مازال الحديث يدور حول تأجيل الانتخابات الفلسطينية التي باتت أمراً واقعاً قد يتم الإعلان عنه في أقرب وقت ممكن، فيما تبقى أن يجد رئيس السلطة مخرج آمن بأقل الخسائر لهذه الخطوة.
وعلى الرغم من خطورة الخطوة التي قد تثبت الوضع الداخلي المفتت لحركة فتح، وصعود قوي لحركة حماس، إلا أن موقف الاتحاد الأوروبي يدعو للتفكير مجدداً في عدم تأجيلها.
وقد كشفت مصادر في حركة «فتح»، أن المناقشات التي جرت أخيراً في «اللجنة المركزية» للحركة و«اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير» وضعت مسارَين أمام رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.
ويتمثل المسارين وفق حديث المصادر لـ"الأخبار اللبنانية": الأول هو الاستمرار في الانتخابات مع مواصلة الجهود الديبلوماسية، خاصة مع الأوروبيين، لدفع الاحتلال الإسرائيلي إلى السماح بإجراء الانتخابات شرقيّ القدس، وتحويل يوم التصويت في القدس إلى «مواجهات شعبية شاملة ضدّ الاحتلال»، والثاني إلغاء الانتخابات أو تأجيلها والنزول عن الشجرة نتيجة الوضع الداخلي المتشظّي لـ«فتح»، وفرص «حماس» المتزايدة في تحقيق فوز كبير.
وتقول المصادر إنه لم يتمّ اتّخاذ قرار رسمي خلال اجتماعَي اللجنتَين، مع أن هناك شبه إجماع داخل «المركزية» على تأجيل الانتخابات مع العمل على تلافي الآثار السلبية لذلك، خاصة ألّا يكون هناك موقف معادٍ من الاتحاد الأوروبي الذي يضغط لإتمام الانتخابات كشرط أساسي لاستمرار الدعم المالي للسلطة.
وتخشى أطراف مقرّبة من عباس أن تكون لقرار الإلغاء تداعيات صعبة، بما فيها احتجاجات ضدّ الرئيس وشرعيّته في الضفة المحتلّة، الأمر الذي سيزيد الضغط الأوروبي عليه، وسيُشكل تهديداً لمكانة السلطة في تمثيل الفلسطينيين.
وحتى اللحظة، لم تحصل رام الله على موقف واضح من الاتحاد الأوروبي الذي يؤيّد إجراء الانتخابات بقوة، فيما أعلن وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسيلبورن، أن موضوع الانتخابات سيُطرح في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد المقرّر في العاشر من الشهر الجاري.
ووفق مستشار عباس، نبيل أبو ردينة، فإن «الأوروبيين متحمّسون، لكنهم غير قادرين على فرض رأيهم على إسرائيل (بشأن إجراء الانتخابات في القدس)، والإدارة الأميركية لم تعطِ رأيها». ولفت أبو ردينة إلى أن «إسرائيل لا تريد... التنازل عمّا أعطاها ترامب من مكاسب غير قانونية وغير دستورية» في المدينة المحتلّة.
وتخشى «فتح» من أن تتّفق «حماس» والأطراف «الفتحاوية» المتخاصمة مع عباس، وبخاصة قائمة مروان البرغوثي وناصر القدوة وأيضاً قائمة محمد دحلان، على تصوير عباس على أنه السبب الرئيس في الانقسام، وتقديم تأجيل الانتخابات على أنه إفساد للوحدة الوطنية وممارسة الديمقراطية، الأمر الذي سيُعقّد موقفه وتحرّكاته في المنطقة وأمام الإدارة الأميركية الجديدة، التي يرى أن الانتخابات مدخل لتحسين العلاقات معها.
وضمن الهواجس أيضاً، تخاف أطراف داخل «فتح» من أن يعجّل تأجيل الانتخابات من سيناريوات صراع الخلافة بعد عباس (85 عاماً)، ما سيؤدي إلى مزيد من التفتّت والخلافات، وسيضع الحركة أمام تحديّات خطيرة على المستوى السياسي الداخلي في اليوم التالي لوفاة «أبو مازن».
لذلك، يرى بعض الشخصيات، مثل عضو «المركزية» جبريل الرجوب، أن الانتخابات تمثّل طوق نجاة لـ«فتح»، مقابل سيناريو أسوأ من خسارة الانتخابات، وهو اليوم التالي بعد رئيس السلطة، خاصة أنه لن يكون هناك اتفاق داخل «فتح» على خليفة له، ما قد يؤدي إلى خسارتها منصب رئيس السلطة.
يتقاطع مع ما سبق تأكيد مسؤولين في السلطة للاحتلال أن توجّهات تأجيل الانتخابات تزداد يوماً بعد يوم، وأن التفكير الحالي ينصبّ على تبعات إلغاء الانتخابات على الوضعَين السياسي والميداني في الضفة، واحتمال اهتزاز صورة السلطة.
ونقل موقع «والّا» عن مصادر إسرائيلية وفلسطينية أن «من المرجّح جداً أن يعلن أبو مازن تأجيل الانتخابات في غضون أيام»، فيما نقلت قناة «كان» العبرية عن «مسؤول كبير في السلطة» أن «هناك نية للتأجيل بنسبة 90%... أبو مازن لم يتّخذ القرار بعد، لكن الضغط عليه من محيطه المباشر يتزايد».
أيضاً، كشفت مصادر عبرية أن المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية أجرت مباحثات حول مؤشّرات إلغاء الانتخابات، وبناءً على التقييمات، وابتداءً من الأسبوع المقبل، «سيرفع الجيش مستوى التأهّب في القيادة الوسطى، وقد وافق رئيس الأركان على إجراءات لسيناريوات متطرّفة، وسط مخاوف من اندلاع أعمال عنف في مناطق السلطة ومظاهرات من شأنها أن تتطوّر إلى عمليات ضدّ إسرائيل نتيجة خيبة أمل الشارع الفلسطيني». كما لم يستبعد مسؤولون عسكريون كبار احتمال إطلاق صواريخ من قطاع غزة.
ويأتي هذا التقدير الإسرائيلي بعدما كشفت وسائل إعلام عبرية، بينها صحيفة «هآرتس»، أن مسؤولين إسرائيليين حذروا رئيس السلطة من خسارة الانتخابات التشريعية المقرّر إجراؤها الشهر المقبل، وإيصال «حماس» إلى مكان أفضل في السلطة، مشيرةً إلى أن كبار المسؤولين الفلسطينيين «بدؤوا استكشاف إمكانية أن تنقذهم إسرائيل من هذا الفخّ عبر أزمة مضخّمة بشأن التصويت في القدس».
وطبقاً لعضو «التنفيذية» أحمد مجدلاني، المقرّب من عباس، «ستعقد القيادة لقاءً موسّعاً خلال الأيام القليلة المقبلة، برئاسة عباس، لإجراء تقييم معمّق ودقيق للوضع، يليه بحث الخيارات أمام القيادة لاتخاذ اللازم».
وأضاف مجدلاني أن «المشاورات متواصلة مع الفصائل وبعض القوائم الانتخابية لبلورة موقف إجماع وطني يرفض الانتخابات بلا القدس، لأن إجراءها دونها يعني التسليم بصفقة القرن، وبشرعية ضمّها واعتبارها عاصمة لإسرائيل».