تعود جذور الفتنة «الأردنية» الأخيرة وفقاً للرواية المكتومة في غرفة العمليات حتى الآن وقبل الانتقال الى تحقيق نيابة محكمة أمن الدولة الى مرحلة متأخرة قليلا في بداية شهر أيار/ مايو من العام 2020. آنذاك وبعد انتهاء فترة الإغلاق الشامل بسبب فيروس كورونا كانت السلطات تراقب لمصلحة تثبيت الاستقرار «3» شخصيات أساسية في مخطط الفتنة ولكن لأسباب متنوعة.
زيارات ومجاملات ولي العهد الأسبق الأمير حمزة بن الحسين مع مطلع شهر أيار العام الماضي كانت قيد الرصد والسبب أن لقاءات الأمير وقد أحصي هنا قبل نهاية العام 65 لقاءً مع نخب عشائرية كانت تسير وفقاً للرصد الأمني باتجاهات «خارج مألوف التقاليد الأردنية» حيث انتقادات بالجملة أمام الأمير للوضع العام ولأداء الدولة شكلت مناسبة لرفع السقف فيما كان الأمير يصمت على هذه الانتقادات ولا يرد عليها ولا يدعو لتخفيف تشنجاتها. سجلت ملاحظات بالجملة على هذه المجاملات مع بعض أبناء العشائر في المستوى الأمني.
ولوحظ أن الرقابة الأمنية تسلطت على شخصية ثانية محورية في مسار سيناريو الفتنة وهو الشريف حسن بن زيد وقد كان الشريف وهو رجل أعمال متوسط يكثر بدوره من الانتقاد ويتقرب بقوة من الأمير حمزة ويشعر بالسخط على أساس أن عائلته وبينها شهداء لصالح الدولة لم تنصف ويتم إبعادها. وحسب السيناريو الذي سيقدم للنيابة على الأرجح بدأ الشريف بن زيد يقترح وينظم لقاءات للأمير حمزة مع أوساط عشائرية في محيط العاصمة عمان وفي محافظة البلقاء وعند قبيلة الحويطات وغيرها من القبائل.
سببان لمراقبة عوض الله
حتى تلك اللحظة كان الدكتور باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي الاسبق قيد المراقبة والمتابعة أيضاً ولكن لسببين حسب السيناريو لا علاقة لهما بموضوعات الأمير حمزة نفسه. عوض الله تحول الى شخص ساخط ونقدي عام 2018 وتحديداً بعدما ألغي بمرسوم ملكي تفويضه بوظيفة المبعوث الخاص بالملك الله الثاني الى السعودية. في ذلك العام روقب عوض الله لسببين.
الأول عبارات قاسية وخشنة كانت تصدر منه على عشاء صغير في العاصمة البريطانية لندن وتتضمن «إطالة اللسان على الملك» والقصر والتأشير على دوره المخلص في الماضي ثم التنكر له.. حتى تلك اللحظة كانت المسألة لا تزيد عن موظف رفيع ساخط ولا يشعر بالإنصاف فتم الرصد أمنياً دون اتخاذ إجراءات لان مثل هذا السلوك يحصل ومألوف أحياناً.
دور للمخابرات الفلسطينية… و«لأحداث السلط» و«لغز» رسالة الأمير لعوض الله
روقب عوض الله في بدايات العام 2020 لسبب آخر فقد وفرت المخابرات الفلسطينية فيما يبدو معلومات للجانب الأردني عن محاولة بيع عقارات مسيحية وقفية في مدينة القدس لجهة أمريكية غامضة يبدو أن الوسيط او السمسار كان فيها عوض الله.
وبالتالي مراقبة عوض الله لأسباب لا علاقة لها بالأمير حمزة الذي لا تربطه به علاقات حقيقية في ذلك الوقت علماً بأن مركز القرار الأردني كان قلقاً أصلاً في منتصف عام 2020 من اتصالات مريبة يجريها المستشار الأمريكي جاريد كوشنر في المنطقة تحت عنوان الضغط على الأردن في مسألة صفقة القرن.
ويبدو هنا ان السلطات الأردنية تعتقد بان الدكتور عوض الله وهو أحد المقربين أصلاً من الحزب الجمهوري الأمريكي كان له دور وبصمة بالتوازي في التقريب ما بعض الأطراف وكوشنر خصوصًا في اللحظات التي بحث فيها سيناريو الضغط على الأردن من أجل صفقة القرن وعلى اساس ان الرئيس دونالد ترامب عائد وبقوة للسلطة.
تجمع المؤسسات الأردنية الامنية كل هذه المعطيات مع نهايات عام 2020 لكن على طريقة قطع الشطرنج وبشكل منفصل حيث شعور بالقلق والارتياب وعملية استخبارية عميقة تراقب وترصد دون نوايا مسبقة للتشبيك بين الأطراف التي تخضع للمراقبة.
هتاف للأمير حمزة
بدأت عملية مراقبة الاتصالات والاجتماعات في أيار عام 2020 وانتقلت لبدايات العام 2021. ومع بداية العام الحالي يبدو ان الشريف بن زيد تحديداً زاد من معدلات نشاطه وهو من القريبين جداً من الدكتور عوض الله.
ويبدو ايضاً ان بن زيد وحسب البناء الدرامي للتصور الامني الأردني نجح في إقامة علاقة بين الأمير وعوض الله وكلاهما ساخط لأسباب مختلفة.
روقب بن زيد أكثر وبدأت الاجهزة الامنية تشعر بان المعارضة الخارجية او ما يسمى بالمعارضة الخارجية تزيد من جرعة تركيزها على الاحتقان الاقتصادي والسخط الشعبي ويتم تغذيتها وتسمينها بمواد ووثائق وفبركات ويتبين مع التدقيق في التفاصيل بان موظفا سابقا في الديوان الملكي هو الشريف عبد الله بن زيد ينجح في حصول معلومات بعضها سري عما يجري حتى في الديوان الملكي وبقية المؤسسات مع انه مقيم خارج الأردن ويعمل تحت اشراف الدكتور عوض الله صديقه أيضًا وهو شقيق الشريف حسن بن زيد.
تستمر المراقبة وعملية جمع المعطيات حتى في شهر شباط من العام الحالي لكن لا حديث عن سيناريو مؤامرة او مخطط قبل يوم فارق وهو السابق من شهر اذار الماضي حيث توفي 7 مواطنين في حادثة شهيرة نقص فيها الاكسجين بمستشفى السلط الحكومي وشوهد الملك في نفس اليوم بالزي العسكري في المدينة ووسط الناس التي هتفت له فيما فوجئت الاجهزة والدولة لاحقاً بالأمير حمزة يزور ضحايا الحادث معزياً حتى ان بعض المواطنين في ساحة حراكية بمدينة السلط اسمها «العين» تجمعوا وهتفوا لصالح الأمير حمزة وضد شقيقه الملك فيما اعتبر سلوكا خارج المألوف والمسموح ايضاً.
ما حصل في ساحة العين رفع من مستوى الإنذار الأمني وزادت معدلات الرصد واشتعلت المعارضة الخارجية وهي تحقن الشارع الأردني بجرعات كبيرة من الاحباط والتحريض فيما شهد الشهر نفسه دعوات مربكة للتظاهر في الشارع باسم «قوى 24 آذار» ودخلت الأجهزة الامنية في حالة طوارئ هنا فيما رصدت أكثر من 10 لقاءات بين عوض الله والأمير ما بين 7 من آذار وحتى 28 منه في الوقت الذي تزامنت فيه هذه التطورات مع موجة عاتية على وسائل التواصل الاجتماعي تقترح الزحف الجماهيري يوم 24 اذار.
خلافاً للمألوف في طبقة رجال الدولة حركة عوض الله باتجاه الأمير لم تكن مأذونة ولا مبلغاً عنها مما زاد من معدلات الارتياب. اتخذت قوات الدرك والأمن العام احتياطات كبيرة لمنع مخالفة أوامر الدفاع يوم 24 آذار واحبطت تماماً الحراكات ومنعت من التجمع في 5 محافظات على الأقل.
تغريد خارج السرب
وبدأت الدولة وقتها تشعر بأن جهات ما في الخارج تدعم وتسند حسابات تواصلية وتحريضية وبأن المعارضين الخارجيين يزيدون من جرعاتهم التحفيزية وبان قوى 24 آذار ليست بريئة وبأن عوض الله وبن زيد والأمير في محور الحدث ويغردون خارج السرب بطريقة غامضة.
في الأثناء تبرز معطيات بإحساس أمني مثيرة جداً في السياق فالانطباع تشكل من البداية بسيناريو محتمل يقول بأن نقص الاكسجين في مستشفى السلط وفي غيره مرتين سابقاً قد يكون حصل بـ«فعل فاعل».
وتبرز محطة ثانية مهمة ولافتة في مسار الأحداث فأحد العاملين في سوبرماركت يبث شريطاً مسجلاً يتحدث فيه عن ارتفاع كبير في اسعار الزيوت والسكر ويثير عاصفة من الجدل اربكت الحكومة فيما يتجه بعض الوزراء الى رئيسهم الدكتور بشر الخصاونة قائلين بأن ثمة أشياء غريبة تحصل في تلميع وتسويق وترويج كوني لبعض القصص السلبية.
يرتبك الجميع فيما تحصي المؤسسات الامنية الخسائر وتندفع لمعرفة ما يجري. ويصدر لاحقا الضوء الاخضر بإطلاق عملية أمنية واسعة النطاق قمعت أولا حركة 24 اذار التي نجحت اعلاميا ودعمت منصاتياً من ناشطين في الخارج.
وقررت ثانيا اعتقال الاشخاص المقربين من الأمير وعلى رأسهم الشريف ين زيد وموظفون يعملون في مكتبه وبعض أبناء العشائر الذين يرتبون له المجالسات.
وتكلف كتيبة التدخل السريع الأمنية رفيعة التدريب بتنفيذ هذه الاعتقالات بالتزامن بدون ان يكون على رأس المطلوبين حتى تلك اللحظة الدكتور عوض الله وفيما كانت الاعتقالات تنجز يزور قائد الاركان اللواء يوسف الحنيطي الأمير حمزة ويجري بينهما حديث تبين أن الأمير يسجله وأصبح هذا الحديث المسجل المسرب الخبر الأول في الإعلام الدولي فوراً.
تسريب شريط
تقول الرواية الرسمية بأن الأمير سجل مقابلتين فور مغادرة الحنيطي وأرسلهما لصديقه الحجازي المقيم في لندن المحامي مالك الدحلان كما أرسل لنفس المحامي سلسلة كبيرة من الوثائق المصورة وارسل الشريط لمحطة الجزيرة التي امتنعت عن بثه في الساعات الاولى بعد مشاورات مع حلقة مخلصة تدخلت في المسألة فتم بث شريط باللغة الانجليزية مسجل في بي بي سي ولاحقاً ذاع التسجيل الذي قام به الأمير لرئيس الاركان في خطوة اغضبت حتى بعض الامراء واعتبروها غير لائقة بمن فيهم أمراء مقربون من الأمير حمزة.
في كل حال تلتقط المجسات رسالة صوتية من الأمير أرسلت لعوض الله على التواصل ويعتقد حسب السيناريو بأنها الرسالة التي اتخذ بعدها مباشرة القرار باعتقال عوض الله وقد نفذ الاعتقال في اللحظات الاخيرة وبينما كان الأخير يتجه الى المطار وقبل وصوله للمطار.
في تلك الرسالة على الأقل وحسب الرواية الرسمية التي لم تعتمد بعد في التحقيق الرسمي القضائي كان الأمير يبلغ عوض الله بأنه خضع للتهديد وبان على الثاني «إبلاغ المعنيين» في حال حصول أي شيء دون تحديد من هم المعنيون هؤلاء.
طبعاً حصلت تداعيات كثيرة قبل ذلك من بينها زيارة وفد سعودي رفيع المستوى للتضامن وبدء التحقيق مع جميع المتورطين قبل الانتهاء من وجبة التحقيق الأولى وارسال ملف القضية الى النيابة العسكرية. تلك الرواية في مسار أحداث الفتنة الأردنية هي التي اعتمدت في الأقنية البيروقراطية والرسمية وهي التي تتمأسس على تفاصيلها ملفات القضية التي توجد الآن بين يدي نيابة محكمة أمن الدولة. وبالتالي هي رواية الحكومة الأردنية الرسمية حتى اللحظة وقبل المحاكمة ولن تصبح رواية قطعية حاسمة إلا إذا اعتمدها القضاء.