تساءل المعلق تشارلس بلو في صحيفة “نيويورك تايمز” إن كانت أمريكا دولة عنصرية؟ والجواب نعم. وأشار إلى تصريحات السناتور الجمهوري عن ساوث كارولينا ليندزي غراهام لشبكة “فوكس نيوز” يوم الأحد “أنظمتنا ليست عنصرية وأمريكا ليست بلدا عنصريا“، حيث انضم إلى قائمة من الجمهوريين الذين نفوا وجود العنصرية المنظمة في أمريكا. وجادل غراهام أن البلد لا يمكن أن يكون عنصريا لأنه انتخب جو بايدن رئيسا وكامالا هارئيس نائبة للرئيس، وكونهما استطاعا تخطي العقبات العنصرية يثبت عدم وجود معوقات عنصرية.
وفي رد على خطاب الرئيس بايدن للجلسة المشتركة في الكونغرس، ردد تيم سكوت، السناتور الآخر عن ساوث كارولينا، الجمهوري الأسود الوحيد في مجلس الشيوخ، كلام غراهام مثل الببغاء ومعتذرا عن منكري العنصرية، وقال إن البلد لم يكن عنصريا وإن الناس “يحصلون على المال والسلطة من خلال التظاهر بأننا لم نحقق تقدما والتركيز على الانقسامات التي عملنا جهدنا لرأبها”. ولكن كلامه يترك الباب مفتوحا أن أمريكا ربما كانت بلدا عنصريا ونضجت وأصبحت دولة مساواة.
ويرى أن كلام سكوت لا يعول عليه، فهو نفسه الذي قال في آذار/مارس إن موجة التصحيح السياسي الجديدة مهما كانت “فهي أسوأ من التفوق العرقي الأبيض”. ولا يوجد عالم يمكن مقارنة جهود التنوير الأخيرة بالسحل والقتل والاعتقالات الجماعية. ويقول إن هناك قدرا من الخداع يتعلق بسؤال العنصرية المرتبط أصلا باللغة والذي يدور حول “ماذا تعني لك أمريكا؟ فهل أمريكا هي الناس الذين يسكنون على الأرض ومنفصلون عن تاريخها؟ إن معنى أمريكا شامل لتلك الأنظمة والتاريخ؟” وعندما يقول الناس إن أمريكا بلد عنصري فهم لا يعنون أن كل الأمريكيين أو معظمهم عنصريون بشكل واع.
ومن المهم تذكر أن نصف البلد صوت للعنصري دونالد ترامب، وفعل هذا إما من خلال إنكار عنصريته أو أصبح معتذرا عنه أو مصفقا لها. وماذا تطلق على بلد فيه أناس كهؤلاء؟ ومن الناحية التاريخية فلا مجال للشك للقول إن البلد قام على أساس عنصري والتفوق العرقي الأبيض وإن معظم ثروة البلد الأولى بنيت على أكتاف العبيد من أفريقيا، كما أن معظم التوسع في البداية قام على مذابح السكان الأصليين للبلد وخرق المعاهدات معهم. وثمانية من عشرة رؤساء أمريكيين كان لديهم عبيد. ففي 1856 كتب القاضي الأكبر في المحكمة العليا عن حالة دريد سكوت والذي نشر كلامه عام 1857 وجاء فيه أن السكان السود “نظر إليهم وعلى مدى قرن أنهم في درجة متدنية ولا يصلحون جميعا للارتباط بالعرق الأبيض، سواء في علاقات اجتماعية أو سياسية وهم في حالة متدنية، وعليه فلا حقوق لهم على الرجل الأبيض احترامها”. ودخل البلد الحرب الأهلية حول موضوع حفاظ بعض الولايات على نظام العبودية، وحتى من دعوا وقاتلوا من أجل نهاية العبودية عبروا عن مواقف تظهر تفوقهم العرقي.
وفي نقاشه الشهير مع ستيفن دوغلاس عام 1858 قال أبراهام لينكولن إنه بين البيض والسود يجب أن يكون هناك موقع المتفوق والأقل شأنا. وأنا، مثل أي شخص آخر مع تحديد موقع الرجل المتفوق للرجل الأبيض”. وربما حاول البعض التركيز على التقدم، ضد ما كان وما هو الآن وأن العنصرية ليست موجودة كما في الماضي و”أنا قد أوافق، فقد تطورت العنصرية الأمريكية وأصبحت أقل وقاحة ولكنها لم تعد أقل فاعلية، فقد تم شحذ السكين. والأنظمة هي التي تقوم بالعمل الواضح الذي كان يقوم به أفراد عنصريون”. وماذا يعني أن يكون النظام عنصريا؟ فهل يجب أن يكون النظام عنصريا بشكل واضح من القمة للأسفل أم أن هناك درجة من التحيز المتجسدة في النظام؟ ويميل الكاتب إلى الموقف الأخير. صحيح أن أمريكا لم تعد البلد الذي كانت عليه في الماضي ولكنها ليست البلد الذي تزعم أنها هو.
وبعبارة أخرى هناك توتر بين مثال أمريكا والواقع الأمريكي وبين الطموح والظرف الحالي. والطريقة التي نصيغ فيها التصريحات تترك أثرا، فالأنظمة التعليمية والقضائية والطبية متحيزة للبيض ومعادية للسود وهناك نسبة عالية من الأمريكيين تنفي التحيز أو تدافع عنه. وكما قال مارك توين “الفرق بين الكلمة الصحيحة تقريبا والكلمة الصحيحة هي موضوع كبير” وهو الفرق بين “حشرة البرق والبرق نفسه”. وعندما يتم الحديث بدون دقة أو بدون موقف واضح فإن هذا يزيد من الغموض لسؤال: هل أمريكا عنصرية أم لا وهو سؤال من الصعب الإجابة عليه لو كان الهدف هو النقاش الصادق والفكري. وأن تقول إن أمريكا عنصرية، فهذا لا يعني العنصرية لو كان الغرض الشرح أو التعريف، ولكن الحقيقة لا تتغير في النهاية.