هآرتس - بقلم: نير حسون "اعتقلت الشرطة الليلة الماضية ستة مشبوهين بمهاجمة عابري سبيل في مركز القدس. وحسب عدة شهادات لأشخاص كانوا في المكان، توجه المشتبه فيهم نحو أشخاص في الشارع ووجهوا أسئلة مختلفة بهدف معرفة ما إذا كانوا يتحدثون اللغة العبرية أو العربية. وعندها هاجموا من اعتقدوا أنه عربي. إلى جانب ذلك، تجول عشرات الشبان في مركز المدينة ليلاً وهتفوا “الموت للعرب”.
“كنت في ناد ليلي، مرت مجموعة مكونة من 60 شخصاً تهتف: اليهودي هو الروح، والعربي ابن زانية”، قال يوفال أبراهام للصحيفة. “مشيت خلفهم، ذهبوا إلى شارع يافا، وفي هذه المرحلة لم يكن معهم رجال شرطة. وبحثوا في شارع يافا عن عرب، وصرخ أحدهم “هناك عربي”، وركض الجميع خلفه. عندها جاءت سيارة للشرطة، وركض خلفهم عدد من رجال الشرطة”.
حسب أقوال أبراهام: “كانت هناك امرأة مع المهاجمين، قالت: ألقوا القبض على ثمانية من العرب. وتبجحت بأنهم أوشكوا على قتل أحدهم”. وأضاف بأنه سمع شخصاً آخر يقول إنه ضرب رأس عربي بالحجارة.
في منطقة باب العامود في البلدة القديمة بالقدس،تم الحفاظ على الهدوء للمرة الأولى منذ أسبوع. قام رجال الشرطة بتفريق تجمعات في المكان بواسطة الفرسان وقوات كبيرة، ولكن لم تسجل أحداث استثنائية. في الأسبوع الماضي، كان هناك الكثير من حالات رشق الحجارة وعدد من حالات مهاجمة المارة في منطقة باب العامود. أمس، اعتقلت الشرطة شاباً فلسطينياً قام بتصوير نفسه وهو يصب كأس قهوة على يهودي يمر في المكان. ومن جهة أخرى، نشرت أفلام فيديو عن أعمال عنف غير واضحة للشرطة. ثمة صحافية كانت تقف وحيدة، أصيبت بغاز رشه عليها شرطي سري كان يضرب معتقلاً ملقى على الأرض، وضابط كان يضرب معتقلاً على مدخل محطة الشرطة، وفرسان على الخيول ينطلقون وقنابل صوت تنفجر. هي أفلام تولد الانطباع بأنها منطقة حرب عنيفة وخطيرة، لكن الواقع، لا سيما في القدس، معقد أكثر.
أول أمس، كانت هناك مواجهات بين مئات الشباب الفلسطينيين وعشرات رجال الشرطة المسلحين بأجهزة رش الغاز وقنابل الصوت وفرسان حول منطقة باب العامود. أحد الصحافيين الذين كانوا في المكان لم يشاهد رشق حجارة على رجال الشرطة، ووقف الشباب حول محطة الشرطة وهتفوا “الله أكبر” وطلبوا إزالة الحواجز التي تغلق الدرج المؤدي إلى باب العامود. وردت الشرطة بقوة وأرسلت السيارات التي تحمل خراطيم المياه والفرسان لتفريق الجمهور الذي ركض نحو الشوارع القريبة.
في نهاية المواجهة، تم اعتقال خمسة أشخاص، منهم اثنان عن طريق استخدام العنف من قبل رجال الشرطة. أثناء المواجهة وبين جولات رش المياه العادمة، امتلأت بها الشوارع التي تستخدمها العائلات العربية الخارجة للتنزه بعد وجبة الإفطار والصلاة نحو باب العامود. ثمة مقهى كان يبث مباراة كرة قدم على شاشة كبيرة، وفي الخلفية قام فرسان بتفريق مجموعة من الشباب، وكان والمشاهدون يعطون معظم الاهتمام للمباراة ولم يعطوا أي اهتمام لما كان يحدث خلفهم.
باب العامود هو البوابة الأجمل من بين بوابات سور القدس. والساحة التي أمامه هي نوع من المسرح الذي يتكون من درج يهبط من شارع السلطان سليمان نحو البوابة. الساحة والدرج هما ميدان المدينة، وأل التعريف لشرقي القدس. أهميتها الرمزية في روح “الفلسطينيين سكان القدس” لا تقل عن أهمية المسجد الأقصى. في موجة الإصابات في 2014 و2015 كان هناك في الميدان وفي الشوارع المجاورة له عشرات عمليات الطعن وإطلاق النار. ورغم أن هناك أماكن يكون فيها الإسرائيليون أكثر تعرضًا للإصابة وأضعف حماية من قبل الشرطة، كان منفذو العمليات يختارون هذا الميدان لطعن شرطي أو عابر سبيل هناك.
يبدو أن هذا الإدراك لأهمية الساحة في نظر الفلسطينيين لم يدركه من اتخذ قرار إغلاق الدرج بالحواجز وبصورة لا تسمح بالجلوس عليه في شهر رمضان. هذه الحواجز سمحت ببقاء ممرين ضيقين لمن سيأتون إلى البلدة القديمة. وفسرت الشرطة ذلك بالحاجة الأمنية للاهتمام بمرور سليم للآلاف الذين يأتون في كل مساء للصلاة في المسجد الأقصى. ولكنهم لم يعللوا حادثة تجمع مشابه لمسيرة الأعلام السنوية التي يتدفق فيها عشرات آلاف اليهود عبر الباب في زمن قصير، أليست هناك حاجة إلى إغلاق الدرج؟
في نظر مئات الشباب الفلسطينيين الذين يتجمعون كل مساء في الشوارع المحيطة بالميدان، يرمز إغلاق الدرج إلى الإهانة وسيطرة إسرائيل على تقاليد شهر رمضان وعلى الفضاء الفلسطيني في المدينة. “افتحوا الحواجز”، صرخوا أمس على رجال الشرطة، إلى جانب هتافات “الله أكبر”. أما الشرطة من ناحيتها فقد عززت القوات، وتمركزت بقوات كبيرة. في المساء، حاول مازن السلايمة، أحد المراقبين في سوق رمضان، منع تدهور الوضع. أعطوه رجال الشرطة مكبر صوت، ودعا الشباب للتفرق. وفي المقابل، وعد بأن تقوم الشرطة بفتح الحواجز الموجودة على الدرج صباح أمس، ولكنه أمر لم يحدث. لم يتأثر الشباب بأقواله، وبدأت الشرطة بتفريقهم بعد بضع دقائق.
في الوقت الذي استمر فيه التفريق، جاء إلى المكان أعضاء قائمة “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار غبير. أما قائد منطقة “كيدم”، العميد شرطة شموئيل مرتسيانو، فكان عليه أن يشرح ويبرر، مدة دقائق طويلة، لأعضاء الكنيست الذين طلبوا تفسيرات لأفلام “تيك توك” القصيرة التي وثقت أعمال العنف. وهو بدوره، وعد بالتحقيق في جميع الحوادث، وسيعتقل من نفذوا ومن قاموا بتصوير ونشر هذه الأفلام. تجمع حوله عشرات نشطاء اليمين، وبدأوا يغنون “ذكروني من فضلكم” بشكل استفزازي، وهي أغنية الثأر المشهورة التي تنتهي بالكلمات التالية: “سأنتقم من الفلسطينيين، محا الله اسمهم”.