هآرتس - بقلم: ألون بنكاس "ترسخت في الأيام الأخيرة الحكمة الشائعة حول التصعيد المتعمد ضد إيران، التي بحسبها يتصرف رئيس الحكومة نتنياهو بدافعين: الدافع السياسي، وهو خلق أجواء طوارئ أمنية لتحسين المناخ السياسي الإشكالي الذي هو غارق فيه، ومحاولة تشكيل حكومة. الدافع السياساتي وهو إحباط وتعقيد المفاوضات غير المباشرة التي تجري في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران حول عودة الطرفين إلى المسار وإلى إطار الاتفاق النووي، وخلال ذلك خلق مواجهة مع الإدارة الأمريكية التي هي أيضاً، حسب هذه النظرية، ستساعده في الساحة السياسية.
حتى لو كانت هناك مبالغة في تشخيص هذه الدوافع، إلا أن الاحتكاك الزائد مع الولايات المتحدة يبقى أمراً وارداً.
إيران هي الموضوع المحدد والمؤسس لنتنياهو منذ الأزل وبعد أن تلاشى سحر “أنا الوحيد من يجلب اللقاح” وعشرات “المحادثات الودية مع اليهودي الدافئ ألبرت بوريلا (المدير العام لشركة فايزر)”، ولكن من الطبيعي أنه سيتوجه مرة أخرى في فترة ضائقته نحو إيران. فله مصلحة أساسية في الحفاظ على مستوى العداء والتوتر مع إيران، سواء لأنه يؤمن بذلك أو لأن هذا يخدمه.
بالنسبة لنتنياهو، السنة هي دائماً سنة 1938، إيران هي ألمانيا النازية، وهو نسخة محدثة عن ونستون تشرتشل. لم تقم معارضة في إسرائيل ضد هذا الخط باستثناء القليل في عالم الاستخبارات والجيش على مر السنين. نتنياهو يعتبر إيران تهديداً وجودياً، وخطواته تاريخية لمنع ذلك وإحباطه. أي انتقاد أو موقف مختلف في السياسة تجاه إيران هو كفر بهذا المبدأ وعدم وطنية. هذه الحكمة الشائعة مبنية على إضاءة بسيطة: حجم الثرثرة والتبجح الشخصي والغطرسة مع الغمز، لا سيما تحمل المسؤولية عن العمليات، ضد سفينة “سافيز” الإيرانية أمام شواطئ أريتيريا، وانفجار شبكة الكهرباء في منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، وحتى الحديث الدائر حول التسريب المرفوض قبل الأوان لعملية ثالثة، كل ذلك يستهدف جر إيران إلى الرد.
طالما عملت إسرائيل بهدوء وسرية وبدون أي مصادقة أو تطرق، فيمكن لإيران استيعاب الضرر، وكان يمكن للولايات المتحدة تجاهل ذلك. ومنذ اللحظة التي تتفاخر فيها إسرائيل وتتباهى بإنجازات عملياتية، ناجحة لكنها محدودة من حيث الحجم والوقت وتقوم بتضخيم حجم الضرر، “هم بحاجة إلى تسعة أشهر من أجل إصلاح الضرر في نطنز”، قرر “رجال الكهرباء في إسرائيل”، ستكون إيران ملزمة بالرد، وسيخلق التصعيد الآخر واقعاً سياسياً أكثر راحة بالنسبة لنتنياهو ومريحاً أكثر للولايات المتحدة في المفاوضات حول استئناف الاتفاق النووي.
ولكن نظرة أوسع في الوقت والمدى تدل على أن هذا التصعيد بني خلال سنتين ونصف، منذ الانسحاب الأحادي الجانب من قبل الولايات المتحدة والرئيس الأمريكي السابق ترامب من الاتفاق في أيار 2018 وحتى الآن. ديناميكية التصعيد لا تستبعد الدوافع السياسية والسياساتية لنتنياهو، وبالتأكيد لا تحميه من الانتقاد. ولكن السياق أوسع من صعوبات في المفاوضات الائتلافية. قامت إسرائيل في هذه الفترة بتوسيع المعركة بين حربين، من ساحات جوية وبرية وسايبر إلى الساحة البحرية، هذا حسب التقارير، ورفعت حجم النشاطات ضد السفن والخطوط التجارية البحرية الإيرانية.
وأطلق وزير الدفاع في حينه نفتالي بينيت، على ذلك “عقيدة الأخطبوط”، وفي إطار هذا الوقت كانت هناك انفجارات في نطنز. واغتالت الولايات المتحدة في كانون الثاني 2020 قائد “قوة القدس” في حرس الثورة الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، وفي تشرين الثاني 2020 أطلقت النار على فخري زادة وقتلته، وهو عالم لقب بـ “أبو المشروع النووي الإيراني”. واتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني إسرائيل باغتيال فخري زادة ووعد بالانتقام. من هذه الناحية، ليس بين إسرائيل وإيران حرب ظلال أو معركة بين حربين، بل حرب متعددة الأبعاد، حتى لو كانت بقوة ضئيلة نسبياً.
من له مصلحة في التصعيد
عندما نقوم بتوحيد السياق الواسع والأحداث في الأيام الأخيرة، يظهر للوهلة الأولى بأن لإسرائيل مصلحة في التصعيد. استخدام التعابير التحليلية الجميلة “تصعيد بالتدريج” و”سيطرة على التصعيد”، يكون مكانه في دروس نظرية عن العلاقات الدولية أو عن التاريخ العسكري. أما في الواقع، فلا يوجد شيء اسمه سيطرة على التصعيد. من هنا يطرح سؤال: هل فحصت إسرائيل حساب التكلفة – الفائدة الذي سيشكل أساس استراتيجية التصعيد؟ من الصعب معرفة ذلك؛ لأنه لم يتم إجراء نقاشات في الكابنت ولا توجد جلسات للحكومة ولا توجد لجنة خارجية وأمن أو معارضة، لا يوجد سوى نتنياهو.
لنتنياهو مصلحة في فشل المفاوضات بين أمريكا وإيران. الخلافات في محادثات فيينا ليست فقط حول مسألة التوقيت والمعاملة بالمثل في سلسلة خطوات الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي يمكن حله بصيغة متفق عليها، بل أيضاً في مواضيع جوهرية: أولاً، مطالبة إيران بتسوية فورية، حتى لو كانت متدرجة في تنفيذها، لـ “العقوبات غير النووية”. هناك أكثر من 1200 عقوبة غير مرتبطة بشكل مباشر بالمشروع النووي الذي يغطيه الاتفاق النووي.
يدور الحديث عن عقوبات ضد شركات وخطوط تجارة وحسابات بنكية ونشاطات مالية وأشخاص عاديين. هي عقوبات فرضتها الولايات المتحدة بقوة قوانين ضد الإرهاب وقوانين ضد من يوفرون الحماية للإرهاب، وليس كجزء من نظام عقوبات موجه بشكل محدد ضد المشروع النووي الإيراني. وبناء على ذلك، يحتاج رفع هذه العقوبات إلى إجراءات أطول ومصادقات في الكونغرس، الأمر الذي يريد بايدن الامتناع عنه في هذه المرحلة المبكرة لئلا يضع كل الاتفاق في مركز مواجهة سياسية تستنزف الطاقة.
في المقابل، تقول إيران إنه مع كل الاحترام لمصدر التشريع الأمريكي، إلا أن هذه العقوبات خرق صارخ وواضح للاتفاق النووي، لذلك فإن من وقعوا على الاتفاق في 2015 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) تعهدوا بـ “التوقف عن أي سياسة تضر بعملية التطبيع في العلاقات والعلاقات التجارية لإيران مع دول أخرى”، الأمر الذي تتسبب به العقوبات.
الموضوع الآخر المختلف عليه بين الطرفين في محادثات فيينا هو مطالبة أمريكا بتحسين الاتفاق الأصلي وإضافة أبعاد غير نووية إليه: تطوير صواريخ بالستية من قبل طهران، وتأييدها لمنظمات إرهابية، ونشر وتشغيل شبكة “منظمات وكيلة” من قبلها مثل حزب الله وحماس والمليشيات في اليمن والعراق وسوريا. يبدو أنه موضوع يقف في مركز انتقاد إسرائيل للاتفاق الأصلي من العام 2015، ولإسرائيل مصلحة واضحة وأساسية في أن تواصل الولايات المتحدة المطالبة والتصميم عليه.
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار 2018 وحتى كانون الثاني 2021، عملت إسرائيل استراحة سياسية. ترامب ونتنياهو لم يطرحا في أي يوم اتفاقاً “أفضل” كما وعدا وتعهدا بذلك. استراتيجية “الضغط الأقصى” التي اتبعتها واشنطن تجاه إيران فشلت، والعقوبات الشديدة أضرت كثيراً، لكنها لم تتسبب بانهيار اقتصاد إيران، وبالتأكيد لم تتسبب بانهيار النظام.
بدأت إيران في خرق جوهري للاتفاق وتخصيب اليورانيوم بمستويات أكبر بـ 12 ضعف الكمية التي كانت قبل الاتفاق. ومؤخراً، بدأت في ضخ غاز اليورانيوم إلى 164 جهاز طرد مركزي متطور في منشأة نطنز النووية ووقعت على اتفاق شراكة استراتيجية مع الصين. ومحاولة عزل إيران عن العالم فشلت، والأحد الماضي، زار طهران رئيس حكومة كوريا الجنوبية.
مع ذلك، يحدث التصعيد الحالي في الوقت الذي تجري فيه الولايات المتحدة مفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي. وسواء نجحت أم لا، وبأي شروط، فإن إسرائيل تعمل في دائرة قريبة جداً من المصالح الأمريكية. وإذا بقي نتنياهو رئيساً للحكومة، فإن الأحداث الأخيرة جزء من مسار التصادم والمواجهة المحتمة والمتعمدة مع إدارة بايدن. وحسب جميع العلامات، ينوي نتنياهو العودة إلى العمليات التي نفذها في المحاولة غير الناجحة لإحباط وإعاقة الاتفاق النووي في 2015: مواجهة مع الرئيس، واتهام الولايات المتحدة بالتسامح، وضعف وعدم فهم للخطر الإيراني، والذهاب إلى الكونغرس، وسيكون الجمهوريون هناك سعداء للانشغال في أي موضوع يمكنهم من فتح جبهة صاخبة ضد الرئيس الديمقراطي.
ولكن الظروف في سنة 2021 لا تشبه أبداً الظروف في سنة 2015. عملياً، لا يوجد حلف بين إسرائيل والسعودية والإمارات. فالسعودية أبعدتها الولايات المتحدة، في الوقت الذي تقوم الإمارات بلعبة مزدوجة ومنطقية؛ التشدد ضد إيران في الظاهر والتحدث معها بهدوء. يجلس البيت الأبيض رئيس ديمقراطي بعيد عن التأثر بنتنياهو. وحتى تشرين الثاني 2022، سيتحكم الديمقراطيون بمجلسي النواب والشيوخ. لذلك، من غير الواضح ما هو هدف إسرائيل الاستراتيجي من جولة التصعيد الحالية، إلا إذا وافق المرء على الحكمة الشائعة، وهي أن هذا الأمر ببساطة يخدم نتنياهو وليس إسرائيل.