المدنية المختلفة التخصصات، ضمن خطةٍ مدروسةٍ بعنايةٍ ومعدةٍ بدقةٍ بصورةٍ مسبقةٍ، في محاولةٍ منه لتحقيق عددٍ من الأهداف، فهو يريد بث الرعب والخوف في صفوف الفلسطينيين، ليضعف روحهم المعنوية،  ويدفعهم للانفضاض من حول المقاومة والابتعاد عنها، أو انتقادها والشكوى منها، حيث أن تماسك الجبهة الداخلية والتفافها حول المقاومة يمكنها من الصمود والثبات.

كما يعمل العدو على زيادة كلفة المقاومة، وتكبيد الشعب الفلسطيني خسائر فادحة لا يقوى على احتمالها، ولا يستطيع الصمود أمامها طويلاً، خاصةً أن الأبراج المدمرة حديثة البناء، ولا يزيد عمر أقدمها عن خمسة عشر عاماً، وقد تكلف بناءها وتجهيزها مبالغ ضخمة جداً، وفيها مراكز تسوق ومعارض ومحلات تجارية، مليئة بالبضائع والمعدات والمواد الغذائية وغيرها، وتعود ملكية شققها وعقاراتها إلى عوائل فلسطينية أنفقت جُلَّ مدخراتها في شرائها وتأسيسها وتأثيثها، وبعد القصف تتشرد وتصبح في العراء، بلا مأوى ولا مسكن، خاصةً في ظل ندرة المساكن وقلة الشقق بسبب القصف والتدمير الأعمى المتوالي.

يخطئ العدو الإسرائيلي إذا ظن أن ممارساته الهمجية، وعدوانه الوحشي، وعملياته المستمرة ضد الأهداف المدنية، ومحاولاته التفريق بين فئات الشعب، تستطيع أن تخضع المقاومة أو أن تضعفها، أو تجبرها على الخضوع والخنوع، والاستسلام والقبول بالشروط الإسرائيلية، ولعل حروبه السابقة وعدوانه الماضي، يؤكد له أن الشعب الفلسطيني أصبر على الأذى، وأحمل للعدوان، وأقدر على الثبات، وأن شعاره الخالد، هيهات منا الذلة، حتى نحقق أهدافنا، ونحرر أرضنا، ونعود إلى وطننا.

يتبع....